"الكاف والشمال الغربي التونسي بكل ولاياته لا يوجد به آلة بيانو،
لقد قاطعنا نهائيًا وزارة السياحة بعد أن أغرقتنا في ديون تناهز 240 ألف دينار تونسي،
وزارة الشؤون الثقافية غائبة تمامًا ولا تقدم لنا سوى الفتات،
وزارة المالية سيّدة البيروقراطية في تونس، تعيق أحلامنا الثقافية في الكاف لمجرد شكها في فاتورة بنزين ضمن الملف المقدم لها لمراقبة المصاريف،
الكاف ستعوّل على نفسها ثقافيًا في كل شيء، وما دام الديوان الوطني للسياحة غير موجود فإن كل مواطن كافي هو مسؤول عن السياحة في جهته".
هذه بعض المقتطفات المنتقاة من جملة تصريحات مؤلمة ذكرها رمزي الجبابلي مدير مهرجان "سيكا جاز" السبت 5 مارس/ آذار 2022 بمدينة الكاف أثناء توليه تقديم برمجة المهرجان ضمن دورة سابعة شعارها "العودة إلى الحياة"، بعد أن عطلت جائحة كورونا كل الحياة وعبثت القوانين المتكلسة بالأحلام ثقافية لجهة تونسية لا تتنفس سوى فنون وآداب وثقافة.
رمزي الجبابلي وكامل فريق مهرجان "سيكا جاز"، خيّروا أن يكون اللقاء بوسائل الإعلام التونسية والأجنبية المعتمدة بتونس في فضاء خاص وهو "مركز أليف"، وذلك للتأكيد على استقلالية المهرجان، وفقهم.
رمزي الجبابلي (مدير مهرجان "سيكا جاز"): سيقع استبدال فضاء القصبة الأثري بفضاء مركز الفنون الدرامية والرّكحية بالكاف ضمن سياسة المهرجان الجديدة التي تتوخى التقشف من أجل الاستمرارية ومجانبة الاضمحلال
وأوضح مدير مهرجان "سيكا جاز" أن هذه الدورة ستكون على جزئين أساسيين يغطيان كامل السنة الثقافية: الأول من 15 إلى 20 مارس/ آذار 2022، والثاني "سيكا جاز لايف فاكتوري" من 3 إلى 11 سبتمبر/ أيلول 2022، لكنه أضاف بأسى أن حفلات الجزء الأول والتي كان من المفترض أن يحتضنها فضاء القصبة الأثري ويضفي عليها روحًا خاصة سيتم استبداله بفضاء مركز الفنون الدرامية والرّكحية بالكاف وذلك لاعتبارات ترتيبية ومادية، وضمن سياسة المهرجان الجديدة التي تتوخى التقشف من أجل الاستمرارية ومجانبة الاضمحلال والتلاشي كما حدث لعدة مهرجانات أخرى شبيهة، وفق وصفه.
وذهب الجبابلي إلى إعلان القطيعة التامة بين المهرجان ووزارة السياحة مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي لهذه القطيعة هو "تلك اللوبيات الخفية القديمة والمستبدة بالوزارة وبالديوان الوطني للسياحة ومختلف المؤسسات والإدارات المنتمية لهما"، مؤكدًا أنها "تحارب بأساليب لا مرئية مهرجاننا وعموم المهرجانات التي تقدم البديل الثقافي والمستجدة والجاذبة للسائح التونسي والأجنبي، والتي تشتغل على موسيقى العالم وإدماجها بالمناخ التراثي والفني المحلي، فهي تسارع بشتى الطرق إلى إبادتها لأنها تشكل خطرًا على مجالها الحيوي وهو النزل والسياحة البحرية" وفقه.
ورغم كل تلك الصعوبات المادية والمعنوية، أعلن الجبابلي أن مدينة الكاف تم تصنيفها مؤخرًا كمدينة من مدن الجاز في العالم وهو ما اعتبر في الكاف تكريمًا لمدينة تُعلي من الثقافة وتنتج الفنون كما تنتج القموح.
أوضح فريق "سيكا جاز" أن الدورة السابعة وبميزانية لا تتجاوز المليار من العملة التونسية، جُمعت بين الدعم الداخلي والخارجي، ستقدم خلال شهر مارس/ آذار الجاري خمسة عروض يحضرها فنانون من تونس وخارجها ينتمون إلى عوالم ومناخات الجاز والتكنو والسول والروك والفانك.. من بينهم المغني التونسي وعازف الباتري "كريم زياد" والجازمان التجريبي وعازف الساكسوفون الفرنسي "غيوم بيري" ومن نجوم الجاز الأمريكي "بوني فيلدز وعازف التروبيت "تيو كروكر"، وغيرهم.
وتحدث الفريق عن جزء شهر سبتمبر/ أيلول ضمن برمجة الدورة السابعة من "سيكا جاز" معتبرًا إياه اختيارًا صعبًا وشاقًا لكنه يعبر عن خيار أساسي من خيارات المهرجان وهو "كسر اللامركزية الثقافية"، ففي النصف الأول من شهر سبتمبر/ أيلول 2022، سترافق الكاميرا جمهور المهرجان إلى بعض المدن الأثرية والمواقع والمعالم التراثية بالشمال الغربي التونسي حيث تلتقى الموسيقى بالتراث المادي واللامادي، وبالمطبخ الريفي وبألوان المكان وروائح الحصاد بسهول الشمال.
وهذه المرة، تم اختيار سبعة مواقع وهي مقهى الأندلس بتستور من ولاية باجة والذي سيحتضن حفل جاز وفلامنكو يؤثثه "خوان كارمونا" كما تحتضن مدينة "تيبار" من ولاية باجة حفل "إيتما"، أما موقع "اللّاس" بالسرس من ولاية الكاف فسيحتضن حفل الفنانة "روضة عبد الله"، وسيعزف "غيوم بيري" على الساكسوفون بأطلال منجم الحديد بالجريصة، أما "سول شايلد" فسيقدم حفلًا بمنزل سالم بمنجم الرصاص بالجريصة، وستختم حفلات الداخل بعرض للجازمان وعازف البيانو التونسي وجدي الرياحي بالموقع الأثري بحيدرة من ولاية القصرين.
رمزي الجبابلي (مدير مهرجان "سيكا جاز"): لوبيات خفية قديمة ومستبدة بوزارة السياحة وبالديوان الوطني للسياحة ومختلف المؤسسات والإدارات المنتمية لهما، تحارب بأساليب لا مرئية مهرجاننا وعموم المهرجانات التي تقدم البديل الثقافي
منذ 2014، و"سيكا جاز" -بخطواته المتعثرة والتي زادته صلابة لا تعرف اللين، واتزانًا لا تهزه الرياح الآتية- يحاول إثبات وجوده في خارطة المهرجانات غير النمطية والتي تقدم البديل الثقافي بعيدًا عن كلاسيكيات الدولة وذلك انطلاقًا من روح المكان ومن الرصيد الحضاري والثقافي الثري للكاف كمدينة عُدّت ولا زالت مصدرًا للفن الذي يرتقى بالذوق العام، مسرحًا وغناءً وأدبًا وموسيقى.
اقرأ/ي أيضًا: "سيني ريف".. أنموذج لدمقرطة الثقافة في تونس
"الجامعة التونسية للمهرجانات الدولية" دمقرطة الثقافة بعيدًا عن التصورات الكلاسيكية للدولة
إن قضايا المهرجانات والأنشطة الثقافية بالجهات لم تعرف الحلحلة والتطوير منذ الثورة إلى اليوم، ويُرجع المختصون ذلك إلى غياب الرؤية السياسية الصادقة طيلة العشر سنوات الماضية في تغيير السياسة الثقافية التي تقادمت ولم تعد مواكبة لروح العصر والاتجاه نحو التجديد ورسم استراتيجيات بديلة ترتكز على توازنات متجددة تراعي مبدأ الحق في للثقافة لجميع المواطنين بجميع الجهات على قدم المساواة وكسر الحصار الثقافي على جهات بعينها بالشمال الغربي وبالوسط الغربي وبالجنوب التونسي.
في سابقة ثقافية لم تعرفها تونس من قبل.. تم بعث جامعة المهرجانات الدولية، ووقع على عين المكان إمضاء اتفاقية نشأة هذا الهيكل الجديد من قبل ثمانية من مديري المهرجانات الدولية منها مهرجان دقة وبنزرت وسوسة وجربة..
هذا الأمر حدا بجمعية مهرجان دقة الدولي إلى الدعوة إلى "انتفاضة ثقافية سلمية" تناقش أمر المهرجانات التي تعاني صعوبات وذلك عبر ندوة وطنية لتطوير التظاهرات الثقافية انتظمت طيلة يوم 5 مارس/ آذار 2022 بمشاركة 15 مهرجانًا دوليًا نذكر منها مهرجان دقة وبنزرت وسوسة وجربة ومهرجان الرعاة بسمامة بالقصرين ومهرجان قفصة، وغيرهم.
وتم خلال هذا اليوم تقديم عرض علمي ميداني يشخّص واقع المهرجانات من جهة التسيير وتعبئة الموارد والبُنى التحتية المتاحة الآن والموارد البشرية المختصة في التظاهرات الثقافية ودور الشباب في ذلك، وخلُص المشاركون إلى توصية أساسية وهي بعث "جامعة المهرجانات الدولية" في سابقة ثقافية لم تعرفها تونس من قبل، ووقع على عين المكان إمضاء اتفاقية نشأة هذا الهيكل الجديد من قبل ثمانية من مديري المهرجانات الدولية الحاضرة في الندوة وذلك في انتظار مواصلة كل التّراتيب القانونية لبعث الجامعة الجديدة وصدورها بالرائد الرسمي التونسي.
جامعة المهرجانات الدولية ستهتم بمراجعة كل المنظومة التشريعية المتعلقة بالمهرجانات والتظاهرات الثقافية في تونس، ونقاش ملف الدعم مع وزارة الثقافة وباقي المؤسسات المعنية
واتفق الحاضرون على أن يبقى باب الانضمام مفتوحًا لكل المهرجانات الراغبة في ذلك، وأيضًا على أن توكَل للجامعة الجديدة جملة من النقاط الهامة قصد التطوير والنهوض بالوضع الثقافي والترفيهي بالبلاد، من ذلك مثلًا مراجعة كل المنظومة التشريعية المتعلقة بالمهرجانات والتظاهرات الثقافية في تونس، ونقاش ملف الدعم مع وزارة الثقافة وباقي المؤسسات المعنية، والتأكيد على الخصوصيات الثقافية للجهات في البرمجات، وخلق آليات موحدة تتعلق باللوجستيك والتقني والوسطاء الثقافيين، والقيام بتقصي يتعلق بالفاعلين الثقافيين في الجهات، والقيام بدورات تكوينية وتدريبية تشمل التسيير وإدارة شأن المهرجانات.. وأن تكون الجامعة الجديدة مخاطبًا وحيدًا يمثل المهرجانات المنضوية.
إن ما ذُكر في الكاف في سياق عرض البرمجة الخاصة بالدورة السابعة لمهرجان "سيكا جاز 2022"، وفي ندوة دقة بخصوص تطوير المهرجانات والتظاهرات الثقافية، والتي خلصت إلى نشأة "جامعة المهرجانات الدولية"، يمكن قراءته في إطار الدّمقرطة الفردية للثقافة بعيدًا عن الدولة وتصوراتها الكلاسيكية المتقادمة.
اقرأ/ي أيضًا:
رغم الجائحة والأزمة الاقتصادية والسياسية سنة 2021..الثقافة تنعش الحياة في تونس
أيام قرطاج المسرحية تفك العزلة الثقافية وتدق على الأخشاب 100 عرض مسرحي