الترا تونس - فريق التحرير
"خطوة للأمام وخطوتان للخلف" هكذا عنونت منظمة الشفافية الدولية الجزء المتعلّق بتونس في تقريرها حول مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023، معلنةً فيه أنّ تونس حافظت على نفس عدد الدرجات في مؤشر مدركات الفساد مقارنة بالسنة الفارطة حيث تحصلت على 40 نقطة من أصل 100 (حيث يكون الصفر الأكثر فسادًا و100 الأكثر نزاهة) محتلة بذلك المرتبة 87 عالمياً من أصل 180 دولة، في أدنى مرتبة لها منذ سنة 2012.
احتلت تونس المرتبة 87 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023 في أدنى مرتبة لها منذ سنة 2012 في وقت لم ينفكّ به قيس سعيّد تأكيد إعلان الحرب على الفساد والفاسدين في البلاد، دون أن يكون هناك أيّ تصوّر واضح لهذه الحرب
تأتي هذه الأرقام في وقت لم ينفكّ به الرئيس التونسي قيس سعيّد، في كلّ مرة تسنح له بمناسبة أو دونها، تأكيد إعلان الحرب على الفساد والفاسدين في البلاد، دون أن يكون هناك أيّ تصوّر أو آليات واضحة لهذه الحرب التي أعلنها في غياب الهيكل المفترض أنه يعنى بهذه المهمة، ألا وهو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي أوصد سعيّد أبوابها منذ أوت/أغسطس 2021.
🔵 OUT NOW! We analysed 180 countries to see how they scored in the fight against corruption. Check out your country’s score! #CPI2023 https://t.co/0ZNQZqjgrL
— Transparency International (@anticorruption) January 30, 2024
- غلق هيئة مكافحة الفساد مثّل ضربة قاسية للشفافية في تونس
وقالت منظمة الشفافية الدولية، في تقريرها الصادر بتاريخ 30 جانفي/يناير 2024، إنّ "تونس، وهي بلدٌ يواجه تحدياتٍ ديمقراطية كبيرة، شهدت في عام 2023 حدثاً محورياً -انتخاب برلمان جديد- بأدنى نسبة مشاركة للناخبين في تاريخ البلاد، حيث لم تتجاوز هذه النسبة 11%".
منظمة الشفافية الدولية: هيئة مكافحة الفساد قد قُوّضت بشكل ملحوظ، وهي التي كانت ذات يوم منارةً للتقدم الديمقراطي بعد الثورة في تونس حيث وجَّه إغلاق الهيئة ضربة قاسية للمساءلة والشفافية
وأضافت المنظمة أنّ "هذه الانتخابات سلطت الضوء بشكل أكبر على الأزمة السياسية المتفاقمة"، مشيرة إلى أنّ "قيس سعيّد، الذي سيطر على السلطة القضائية وعلّق عمل البرلمان القائم آنذاك في جويلية/يوليو 2021، واصل تعزيز سلطته، ما أثار مخاوف بشأن الضوابط والتوازنات الضرورية لديمقراطيةٍ فاعلة".
وشددت منظمة الشفافية الدولية على أنّ "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد قُوّضت بشكل ملحوظ، وهي التي كانت ذات يوم منارةً للتقدم الديمقراطي بعد الثورة في تونس، حيث وجَّه إغلاق الهيئة ضربة قاسية للمساءلة والشفافية، وعرّض سلامة الناشطين والمُبلّغين عن الفساد للخطر"، حسب تقديرها.
أنا يقظ: تواصل غلق مقرّ هيئة مكافحة الفساد للسنة الثانية على التوالي دون أي موجب قانوني عرّض المبلّغين عن الفساد إلى الهرسلة والتضييقيات
وفي هذا الصدد، اعتبرت منظمة "أنا يقظ" (منظمة رقابية في تونس)، أنّ تواصل غلق مقرّ هيئة مكافحة الفساد للسنة الثانية على التوالي، "دون أي موجب قانوني"، عرّض المبلّغين عن الفساد إلى "الهرسلة والتضييقيات في ظلّ غياب منحهم الحماية القانونية، كما جمّد غلق الهيئة تطبيق القانون المتعلّق بتضارب المصالح والإثراء غير المشروع في علاقة بالتصريح بالمكاسب، مما يجعل من غياب تطبيق القانون أرضًا خصبة لتسجيل الفساد في القطاع العام"، وفقها.
وأضافت "أنا يقظ"، أنه رغم تركيز البرلمان التونسي في مارس/آذار 2023، فإنّه "بقي صامتًا في علاقة بمجال المكافحة ضدّ الفساد، فلا وجود لأي مبادرة تشريعية تتعلّق سواء بتنقيح القانون المتعلّق بمكافحة الفساد، أو في علاقة بتكريس آليات جديدة لذلك، وقد جعل هذا المجلس من شعار مكافحة الفساد شعارًا أجوف يتمّ استعماله كلّما اقتضت الضرورة ذلك"، وفقها.
- الشفافية الدولية: خروج مقلق عن المُثُل الديمقراطية للثورة التونسية
واعتبرت منظمة الشفافية الدولية، في تقريرها عن مدركات الفساد لسنة 2023، في جزئها المخصص للوضع في تونس، أنّ "حملة القمع المُكثفة التي تشنها الحكومة التونسية على حقوق الإنسان أدت إلى تفاقم الوضع بصورة أكبر".
الشفافية الدولية: حملة القمع المُكثفة التي تشنها الحكومة التونسية على حقوق الإنسان أدت إلى تفاقم الوضع بصورة أكبر وهو ما يؤذن بخروجٍ مثير للقلق على المُثُّل الديمقراطية للثورة التونسية
وذكرت المنظمة أنّه قد "فُرِضت قيود على حرية التعبير والتجمّع، وتقلصت المساحة المدنية في ظل زيادة المراقبة، وتصاعدت الملاحقات القانونية للمعارضين"، وفق ما جاء في نص التقرير.
وخلصت منظمة الشفافية الدولية إلى أنّ "هذه التطورات تؤذن بخروجٍ مثير للقلق على المُثُّل الديمقراطية للثورة التونسية، ما أثار قلقًا محليًا ودوليًا بشأن المسار المستقبلي للمشهد الديمقراطي وحقوق الإنسان في البلاد"، حسب التقرير ذاته.
- أرقام تونس في مدركات الفساد "نتيجة حتمية للسياسة المتبعة"
واعتبرت منظمة "أنا يقظ"، في ندوة صحفية لها، أن حفاظ تونس على نفس عدد الدرجات في تقرير مدركات الفساد يعكس "ركودًا في سياسات الدولة لمواجهة هذه الظاهرة حيث عجزت تونس وعلى امتداد الثلاث عشرة سنة الماضية على تجاوز عتبة الخمسين درجة".
منظمة "أنا يقظ": التراجع المستمرّ الذي تشهده تونس فيما يتعلّق بمؤشر مدركات الفساد ليس إلا نتيجة حتمية للسياسة التي يتمّ اتباعها من تفرّد في السلطة
وشدّدت على أنّ "التراجع المستمرّ الذي تشهده تونس فيما يتعلّق بمؤشر مدركات الفساد ليس إلا نتيجة حتمية للسياسة التي يتمّ اتباعها من تفرّد في السلطة وتركيز لمؤسسات صورية وغياب خطط استراتيجية جدّية وواضحة من شأنها أن تحدّ من ظاهرة الإفلات من العقاب وتكافح الفساد في القطاع العام".
واعتبرت المنظمة أنّ أحد الأسباب التي جعلت تونس تتأخر في ترتيب مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023، هو أنّ هذه السنة شهدت تطبيقًا لمرسوم الصلح الجزائي، والذي قالت إنه "تحوّل من آلية لتكريس مبدأ العدالة الجزائية التعويضية إلى آلية لترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب وإفراغ للسياسة الجزائيّة للدولة من طابعها الزجري والردعي، والذي أصبح ملاذًا للمجرمين في حقّ الدولة لإبرام الصلح دون أي تتبعات جزائية في الغرض" وفقها.
كذلك في سنة 2023، شهدت تونس "تطبيقًا سافرًا للمرسوم 54 ضدّ عدد من المدونين والصحفيين بسبب مقالاتهم أو آرائهم المتعلّق بمساءلة أصحاب القرار أو كشف ملفات فساد في القطاع العام وهو ما انجر عنه بثّ الخوف والتململ لدى أصحاب الرأي وتراجعهم عن كشف ملفّات الفساد خشية من تتبعهم"، وفق المنظمة.
- ارتفاع مستويات الفساد السياسي عربيًا
وذكرت منظمة الشفافية الدولية أنّه "في مختلف أنحاء المنطقة، هناك رغبة في المُضيّ قُدُماً في مكافحة الفساد، لكن هناك أيضاً العديد من العقبات التي تعترض الطريق"، مؤكدة أنّ "فقدان الزخم في جهود مكافحة الفساد في مختلف الدول العربية يؤدي إلى تراجُع ثقة الجمهور، بينما يعوق اعتماد نهج رد الفعل، وليس الوقاية، في مكافحة الفساد أجنداتِ الحوكمة الرشيدة".
وأضافت أنه "على مدى أكثر من عقد من الزمن، فشلت معظم الدول العربية في تحسين مواقعها على مؤشر مُدرَكات الفساد، ولا يمثّل عام 2023 استثناءً"، مشيرة إلى أن "هذا الاتجاه يعزّى إلى ارتفاع مستويات الفساد السياسي الذي يُقوِّض جهود مكافحة الفساد في مختلف أنحاء المنطقة".
الشفافية الدولية: على مدى أكثر من عقد فشلت معظم الدول العربية في تحسين مواقعها على مؤشر مُدرَكات الفساد، ولا يمثّل عام 2023 استثناءً، وذلك بسبب ارتفاع مستويات الفساد السياسي الذي يُقوِّض جهود مكافحة الفساد
وجاء في تقرير مؤشر مُدرَكات الفساد لعام 2023، أنّ متوسط الدرجات المُجمَّعة للدول العربية يناهز 34 من أصل 100، ما يدل على "طريقٍ طويلٍ ينبغي أن نقطعه لضمان النزاهة والعدالة في مختلف أنحاء المنطقة".
وتابعت المنظمة الدولية أنه "في مختلف أنحاء المنطقة، يؤدي الفساد المُستشرِي إلى تقويض التقدم بشكل كبير، حيث تتصارع الدول مع الظلم الهيكلي والاجتماعي المتأصل"، مؤكدة أنّ "هذه الظروف السائدة تؤدي إلى تكريس أشكال مختلفة من عدم المساواة، بما في ذلك تفاوت الوصول إلى الخدمات والموارد الأساسية، ولا يؤدي ذلك إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية فحسب، بل يُعيق بشدة أيضًا السعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة".
كما أكدت أنّ "الدول العربية تعاني من نهج مُختل في مكافحة الفساد"، مشددة على أنّ "عدم الاستمرارية في جهود مكافحة الفساد يؤدي إلى تعزيز فجوة عميقة في الثقة بين المواطن وحكوماته، الأمر الذي لا يُقوِّض الاستقرار السياسي فحسب، بل يزيد أيضًا من تصعيد الصراع في مختلف أنحاء المنطقة"، حسب ما جاء في التقرير.
- ماذا تعرف عن مؤشر مدركات الفساد؟
يعد مؤشر مدركات الفساد التصنيف الأكثر استعمالاً للفساد على مستوى العالم. فهو يقيس النسب المدركة لفساد ساد القطاع العام في كل دولة، طبقاً للخبراء وأوساط الأعمال.
وعن كيف يتم حساب درجات الدول، توضح منظمة الشفافية الدولية أنّ "درجة كل دولة تتكون من مجموع تركيبة جامعة لثلاثة مصادر بيانات على الأقل مستمدة من 13 مسحاً وتقييماً مختلفاً للفساد. وتُجمع مصادر البيانات هذه من قبل مجموعة متنوعة من المؤسسات المرموقة، بما فيها البنك الدولي والمنتدى العالمي الاقتصادي العالمي".
- ما الفرق بين مرتبة دولة/إقليم ودرجتها؟
درجة الدولة هي المستوى المتصوَّر لفساد قطاعها العام على مقياس من 0 إلى 100، حيث 0 يعني الأكثر فساداً و100 الأكثر نزاهة.
أما مرتبة دولة ما فتشير إلى موقعها قياساً بالدول الأخرى المدرجة على المؤشر. يمكن للمراتب أن تتغير لمجرد حدوث تغيير في عدد الدول المدرجة على المؤشر. ولذلك فإن المرتبة ليست في أهمية الدرجة من حيث إشارتها إلى مستوى الفساد في تلك الدولة.
- ما نوع الفساد الذي يقيسه مؤشر مدركات الفساد؟
أنواع الفساد التي يقيسها مؤشر مدركات الفساد تتمثل في:
■ الرشوة
■ تحويل الأموال العامة إلى غير مقاصدها الأصلية
■ استعمال المسؤولين للمنصب العام لتحقيق المكاسب الخاصة دون مواجهة العواقب
■ قدرة الحكومات على احتواء الفساد في القطاع العام
■ البيروقراطية المفرطة في القطاع العام التي قد تزيد من فرص حدوث الفساد
■ استعمال الواسطة في التعيينات في الخدمة المدنية
■وجود القوانين التي تضمن قيام المسؤولين العامين بالإفصاح عن أموالهم واحتمال وجود تنازع في المصالح
■الحماية القانونية للأشخاص الذين يُبلغون عن حالات الرشوة والفساد
■ استيلاء أصحاب المصالح الضيقة على الدولة
■ الوصول إلى المعلومات المتصلة بالشؤون العامة/الأنشطة الحكومية