مقال رأي
أن يؤدي وفد من الاتحاد العام التونسي للشغل، الحائز على نوبل للسلام سنة 2015 بالشراكة مع ثلاث منظمات تونسية أخرى أشرفت على الحوار الوطني لحلّ الأزمة السياسية في البلاد سنة 2013، زيارة إلى سوريا في ضيافة الأسد، فذلك عين المفارقة وبؤس اللحظة. حاملو نوبل للسلام يحتفون بنيرون العصر ويتسارعون لأخذ الصور معه، ويدافعون عن الزيارة باسم المقاومة والعروبة. يا حيف.
حاملو نوبل للسلام يحتفون بنيرون العصر الأسد ويتسارعون لأخذ الصور معه ويدافعون عن الزيارة باسم المقاومة والعروبة
زيارة الاتحاد ليست الأولى من نوعها تونسيًا، فقد سبقتها قبل أسابيع زيارة لوفد برلماني، بل ولحقتها مباشرة زيارة لوفد برلماني آخر من نواب من الجبهة الشعبية ونواب حاليين وسابقين من حزب نداء تونس، وهي زيارات يتم توصيفها بأنها شعبية بصفة مغالطة. وتأتي هذه الزيارات المتلاحقة بعد سقوط لائحة برلمانية لإعادة العلاقات مع النظام بعد تحفظ نواب حركة النهضة ونواب آخرين.
والمفارقة أن نواب حزب نداء تونس، معظمهم، وهو الحزب الرئيسي في الائتلاف الحاكم، وأحزاب حاكمة أخرى صوتت لصالح اللائحة، والحال أن رئاسة الجمهورية لا تزال غير متحمّسة لتطبيع كامل للعلاقات مع النظام السوري، رغم أن الرئيس قائد السبسي وعد بنفسه قبل ترشحه للرئاسة بذلك. بالنهاية، جميل أن تفرض أحياناً الحسابات الإقليمية والدولية نفسها على حساب القناعات والوعود، ما دامت القناعة شرًا، والوعد باطلاً.
في الواقع لا يجب أن ننسى أن موقف قطع تونس لعلاقاتها مع الأسد ونظامه، والذي اتخذه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وهو قرار باتت تتنصّل منه اليوم حركة النهضة، الحاكمة زمن اتخاذ القرار أيضًا، كان ولا يزال الموقف الطبيعي لتونس الثورة تجاه نظام إرهابي، وذلك مؤازرة للشعب السوري الذي ثار أسوة بالشعب التونسي.
غير أن تكلفة هذا الموقف على المرزوقي كانت باهظة، وذلك حينما توحّدت القوى القومجية مع قوى النظام السابق مستغلّة آلة الإعلام التي تسيطر عليها للترويج لمغالطات عديدة، أولها أن هذا القرار سبّب موجة من المقاتلين التونسيين نحو سوريا، وكأن بقاء العلاقات كانت ستمنع ذلك، وثانيها أن قطع العلاقات تمّ مع الشعب السوري لا مع النظام الغاصب الدموي. فلا تسمع إلا قصفًا إعلاميًا حول قطع العلاقات مع سوريا لمغالطة الرأي العام الذي تستهوي جزء منه قصص المؤامرات الخارقة وبطولات "الجيش العربي السوري" في مواجهة أعتى جيوش العالم، وما الروس والإيرانيون إلا خير حليف للأمة العربية الصامدة!
الإيجابي أن موقف المرزوقي، اليوم بعد سنتين من مغادرته لقصر قرطاج، لا يزال ذاته، بل وأعلن قبل أيام تنصّله من منصبه كرئيس شرفي للرابطة التونسية لحقوق الإنسان بعد تنديدها بإسقاط البرلمان للائحة إعادة العلاقات مع النظام. ما الذي يجعل الرابطة الحقوقية الحائزة على نوبل مع الاتحاد تدافع دون هوادة عن نظام هو عنوان انتهاكات حقوق الإنسان؟ وللطرافة تعتبر الرابطة أن المطلب يأتي في إطار حق الشعوب في تقرير مصيرها. لم تكن للرابطة فيما سبق مواقف حقوقية جديّة من مجازر النظام المصري، وكذلك من النظام السوري. منطق الأيديولوجيا يعلو على منطق حقوق الإنسان في رابطة حقوق الإنسان. وهي مفارقة مشمئزة خاصة لدى المنظمات الحقوقية الدولية حينما ترى توزيع حقائب الدفاع عن حقوق الإنسان بحسب الهوى لا أكثر.
ربما يتفاجأ المراقبون وتحديدًا العرب من مدى الانخراط الحماسي للاتحاد والرابطة الحائزتين على نوبل للسلام مع الأنظمة الاستبدادية في مصر وسوريا، ولكن في الواقع، فإن هذه المنظمات، ورغم طابعها النقابي أو الحقوقي، هي في جوهرها ذات طابع سياسي أيديولوجي، وهذا ليس عيبًا بعينه بل قد يكون من الموجب في سياق مواجهة الاستبداد وترابط المجالات بحكم طبيعتها. بيد أن هذا الطابع يتجاوز المجال المحلّي نحو الإقليمي لتختلف المعايير، فيغض الاتحاد بصره عن انتهاك الحق النقابي في سوريا، كما تغض الرابطة بصرها عن انتهاكات حقوق الإنسان على يد أجهزة النظام، فمبغاها إقليميًا ليس نصرة حقوق العمال ولا حقوق الإنسان، بل نصرة الأيديولوجيا الكريهة.
زيارة اتحاد نوبل لسوريا هي عار وإهانة للنقابيين السوريين الذي مارس عليهم النظام البعثي انتهاكات المنع من النشاط والسجون طيلة عقود
يسيطر القومجيون ولفيف اليساريين الخارجين عن منطق اليسار المواطني، على هذه المنظمات لأسباب تاريخية، وذلك حينما هرعوا إليها في زمن الانغلاق السياسي وسيطرة الحزب الواحد طيلة عقود في تونس، وتتواصل على هذا الأساس سيطرتهم بعد الثورة على هذه المنظمات بحكم الشرعية التاريخية، ولكن سياق ما بعد الثورة سيساهم تباعًا في تصحيح المسار مع تحرر المجال السياسي، ليصبح الاتحاد، وهو ما نأمله، نقابيًا يدافع عن حقوق العمال في العالم دون اعتبار للأنظمة الاستبدادية، وتصبح الرابطة حقوقية تدافع عن حقوق الإنسان دون تمييز بين إنسان وآخر بحسب اتجاهاتهم الأيديولوجية والسياسية. وأما من يريد الدفاع عن نظام إرهابي، فليمارس إرهابه بعنوان سياسي حزبي على الأقل وليس بجبة نقابية أو حقوقية.
زيارة اتحاد نوبل لسوريا مؤخرًا، هي عار وإهانة للنقابيين السوريين الذي مارس عليهم النظام البعثي انتهاكات المنع من النشاط والتضييق والسجون طيلة عقود. وهي عار وإهانة للثورة التونسية واستحقاقاتها. من يريد أن يعبر عن دعمه للشعب السوري، فليزر مخيّمات اللاجئين الذين تركوا منازلهم بسبب إرهاب النظام، وليس عرين أسد قاتل وجبان.
بالنهاية، العلاقات مع الشعب السوري باقية ولم تنقطع يومًا، فلم يكن قطع العلاقات مع النظام الأسدي قبل خمس سنوات إلا دعمًا وإسنادًا لشعبنا الثائر والمقاوم في الشام.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"