14-مايو-2021

المقال اعتمد على كتاب "كلمات نقتل بها أولادنا لا تقولوها أبدًا" (Getty)

 

كتب جان ديدييه فانسان (Jean-Didier Vincent) في كتابه قلب الآخرين: "منذ تمتماته الأولى وحتى ألفاظه الأخيرة يتفوّه الإنسان بملايين الكلمات: 184800000 كلمة كمعدل وسطي خلال سبعين سنة.." هل كان البعض يستريح لكلماتنا ويطلبها، أم كانت تحدث في القلوب النفور والعداوة؟ يُقال إن الكلمات ليست مجرد أصوات تحمل معنى.. وإنما هي انفعالات تؤثر على سلوكنا وسلوك من نتوجه لهم بالخطاب.. هل ينطبق هذا على أطفالنا؟

 تشكّل كلمات الأولياء شخصية أطفالهم وتعجنها، ويبقى الكهل رهين كلمة سامة يمكن أن تكون قد قيلت له في طفولته

يبدو أنه يخص أطفالنا أكثر من أي طرف آخر، إذ تشكّلهم كلماتنا وتعجن شخصيتهم، ويبقى الكهل رهين كلمة سامة يمكن أن تكون قد قيلت له في طفولته. فكيف نزيل هذه السموم من كلامنا؟

نحاول في هذا المقال تلخيص أشهر 7 عبارات التي لا يجب أن نقولها أبدًا لأطفالنا والواردة في كتاب "كلمات نقتل بها أولادنا لا تقولوها أبدًا" الصادر عن دار الفراشة للزوجين ميسينجر، والعنوان الأصلي للكتاب بالفرنسية: (Ne leur dites JAMAIS).

وجوزيف ميسينجر (Joseph Messinger)، هو عالم نفس متخصص في رموز الحركات والتواصل اللفظي وغير اللفظي. ألّف كتبًا عديدة وحرر مقالات في مجلات فرنسية شهيرة، من بين إصداراته "المعاني الخفية لحركات الجسد" و"المعاني الخفية لحركات السياسيين". وكارولين ميسينجر (Caroline Messinger) هي زوجته وكاتبة تهتم بشكل خاص لرموز الكلام في العلاقة بين الأهل والأولاد.

اقرأ/ي أيضًا: من الكابتن ماجد إلى "الأيباد": كيف أصبح الطفل وحيدًا؟

1- بعد كل ما فعلته من أجلك

مثال: ابنك منغمس في ألعابه الإلكترونية، وأنت تذكّره برسوبه في الامتحانات، أو تطلب منه أن يساعد في مصروف البيت والبحث عن عمل. من بين ما ستتفوه به كوليّ عبارة "بعد كلّ ما فعلته من أجلك؟".

"بعد كلّ ما فعلته من أجلك؟" صيغة كلاسيكية فيها تبرئة للنفس عبر التصرف كضحية

هذه الصيغة كلاسيكية وفق الكتاب، فهي تشير إلى التضحية التي يبذلها الأهل. وفي هذه العبارة يعطي الوليّ قيمة مضخّمة لتفانيه وإنكار ذاته كي يخفي شعورًا مؤلمًا داخله هو، نتيجة فشله على الصعيد التربوي. وكي يبرئ نفسه يتصرّف كضحية: "لقد ضحّيت بنفسي من أجلك، وفشلك يشعرني بالخجل! أنا ضحية حسن نيّتي وتفانيّ" فبعد كل شيء، من السهل على المرء أن يكون مدعاة للشفقة من أن يكون مدعاة للوم.

الصيغة المثلى ربما هي أن نعكس هذه المقولة فنقول مثلًا: "بعد كل ما لم أفعله من أجلك، أفهم سبب مشاكلك المدرسية. أريد أن أساعدك في التغلب عليها". لكن من هو الولي القادر على التعبير على هذا النحو؟

اقرأ/ي أيضًا: ابني متنمّر يعتدي على أصدقائه.. ماذا أفعل؟

2- عندما كنت في مثل سنّك

مثال: ابنتك تكتب في كراس الخط، تخبرينها بعدما أنهت الكتابة وأرادت اطلاعك عليها: "أنا في سنّك لم أكن أستغرق كل هذا الوقت لكتابة صفحة واحدة، وكان خطي أوضح من خطك"، أو أن تخبر ابنك: "أنا كنت موهوبًا في الكتابة، ولولا ظروف معيّنة لصرت كاتبًا كبيرًا" إلخ..

هذا التصرف الكلاسيكي يكشف عن أنانية عنيدة حسب الكتاب، فعبارة "أنا عندما كنت في مثل سنّك" تعبر عن وضع الشخص الذي يلعب بذكريات الآخرين فيقفز فوقها ويستبدلها بذكرياته الخاصة. وربما هذا منطقي لأنه أحس أن الأمر يهمه ويعنيه، لكن يعنيه إلى درجة أن يصبح غير قادر على الإصغاء إلى الآخرين؟ الولي الذي يتلذّذ باستخدام هذه العبارة يسعى إلى إبراز نفسه، لكي ينسى أحلام المجد التي لم يحققها.. هذه الفوقية مختلقة ومتصنعة، تهدف إلى تخليص الولي من المرارة التي يشعر بها حيال حياة كان يتمنى أن تكون مختلفة عما هي عليه الآن.

"أنا عندما كنت في مثل سنّك" من يتلذذ باستخدام هذه العبارة يسعى إلى إبراز نفسه، لكي ينسى أحلام المجد التي لم يحققها..

تُلبس هذه العبارة الطفل صفة الخاسر، حتى إن كانت بنبرة حنونة قصد التشجيع، ولذا من المهم ألّا نعيق الاستعدادات الشخصية للطفل بالإفراط في المقارنات، فالمقارنة قد تعني في أحد أوجهها التشكيك في القدرات.

3- انظر في عينيّ عندما أتكلم معك

لا يحب الأطفال الغرباء الذين ينظرون في أعينهم، لأن ذلك يخيفهم، العينان الجاحظتان المفتوحتان على مداهما أو النظرة القاسية هي آليات شبيهة بالتنويم المغناطيسي تشلّ الأطفال وتخيفهم، وليس في متناول الطفل سوى وسيلة لحماية نفسه وهي إشاحة نظره والنظر في الفراغ.

إذا أجبرتم طفلًا على أن ينظر في عينيكم لتأنيبه فإن حدقتيه تضيقان تلقائيًا، فيضع بالتالي حاجزًا بينه وبينكم. وإذا مارستم هذه اللعبة أكثر مما ينبغي فسيبني جدارًا شاهقًا لا يمكن تجاوزه ليحمي نفسه منكم، فتخسرونه.

هذا الطلب "انظر في عينيّ" هو طلب أحمق حسب مؤلفي الكتاب، فهو يدمّر شيئًا فشيئًا في كل مرة الرباط العاطفي الذي من المفترض أن يربط بينكم وبين طفلكم، وقد نصحا بفرض السلطة بوسائل أخرى غير هذه.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يكره أبناؤنا المدرسة؟

4- كما تريدين حبيبتي

مثال: أم لا تأخذ موقفًا مباشرًا كي لا تتواجه مع طفلتها متقلبة المزاج. هذا التساهل قد يؤدي إلى محو الحدود بينهما، كأن تضرب الطفلة الأرض بقدميها رافضة الذهاب إلى النوم مفضّلة مشاهدة التلفزيون. تعلم الأم أن طفلتها إن لم تنم الآن لن تتمكن من  الاستيقاظ صباحًا للمدرسة، لكنها وكي تحظى ببعض الهدوء تقول لها: "كما تريدين".

"كما تريد" جملة الاستقالة الكليّة من المسؤولية.. يجب على الولي أحيانًا استبدال "كما تريد" بـ"كما أريد"

هذه الجملة تعدّ استقالة كليّة من المسؤولية، ويجب على الوليّ أن يتعلم قول لا حتى وإن رغب بشدّة في قول نعم. ينصح الكاتبان بأن يلغي الوليّ من خطابه هذه الجمل الاستقالية واستبدال "كما تريد" بـ"كما أريد"، لأنّه "في بعض الحالات يشكّل التصرف السلطوي للولي الدواء الناجع الوحيد ضد التساهل أو الدلال.." قد يكرهك طفلك في لحظتها، لكنك تعلم أنّ هذا في مصلحته.

5- أنتَ حقًا ابن أبيك - أنتِ حقًا ابنة أمك

تصور أن يقال لكم: أنت حقًا والد ابنك، بعد أن يكون الطفل قد ارتكب حماقة ما، فيصبح الابن عندئذ مثالًا لوالده وليس العكس. "هذا الشبل من ذاك الأسد" هو القول الأكثر شيوعًا في العائلات. ولكن هذه الجملة محكمة للنوايا، حيث إننا نحكم على الابن بحسب الأفعال والنوايا التي نعزوها للأب.

إن تشبيه الابن بأبيه أو الابنة بأمها يمكن أن يتحول إلى لعنة عائلية، ولكثرة تكرار أنه ابن أبيه مثلًا ينتهي الأمر بالطفل إلى تقليد سلوك هذا الأب الذي ترفضه الأم، وسيكرر أخطاءه بشكل حتمي، خاصة في غياب الأب عن اللعبة وعدم حضوره لدى قول العبارة للدفاع عن نفسه.

الأطفال لا يحبون أن تلصق بهم سمة تذكرهم أن والدهم أو والدتهم أفضل منهم أو أقل شأنًا

يقول الكاتبان "نادرًا ما يعتبر تشبيه الابن بأبيه مديحًا أو ثناءً، حتى وإن كان كذلك! ثم إن الأطفال لا يحبون أن تلصق بهم سمة تذكرهم أن والدهم أو والدتهم أفضل منهم أو أقل شأنًا".

6- حاول وسترى، لن يكون هنالك ما تلوم نفسك عليه

مثال: طفلك يعتقد بعد أن سأل وبحث، أنّ معايير الالتحاق بأحد الجامعات صعب جدًا، تجيبه أنت "حاول أن تتقدم لامتحانات القبول، لن تخسر شيئًا".

من يحاول لا يخاطر بأي شيء، لا يلتزم، ويعرض نفسه لخيبات كثيرة. يحمل فعل "حاول" في طياته "جرثومة الفشل"، فهو يزعزع ثقتنا بأنفسنا ويضعف قناعاتنا ويعيق قدرتنا على بذل الجهد والوقت اللازم لتحقيق ما نريده، ويجنبنا التوتر والضغط الناتجين عن ضرورة النجاح دومًا حسب الكتاب.

وينصح الزوجان ميسينجر بأن يرمي الولي النصائح "الفطنة" من قبيل: "يمكنك أن تحاول" في سلة المهملات، فهي تضمن لأولادكم الفشل، "نحن عندما نحاول، نتيح لأنفسنا إمكانية الفشل، إمكانية إضعاف ثقتنا بأنفسنا أو بتحقيق هدف معيّن، ويجب استبدال هذا الثوب البالي من عبارات المحاولة بعبارات النجاح".

اقرأ/ي أيضًا: عندما يفنى كل شيء تبقى المدرسة..

7- إني أعتمد عليك

مثال: تطلب الأم من ابنتها ترتيب أغراض في الخزانة لالتزامها بموعد واحتمال تأخرها في العودة، توافق الابنة فتؤكد الأم "أنا أعتمد عليك".

جملة "أعتمد عليك" تبدو كإنذار نهائي: إن كانت النتيجة مخالفة لتوقعاتي فلن أطلب منك أي شيء بعد اليوم

الولي الذي يعتمد على ابنه أو ابنته في عمل ما، يهمه في الواقع الفائدة التي سيجنيها هو من هذا العمل. يعتبر الولي ابنه مساويًا وندًا له يكافئه بالاعتماد عليه، ويعتبره أهلًا للثقة في حين أنه مازال طفلًا. في عملية التلاعب والتحايل هذه يهتم الولي بتحقق العمل، فلن تتمكن الأم مثلًا من القيام بترتيب الخزانة إن لم تساعدها ابنتها، ولو اعترفت أنها بحاجة إلى مساعدة ابنتها بدلًا من قول "أنا أعتمد عليك" لكانت كافأتها بعد ذلك بدل هذه الطريقة الدبلوماسية، كما أن جملة "أعتمد عليك" تبدو كإنذار نهائي: إن كانت النتيجة مخالفة لتوقعاتي فلن أطلب منك أي شيء بعد اليوم.

يقول الزوجان في خاتمة كتابهما: "إن الكلمات والعبارات الملوثة التي تبتكرونها أو التي تأخذونها عن غيركم هي التي تغذي القسم الأعظم من الصعوبات التي تواجهونها خلال أدائكم دوركم كمربّين، مثل الخلافات المتكررة وعدم الانضباط  والفشل في الدراسة وغيرها.. إذا كانت الكلمات التي لا تستطيع كل شيء فهي تستطيع الكثير".

 
اقرأ/ي أيضًا: