26-يوليو-2022
نسبة مشاركة محتشمة في الاستفتاء.. عزوف أم مقاطعة؟

النسبة الأولية للمشاركة في الاستفتاء بلغت 27.45% (حاتم الصالحي/ أ ف ب)

 

بانتهاء عملية الاستفتاء على مشروع الدستور الذي عرضه الرئيس التونسي قيس سعيّد على الناخبين التونسيين للتصويت بنعم أو لا، انطلقت منذ ليلة 25 جويلية/ يوليو 2022، مرحلة فرز الأصوات في كافة مراكز الاقتراع ليتم إثر ذلك الإعلان من قبل هيئة الانتخابات على النسب الأولية للمشاركة والتي بلغت 27.45% أي أن 2.458.985 ناخبًا شاركوا في هذا الاستحقاق الانتخابي من جملة 9.278.541 ناخبًا. 

يطرح تخلّف حوالي 73% من الناخبين عن الاستفتاء فرضيتين: إما عزوف التونسي عن الانتخابات بصفة عامة، أو مقاطعة لهذا المسار السياسي الذي انتهجه سعيّد

وتعد نسبة مشاركة الناخبين، الرهان الأبرز في الاستفتاء خاصة وأن الرئيس التونسي كان قد أعلن في أكثر من مناسبة أنه يستمد شرعيته من الشعب ورفع شعار "الشعب يريد" في أكثر من مرحلة، علاوة على أهمية هذا الاستحقاق الانتخابي الذي يؤسس لجمهورية جديدة ويقطع مع دستور 2014 الذي صاغه المجلس التأسيسي إبان الثورة.

ويطرح تخلّف حوالي 73% من الناخبين عن هذا الموعد الانتخابي فرضيتين: إما عزوف التونسي عن الانتخابات بصفة عامة، أو مقاطعة لهذا المسار السياسي الذي انتهجه الرئيس التونسي.

"الدستور لم يحظ بأغلبية واسعة"

يرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن النسبة التي حصل عليها الدستور معقولة، نافيًا إمكانية حدوث عملية تزوير في هذا الشأن، كما اعتبر أن هذه النسبة بقدر ما كانت مفيدة للرئيس سعيّد حتى يمرّر دستوره في غياب وجود عتبة وآلية واضحة للحكم على شرعية النص أو عدم شرعيته، فإنها بيّنت في المقابل أن حالة العزوف لدى التونسيين تتّسع يومًا بعد يوم وأن الدستور في نهاية الأمر لم يحظ بأغلبية واسعة.

صلاح الدين الجورشي (محلل سياسي) لـ"الترا تونس": لم يصل صوت سعيّد إلى عموم التونسيين الذين قاطعوا أو عزفوا، رغم اضطراره حتى لارتكاب خرق قانوني يوم الاقتراع

وقال الجورشي في حديثه لـ"الترا تونس" إنّ "عدم حصول الدستور على أغلبية مقنعة انعكس على شعبية الرئيس الذي رغم وضعه لثقله واضطراره حتى لارتكاب خرق قانوني يوم الاقتراع، لم يصل صوته إلى عموم التونسيين الذين إما قد قاطعوا بدعوة من الأحزاب المعارضة أو لم يفعلوا.. لكن عموم التونسيين الذين لم يشاركوا في التصويت دافعهم الرئيسي عدم اهتمامهم بالسياسة والشأن السياسي".

كما أعرب المحلل السياسي عن يقينه بأن الأغلبية الساحقة للمشاركين في التصويت لم يقرؤوا الدستور ولم يطّلعوا على تفاصيله ولم يدركوا المطبات الخطيرة التي يتضمنها نص الدستور المعروض على الاستفتاء، مشيرًا إلى أن أغلب الذين صوتوا بـ(نعم) مازالوا يعتقدون أن الرئيس سعيّد هو المنقذ، وأرادوا تأكيد القطيعة بينهم وبين بقية الأحزاب السياسية واعتبروها فرصة لدعم شرعية الرئيس ودعم شعبيته بقطع النظر عن السياسات التي يمكن أن يقدم عليها في المرحلة القادمة.

صلاح الدين الجورشي (محلل سياسي) لـ"الترا تونس": متيقن من أن الأغلبية الساحقة للمشاركين في الاستفتاء لم يقرؤوا الدستور ولم يدركوا المطبات الخطيرة التي يتضمنها

أرقام

عمدت هيئة الانتخابات في عملية تسجيل الناخبين إلى التسجيل الآلي للناخبين ليتجاوز بذلك عدد الناخبين التسعة ملايين ناخب، في حين أن العدد الجملي للناخبين في الانتخابات التشريعية الفارطة كان في حدود السبعة ملايين.

وقد بلغ عدد المشاركين في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، 48.9% بالنسبة للجولة الأولى و55.2% في الجولة الثانية.

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، 41.3% وفقًا لمعطيات هيئة الانتخابات.

كما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، 64% فيما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية للسنة نفسها 61.8%.

شعار "الشعب يريد" لا يمكن رفعه بـ 25% نسبة مشاركة

شكّلت نسبة مشاركة التونسيين في الاستفتاء على مشروع الدستور النقطة المركزية التي بُنيت عليها العديد من التحليلات والاستنتاجات على الرغم من أن جلّ المشاركين كانوا قد ساندوا مشروع الدستور وفقًا للنتائج الأولية التي أعلنت عنها هيئة الانتخابات. وقد طُرحت العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت هذه النسبة قادرة على إضفاء مشروعية على الدستور الجديد من عدمه ومدى قدرة هذا الدستور الذي سيمر بتونس إلى جمهورية ثالثة على توحيد الصفوف وجمع الشتات والقطع مع الخلافات.

الصغير الزكراوي (أستاذ قانون): سعيّد يريد التأسيس لجمهورية جديدة ولفكر جديد، وبالتالي لا بد من أن تكون نسبة الانخراط في هذا المشروع محترمة تتجاوز الـ 50%

وقد اعتبر أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي أنه في تحليل وقراءة أيّ استفتاء أو انتخابات، أول الأرقام التي نقف عندها هي نسبة المشاركين ونسبة المقاطعين والعازفين، وأنه في الاستفتاء على الدستور هناك رقمان مهمان يشكلان مفتاحًا لفهم النتائج والآفاق التي يفتحها الاستفتاء، وهما: 27% نسبة المشاركين و73% نسبة المقاطعين.

وأضاف الزكراوي في تصريحه لإذاعة محلية، أن الهدف من الاستفتاء هو إضفاء مشروعية شعبية على دستور الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي كتبه بنفسه ولنفسه، مبينًا أن الرئيس سعيّد يريد التأسيس لجمهورية جديدة ولفكر جديد وبالتالي لا بد من أن تكون نسبة الانخراط في هذا المشروع محترمة تتجاوز الـ 50%، وفقه.

وتابع: "الرئيس لا يمكن أن يعمل في المرحلة القادمة بأريحية لأن هناك مشروعية ضعيفة.. وليست النتائج ساحقة كي تزيح منافسيه من المشهد السياسي.. كنت أتمنى أن تكون نسبة المشاركة أكبر ليكون الرئيس متناغمًا مع شعاره (الشعب يريد) فلا يمكن رفع هذا الشعار بنسبة 25%".

من جانبها اعتبرت جبهة الخلاص الوطني أن حوالي 75% من الناخبين التونسيين رفضوا إضفاء الشرعية على مشروع دستور قيس سعيّد وأنه فشل فشلًا ذريعًا في نيل التزكية الشعبية لمشروعه، وبالتالي فقد كل مبرر للاستمرار في الحكم.

أما منظمة ملاحظون بلا حدود فقد اعتبرت أن الإقبال ضعيف مقارنة بعدد الناخبين المسجلين منتقدة عدم إعلان هيئة الانتخابات عن عدد المشاركين في الاستفتاء حسب الدوائر الانتخابية والاقتصار على الإعلان عن العدد الجملي للناخبين خلال ندوة صحافية.  

"إقبال محترم"

اختلفت قراءة الفاعلين السياسيين والمتابعين للشأن السياسي في تونس لنسبة المشاركة في الاستفتاء خاصة وأن أغلب المشاركين ساندوا مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء.

واعتبر المحلل السياسي فريد العليبي أن نسبة الإقبال على المشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور محترمة على اعتبار أن الأمر يتعلق باستفتاء لا بانتخابات تشريعية أو رئاسية يتعدد فيها المتنافسون بما يؤدي إلى ارتفاع نسبة المشاركة.

فريد العليبي (محلل سياسي) لـ"الترا تونس": غياب العتبة لا يمثل عائقًا لأن النتيجة في الاستفتاءات تتحدد بغلبة القبول أو الرفض، وما حدث خلال الاستفتاء هو غلبة القبول

وبين العليبي في حديثه لـ"الترا تونس"، أن نسبة المشاركة أخذت بعين الاعتبار المسجلين اختياريًا وآليًا، وهذا ما يؤدي إلى انخفاضها علاوة على عامل حرارة الطقس، لافتًا إلى أنه بمقارنة نسبة المشاركة في الاستفتاء بالنسب السابقة، لا يُلاحظ اختلاف من حيث الجوهر وبالتالي "النسبة مقبولة وتبيّن أن التونسيين أدركوا أهمية تغيير الحياة السياسية وإحداث قطيعة مع منظومة حكم يرون أنها خدعتهم بانتقال ديمقراطي مغشوش، وهذا يعني أن التصويت في الاستفتاء يفسّر في الوقت نفسه بمعاقبة تلك المنظومة والرغبة في التغيير السياسي من خلال دستور جديد" وفقه.

وقال المحلل السياسي إن "الشعب التونسي يصنع مصيره بيده، وتدخل مرارًا لفعل ذلك وأن الدستور ليس قيدًا في معصمه، وأمامه محطات سياسية مهمة قادمة بعد أشهر". وتعليقًا على غياب العتبة يرى العليبي أنها لا تمثل عائقًا لأن النتيجة في الاستفتاءات تتحدد بغلبة القبول أو الرفض، وما حدث خلال الاستفتاء التونسي يوم 25 جويلية/ يوليو 2022، هو غلبة القبول، و"من هنا فإن تونس أصبح لها دستور جديد، وهناك خطوات أخرى في الطريق مثل تغيير القانون الانتخابي، وهكذا ترتسم ملامح مشهد سياسي جديد" على حد تعبيره.