29-يونيو-2020

مبادرات عديدة لـ"إنقاذ" "بيعة اليهود" أو معبد الغريبة من الاندثار ولصيانته لكنها لم تر النور (مصدر الصور: معهد التراث)

 

على بعد 160كلم من العاصمة تونس، تقف مدينة الكاف أو "سِكّا فِنِيرِيَا" كما سماها الرومان على مرتفعات الشمال الغربي زاخرة بالمعالم الأثرية التاريخية وهي التي تعاقبت عليها الحضارات من الأمازيغ إلى الرومان فالعرب المسلمين.

وفي قلب المدينة العتيقة، يقع معبد الغريبة اليهودي، معلم تاريخي يجاور زاوية سيدي بومخلوف وكنيسة في صورة نادرة تجتمع فيها الأديان وهو ما لا يعرفه الكثير من التونسيين، بل إن بعضهم لا يعرفون أن معبد الغريبة لا يوجد فقط في مدينة جربة بل في مدينة الكاف أيضًا.

في قلب المدينة العتيقة بالكاف، يقع معبد الغريبة اليهودي، معلم تاريخي يجاور زاوية سيدي بومخلوف وكنيسة في صورة نادرة تجتمع فيها الأديان

"يعتبر معبد الغريبة أحد أهم دور العبادة عند اليهود وهو موجود في ثلاثة أماكن في العالم، الأول في الجزائر واثنين في تونس وهما معبد الغريبة في الكاف والآخر في جزيرة جربة "، يؤكد الباحث في التاريخ والتراث التونسي عبد الستار عمامو لـ"الترا تونس".

ويضيف: "من المرجح أن اختيار تأسيس معبد لليهود بهذه الأهمية يعزى إلى ان الكاف كانت عاصمة الدولة البربرية وكانت الطائفة اليهودية مهمة في تلك الفترة بل بعضها كان في السلطة وهو ما يفسر بناء معلم كهذا مجانب لسوق الذهب".

اقرأ/ي أيضًا: متحف قلالة.. نافذة على الحياة في جربة

من جانبه، بيّن المحافظ المستشار وممثل المعهد الوطني للتراث بالكاف عبد الكريم الايبيري لـ"الترا تونس" أن "بيعة اليهود أو معبد الغريبة بالكاف أقدم من نظيره في مدينة جربة وأن المعهد تمكن من العثور على جملة من الوثائق تؤكد ذلك".

وأشار أن "الأسطورة تقول إن "ثلاث أخوات يهوديات أسسن هذه المعابد، أين عشن، فواحدة عاشت في عنابة بالجزائر وواحدة في جربة وأخرى في الكاف، وأبرز أن "بيعة الغريبة" في الكاف تأسس أواخر القرن السابع عشر تزامنًا مع قدوم الجالية اليهودية للبلاد التونسية واستقروا في حارة اليهود الموجودة إلى اليوم".

المحافظ المستشار وممثل المعهد الوطني للتراث بالكاف عبد الكريم الايبيري لـ"الترا تونس": "بيعة اليهود أو معبد الغريبة بالكاف أقدم من نظيره في مدينة جربة والمعهد تمكن من العثور على ما يؤكد ذلك"

"هذا المعبد يؤدي فيه اليهود طقوسهم لكن الطريف أن المسلمين يستغلونه أيضًا للتقرب من الولي الصالح سيدي عبد القادر وهو ما يقدم صورة عن التعايش السلمي بين مختلف الديانات في تلك الفترة، يضيف المحافظ المستشار خلال حديثه لـ"ألترا تونس".

ويواصل: "كان هذا المعبد مقصد يهود الشمال الغربي التونسي وكذلك المدن الحدودية الجزائرية غير أن غلقه تم سنة 1984 بعد مغادرة يهود المنطقة البلاد وهو ما جعله عرضة للإهمال وآيلًا للسقوط".

مصدر الصور: معهد التراث

اقرأ/ي أيضًا: أقدم القرى المأهولة في تونس.. "اللّاس" زهرة لا تبصر جمالها

ومنذ سنة 1994، قامت جمعية صيانة المدينة بترميم المعبد لمحاولة إعادة توظيف هذا المعلم غير أن ذلك لم يحدث، وفق ما أكده ممثل المعهد الوطني للتراث بالجهة عبد الكريم الأيبيري.

وتقدم رئيس الجالية اليهودية برنار نسيم طيب بملف تقني وفني لصيانة  "بيعة اليهود" أو معبد الغريبة، وكان اطلع معهد التراث على الملف وناقشه ووافق عليه بعد جملة من التعديلات غير أنه ظل حبرًا على ورق في انتظار التمويل، وفق الأيبيري.

مبادرات عديدة لـ"إنقاذ" "بيعة اليهود" أو معبد الغريبة من الاندثار ولصيانته لكنها لم تر النور إلى حد الآن وبعضها جاهز لكن تنقصه الموارد المالية 

يعاني هذا المعلم التاريخي وضعًا كارثيًا يُنذر باندثاره، كما يؤكد عبد الكريم الأيبيري، وقد كان محل اهتمام وزير السياحة روني الطرابلسي سنة 2019 ووعد بترميمه وتوفير الاعتمادات المالية في إطار التأسيس لمسلك سياحي في الكاف، سيطلق عليه اسم "التسامح" وهو يجمع المعبد اليهودي وزاوية سيدي مخلوف والكنيسة أيضًا.  

لكن المبادرة لم تر النور أيضًا ويعزو ممثل المعهد الوطني للتراث بالجهة الأسباب إلى تداخل الأطراف في مجال التراث بين المعهد والبلدية "فهناك معالم وإن كانت تتبع المعهد الوطني للتراث إلا أن كلفة صيانتها وترميمها مكلفة جدًا تتطلب تظافر الجهود لتوفيرها"، وفق تقديره. ودعا المحافظ المستشار، في  هذا السياق، إلى ضرورة ضبط المتدخلين في هذا المجال لإنقاذ هذه المعالم التاريخية المهددة.

مصدر الصور: معهد التراث

اقرأ/ي أيضًا:

بلاريجيا.. مدينة تاريخية تروي الأمجاد النوميدية

شباب المنشية من ولاية قبلي.. عزيمة تحوّل جحيم "فرعون" إلى جنة خضراء