تتصاعد التطورات العسكرية والسياسية في ليبيا، في الأيام الأخيرة، مع إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر ساعة الصفر مجددًا زحفًا نحو العاصمة طرابلس في مواجهة قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، في احتراب مستمرّ منذ سنوات قسّم مؤسسات الدولة إلى شقين. هي حرب بالوكالة، كما يصفها مراقبون، في ظل استعانة قوات حفتر بمرتزقة من روسيا ودول إفريقية وبدعم إقليمي من مصر والسعودية والإمارات، وذلك بالتوازي مع إعلان حكومة طرابلس طلبها رسميًا دعمًا عسكريًا تركيًا، وسط خشية انفجار سعير الحرب بما يهدد أمن دول الجوار وبالخصوص تونس.
مسالك وعرة في طريق حلّ الأزمة الليبية ورمال متحركة تحت أقدام عملية سياسية متعثرة في ظل صراع محتدم بين القوى الدولية والإقليمية
مسالك وعرة في طريق حلّ الأزمة الليبية ورمال متحركة تحت أقدام عملية سياسية متعثرة في ظل صراع محتدم بين القوى الدولية والإقليمية، مع دور تونس لازال محتشمًا غير فاعل. ولكن عاد الملف الليبي إلى الواجهة تونسيًا بعد استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيّد مؤخرًا مجموعة من المكوّنات الاجتماعيّة والطّيف السّياسي اللّيبي في إطار "المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية" الذي انتهى بـ"إعلان تونس للسّلام"، وهي خطوة أثارت انتقادات متابعين للشأن الليبي على اعتبار أن المجلس المذكور لا يملك وزنًا اجتماعيًا أو سياسيًا مؤثرًا في التوازنات الليبية.
اقرأ/ي أيضًا: الأطفال التونسيون العالقون في ليبيا.. مواطنون مع وقف التنفيذ
غير أن الخطوة التي لاقت اهتمامًا واسعًا هي الزيارة غير المعلنة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس، التي جاءت بعد نحو شهر من اتفاق تفاهم أمني بين أنقرة وطرابلس وآخر حول ترسيم الحدود البحرية، وبالخصوص قبل يومين من طلب حكومة الوفاق رسميًا دعمًا عسكريًا من تركيا. وهو ما أثار مخاوف، في الداخل التونسي، من انحياز قد يتخذ شكل اصطفاف أو توفير قواعد عسكرية تونسية للقوات التركية في حملتها العسكرية في ليبيا.
وقد تصاعدت هذه المخاوف مع تصريحات وزير داخلية حكومة الوفاق من تونس فتحي باشاغا عن تحالف بين بلاده وتونس وتركيا والجزائر، وتصريح أيضًا لأردوغان بعد عودته من تونس عن اتفاقه مع قيس سعيّد على دعم حكومة الوفاق الوطني، بما أوحى عن وجود تنسيق مشترك للتدخل العسكري المنتظر، لينتهي الجدل ببيان من رئاسة الجمهورية أكد بوضوح أن تونس "لن تقبل بأن تكون عضوًا في أيّ تحالف أو اصطفاف على الإطلاق".
بشير الجويني (باحث في الشأن الليبي): تونس معنية باستقبال اللاجئين حال تصاعد الحرب
حول التدخل التركي المنتظر، يؤكد الباحث في العلاقات الدولية والمختص في الشأن الليبي بشير الجويني، في حديثه مع "ألترا تونس" أن الاتفاق الممضى بين الجانبين الليبي والتركي وطلب حكومة الوفاق الوطني من خمس دول التدخل العسكري ضد حفتر يعطي لأنقرى الشرعية للتدخل العسكري في ليبيا، معتبرًا أن تطورات الوضع الأمني في البلد المجاور تدعو لضرورة وجود هذه القوات.
وتقضي مذكرة التعاون الأمني بـ"دعم إنشاء قوة الاستجابة السريعة التي من ضمن مسؤوليات الأمن والجيش في ليبيا، لنقل الخبرات والدعم التدريبي، والاستشاري والتخطيطي والمعدات من الجانب التركي، وعند الطلب يتم إنشاء مكتب مشترك في ليبيا للتعاون في مجالات الأمن والدفاع بعدد كاف من الخبراء والموظفين".
بشير الجويني (باحث في الشأن الليبي): المطلوب اليوم تبني إستراتيجيا واضحة عبر تحديد رؤية عاجلة في علاقة بالموضوع الليبي وأخرى آجلة وفق رؤية ترتكز على أن ليبيا هي جزء من الحلّ في تونس
كما تنص على توفير التدريب، والمعلومات التقنية والدعم والتطوير، والصيانة، والتصليح والاسترجاع وتقديم المشورة وتحديد الآليات والمعدات والأسلحة البرية والبحرية، والجوية، والميداني، والعقارات وتشمل تقديم خدمات تدريبية واستشارية تتعلق بالتخطيط العسكري ونقل الخبرات وتنفيذ المناورات المشتركة في مجال الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وأمن الحدود البرية والبحرية والجوية والتعاون في المجال الاستخباراتي والعملياتي.
وأوضح الجويني أن زيارة الرئيس التركي إلى تونس تتنزل في إطار دور بلاده في ليبيا، مضيفا أن تركيا تتحرك لدمج الجزائر وقطر وتونس في مؤتمر برلين. وقال إن تونس لديها دور محوري سواء في الحل السياسي أو الميداني العسكري حيث ستكون معنية باستقبال الآلاف من الليبيين في حال حصول تطورات عسكرية في البلد المحاور.
وعن الدور التونسي في المسألة الليبية، تساءل محدّثنا إن كان الأمن القومي لتونس يقتضي البقاء على الحياد والانتظار، مؤكدًا أن "السكوت لم يعد يجدي نفعًا خاصة وأن الدبلوماسية التونسية عرفت بالانتظار وهي ليست دبلوماسية مبادرة".
وقال الباحث التونسي، في حديثه معنا، إن "المطلوب اليوم تبني إستراتيجيا واضحة عبر تحديد رؤية عاجلة في علاقة بالموضوع الليبي وأخرى آجلة وفق رؤية ترتكز على أن ليبيا هي جزء من الحلّ في تونس من خلال رؤية سياسية متضامنة مع البلد المحاور أو التنسيق مع الجزائر وهو ما لم يحصل في السابق". كما دعا إلى مزيد تدعيم الحدود واليقظة الأمنية والدوريات المشتركة وتوفير الحاجيات الأساسية في المعابر.
مجاهد عبد العزيز (لواء جزائري متقاعد): تعمّد نقل الصراع إلى حدود ليبيا مع تونس والجزائر
في السياق ذاته، رجّح اللواء المتقاعد والمحلل السياسي الجزائري مجاهد عبد العزيز، إمكانية إرسال قوات تركية إلى ليبيا، مؤكدًا أن الساحة الليبية باتت مسرح صراع لكل القوى العظمى والمتوسطة وحتى العربية وأن الأطماع الامبريالية تصب في ليبيا، وفق تعبيره.
مجاهد عبد العزيز (لواء جزائري متقاعد) لـ"ألترا تونس": المسألة لليبية معقدة للغاية والأطراف المتدخلة فيها متعددة ومختلفة النوايا
اقرأ/ي أيضًا: حوار في السياسة الاتصالية لـ"داعش" مع محمد المعمري مؤلف "في كلّ بيت داعشي"
وأشار، في تصريحه لـ "ألترا تونس"، إلى أن المسألة لليبية معقدة للغاية والأطراف المتدخلة فيها متعددة ومختلفة النوايا، معتبرًا أن التدخل التركي لنصرة قوات السراج في مواجهة الفريق الآخر الذي تدعمه مصر والسعودية والإمارات، سيكلف كل من تونس والجزائر جهدًا وطاقة.
ورجّح محدثنا مما وصفه بتعمد نقل الصراع إلى حدود ليبيا مع البلدين، مؤكدًا أن هذا الحذر يفرض مضاعفة اليقظة والحراسة على الحدود.
وعما إذا كانت الفرصة سانحة لحلّ سياسي للأزمة الليبية، أفاد اللواء الجزائري المتقاعد أنه مازالت أمام الإعلاميين والدبلوماسيين نافذة لكشف النوايا الحقيقة للمتدخلين في ليبيا والقاء الضوء على الأدوار الحقيقية لاتخاذ الإجراءات الضرورية متسائلًا عن دور فرنسا التي تسببت في هذه الكارثة الإنسانية في ليبيا ودور الأمم المتحدة مما يحدث، وفق قوله.
خالد الشريف (الوكيل السابق لوزارة الدفاع الليبي): التدخل التركي لإعادة التوازن في ليبيا
من جانبه، يؤكد خالد الشريف، وكيل وزارة الدفاع الليبية سابقًا، أن تعرّض حكومة الوفاق الوطني منذ شهر أفريل/نيسان 2019 إلى هجوم من قوات حفتر من أجل السيطرة على العاصمة تفرض طلب الدعم العسكري من تركيا خاصة مع دعم قوى اقليمية لهذا الهجوم من مصر والإمارات والأردن وفرنسا إضافة إلى الصمت الدولي الذي لا يتّخذ أي اجراء ضدّ هذا الهجوم، وفق تأكيده.
خالد الشريف (الوكيل السابق لوزارة الدفاع الليبي) لـ"ألترا تونس": معارضو التدخل التركي لا يتحدثون خوفًا على ليبيا وإنما لأنهم لا يريدون خروج الملف الليبي من دائرة الدول الداعمة لحفتر
وأوضح، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أن التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا موجود ممثلًا في الطائرات المصرية التي تساهم في قصف مدن ليبية في بنغازي ودرنة وطرابلس، وفي الأسلحة المصرية أيضًا، بالإضافة إلى الدعم الإماراتي المباشر والمادي والسياسي، والمدرّعات الأردنية، والخبراء الفرنسيين الذي قتل عدد منهم في سقوط مروحية في بنغازي، والصواريخ الفرنسية التي وجدت في غريان.
وأعرب الشريف عن اعتقاده في أن التدخل التركي "سوف لن يزيد الأمر تعقيدًا وإنما سيضع حدّا لهذه الاعتداءات ويعيد التوازن للملف الليبي". وقال، في نفس الإطار، إن معارضي هذا التدخل لا يتحدثون "خوفًا على ليبيا وحرصًا على أمن الليبيين وسلامتهم وإنما هم لا يريدون للملف الليبي أن يخرج من دائرة بعض الدول الداعمة لحفتر".
وعن إمكانية وجود حل سياسي بدلًا عن الخيار العسكري، قال المسؤول السابق في وزارة الدفاع الليبية لـ"ألترا تونس"، إنه منذ الحوار السياسي بالصخيرات وبمشاركة ودعم من المجتمع الدولي، كان الاتفاق يتضمن الوصول الى صيغ توافقية اتفق عليها كل الليبيين بما في ذلك معظم الكتل السياسية والأحزاب من أجل حل سياسي للحكم في ليبيا، باستثناء خليفة حفتر الذي قال إنه يرى بأنه الوحيد له الحق في حكم ليبيا وهو يسعى إلى ذلك بالقوة، وفق تعبيره.
خالد الغويل (عضو "المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية"): حوار مثمر مع قيس سعيّد
عودة للقاء قيس سعيّد بالمجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية ، قال خالد الغويل المحامي الليبي وعضو وفد المجلس المذكور أن اللقاء مع رئيس الجمهورية مؤخرًا كان "مثمرًا" مؤكدًا أنه لا حل في ليبيا إلا في إطار سياسي يجمع كل الأطراف مشددًا على ضرورة وجود ميثاق شرف وإظهار حسن النية من جميع الأطراف.
خالد الغويل لـ"ألترا تونس": قيس سعيّد أكد خلال حوارنا معه على الشرعية الدولية للحكومة لكن بمشروعية الشعب الليبي
وأكد، في تصريحه لـ"ألترا تونس"، أن الوفد ليس محسوبًا على أي طرف وإنما فقط على ليبيا وفق تعبيره، مبينًا أن الأعضاء قدموا مبادرتهم من أجل حقن الدماء. واشتكى من تأزم الوضع الأمني في عديد المحاور العسكرية وتعرض عدة مواقع للقصف منتقدًا دور الأمم المتحدة التي قال إنها شرعت للفوضى وخلقت الانقسام في ليبيا.
وأفاد محدثنا أن الحوار مع قيس سعيّد أكّد على أهمية حضور دول الحوار في الحل الليبي وبعدم تدخل أي طرف أجنبي في الصراع الداخلي وبتفعيل اللجنة الخماسية للاتحاد الإفريقي. ونقل الغويّل تأكيد سعيّد، خلال اللقاء، على الشرعية الدولية للحكومة لكن بمشروعية الشعب الليبي، وفق تعبيره.
وأوضح المحامي الليبي أن لجنة تحضيرية عادت الى ليبيا للاتصال بالفرقاء الليبيين من أجل تجاوز الأزمة وتوحيد الحكومة والمؤسسات في ليبيا والإعداد لدستور حقيقي وانتخابات حقيقية.
الحل السياسي أو الوقت بدل ضائع؟
دفعت رئاسة الجمهورية التونسية، في الأثناء، بـ"براءتها" من إقحامها في أي اصطفاف في ليبيا مؤكدة أنّ "تونس لن تقبل بأن تكون عضوًا في أيّ تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدًا بأن يكون أيّ شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها"، وأن "التصريحات والتأويلات والادعاءات الزائفة التي تتلاحق فهي إمّا أنّها تصدر عن سوء فهم وسوء تقدير، وإمّا أنّها تنبع من نفس المصادر التي دأبت على الافتراء والتشويه".
ولكن يظل السؤال حول متابعة الأجهزة التونسية واستعدادها أمام التطورات العسكرية المنتظرة في البلد الجار في ظل التدخل التركي الميداني المنتظر بما يشي بتوسع رقعة المواجهات العسكرية وتحوّل ليبيا، بشكل بيّن، إلى ساحة حرب بين قوى إقليمية ودولية، مع استمرار الدعم السخي، في المقابل، من مصر والسعودية والإمارات إقليميًا وروسيا وفرنسا دوليًا لخليفة حفتر.
كما يظل السؤال حول آفاق الوساطة التونسية المأمولة لإيجاد حل سلمي من بوابة "إعلان تونس للسلام" الذي دعا "كلّ الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار بهدف التّوصل إلى صيغة توافقيّة للخروج من الأزمة اللّيبيّة الرّاهنة في إطار الاتفاق السّياسي اللّيبي واحترام الشّرعية الدّوليّة" و"العمل على الإعداد لمؤتمر ليبي تأسيسي يضمّ كلّ مكوّنات الطّيف السّياسي والاجتماعي واعتماد قانون مصالحة وطنيّة شاملة وتنظيم انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة ومحليّة حرّة ونزيهة".
اقرأ/ي أيضًا: