"تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها" كما "تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات"، ذلك ما اقتضاه الفصل 46 من الدستور الذي خصّص فقرة حول مبدأ التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة، بيد أن المشاركة السياسية للمرأة في تونس لازالت دون المأمول.
ترشحت امرأتان اثنتان فقط من أصل 26 مترشّحًا للسباق الرئاسي وهما رئيسة حزب أمل تونس سلمى اللومي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي
فرغم أن المرأة التونسية تتمتّع بحقوق تعتبر واسعة مقارنة مع نظيرتها في بقية البلدان العربية، إلا أن مشاركتها السياسية في الانتخابات الرئاسية لم تكن في مستوى الإصلاحات التشريعية ولا التحركات المناصرة لحقوق المرأة. وقد ترشحت امرأتان اثنتان فقط من أصل 26 مترشّحًا للسباق الرئاسي وهما رئيسة حزب أمل تونس سلمى اللومي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي.
وللحديث عن ضعف المشاركة السياسية للمرأة على مستوى الترشح للانتخابات الرئاسية، تواصل "ألترا تونس" مع المكلفة بالإعلام والاتصال بمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" سنية الزكري، والكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي وعضو رابطة الناخبات التونسيات أنوار منصر.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا ينتظر الشباب التونسي من الانتخابات؟
سنية الزكري (الكريديف): يوجد عائق نفسي ونعمل على التمكين السياسي للمرأة
تقول المكلفة بالإعلام والاتصال في "الكريديف" سنية الزكري إن ترشح امرأتين اثتنين فقط للرئاسيات يعود لأن النساء المنخرطات في الحياة السياسية يعلمن أنهن ستكن عرضة للعنف السياسي وهو ما يجعلهن يخفن من هذه التجربة، وفق قولها.
وتلاحظ في حديثها لـ"ألترا تونس" أن "القوانين موجودة وتكفل حق المشاركة السياسية للمرأة لكن العقلية المجتمعية مازالت تنظر إلى المرأة نظرة نمطية مبنية على كونها لا تصلح للحكم، وهي نظرة يرسّخها الإعلام في غالب الأحيان".
وتضيف "لدينا كفاءات نسائية كان بإمكانها الترشح لكنها لم تفعل ويعود ذلك إلى العائق النفسي الذي نعمل على كسره من خلال الدورات التدريبية التي نقوم بها من أجل أن تكتسب المرأة الثقة في قدراتها وتتجاوز كل العوائق من ذلك استغلال أفكارها ومجهودها والحيلولة دون وصولها لمراكز القرار".
سنية الزكري (الكريديف): القوانين موجودة وتكفل حق المشاركة السياسية للمرأة لكن العقلية المجتمعية مازالت تنظر إلى المرأة نظرة نمطية مبنية على كونها لا تصلح للحكم
وتوضّح أن المرأة المنخرطة في الحياة السياسية تتبنّى قناعة أنها ستتعب خلال الحملة الانتخابية ولن تصل إلى المنصب وستتعرض إلى العنف السياسي وسيحاربها الرجال والمجتمع الذي لن ينتخب امرأة رئيسة للجمهورية وحتى النساء لن ينتخبنها، وفق قولها.
ترشحت امرأتان اثنتان فقط من أصل 26 مترشّحًا للسباق الرئاسي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)
وتتابع محدثتنا بقولها "يجب إنجاز دراسة، في هذا الخصوص، نبني عليها كي نكسر جدار الخوف والهاجس ونشجع النساء على الترشح في الانتخابات الرئاسية ونحن في "الكريديف" مع وزارة شؤون المرأة والأسرة وكبار السن لم نكتف فقط بإنجاز الدراسات ورفعها إلى أصحاب القرار وإنّما حملنا على عاتقنا أيضًا مسألة المناصرة والتوعية من خلال التكوين والومضات التحسيسية واللقاءات مع رؤساء الأحزاب والنساء المشاركات في الحياة السياسية وذلك من منطلق إيمان النساء والرجال في المركز بقضية النوع الاجتماعي وضرورة تكافؤ الفرص بين الجنسين ودور المرأة التونسية في التنمية وبناء المجتمع".
وتشير الزكري، في ذات السياق، إلى أن "الكريديف" يعمل على محور التمكين السياسي للنساء سواء في مواقع القرار أو المسؤولية بصفة عامة، وعلى مشاركة المرأة في الحكم المحلي من خلال تنظيم حلقات نقاش مع عدد من النائبات في البرلمان إلى جانب حملة توعية في الشارع.
نائلة الزغلامي (جمعية النساء الديمقراطيات): العقلية ذكورية وتونس تزخر بالكفاءات النسوية
من جهتها، تعتبر الكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي أن نسبة النساء المترشحات للانتخابات الرئاسية ليست بمعزل عن تمثيليتها في الحكومة وفي مواقع القرار السياسي، وهو ما يعكس الواقع الحقيقي للمرأة التونسية التي مازالت بعيدة عن مراكز القرار، وفق قولها.
وتقول الزغلامي إنّ ترشّح امرأتين فقط للانتخابات الرئاسية مقابل ترشح أربعة وعشرين رجلًا، يعكس أن المرأة لم تنل حظها في المجال السياسي وأنها ليست مؤمنة بقدراتها ولا تريد أن تستثمر فيها لأنها مكبلة بوضعيات أخرى، على حدّ تعبيرها.
نائلة الزغلامي (جمعية النساء الديمقراطيات): نطالب بقانون انتخابي عادل يضمن التناصف الافقي والعمودي في رئاسة القائمات التشريعية
وتشير إلى أن ترشّح المرأة للانتخابات الرئاسية مرتبط بوجودها في النقابات وفي الحكومات وهي دائرة كاملة تشهد ضعفًا في مشاركة المرأة على مستوى مراكز القرار، الأمر الذي يجعلها ترفض المغامرة.
وتضيف الزغلامي لـ"ألترا تونس" قائلة "امرأتان فقط ترشحتا للانتخابات الرئاسية نختلف معهما ولكنها تعرضتا للقدح في شخصياتهما وجسدهما ما يجعل النساء تنفر من هذه المعركة الانتخابية".
اقرأ/ي أيضًا: حتى لا يكون الأطفال وقودًا للحملات الانتخابية..
وعن أسباب عزوف المرأة عن الترشح للانتخابات الرئاسية، تعتبر محدثتنا أن الأسباب متعددة بما يجب القضاء عليها لتكون المرأة موجودة في مواقع القرار بما فيها رئاسة الجمهورية، مبرزة أن تونس تزخر بالكفاءات النسوية القادرة على الترشح للانتخابات وتقديم الإضافة ولكنهن يواجهن صعوبات مالية وضغوطات اجتماعية إلى جانب العقلية الذكورية التي تريد إقصاء المرأة من المشهد السياسي، على حد تعبيرها.
وتتابع الكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بالقول "نحن نطمح الى وصول النساء إلى مواقع القرار ونشجعهم ومن موقعنا كجمعية نسوية ندعم النساء المترشحات للانتخابات التشريعية ونطالب بقانون انتخابي عادل يضمن التناصف الأفقي والعمودي في رئاسة القائمات لأن أغلب الأحزاب لا تحترمه".
وتشير إلى ضرورة التزام الأحزاب التقدمية والحداثية بالتزاماتها تجاه النساء وأن يحترموا مبدأ التناصف الأفقي، مبيّنة أن الجمعية ستساند الأحزاب التي تحترم حقوق المرأة وتتبنى قضية النوع الاجتماعي وتدعم المساواة في الميراث، وفق تأكيدها.
أنوار منصر (رابطة الناخبات التونسيات): عنف سياسي ضد المرأة ونظرة نمطية
أما عضو رابطة الناخبات التونسيات أنوار منصر فترى أن المحك الحقيقي للمساواة بين المرأة والرجل هو الانتخابات الرئاسية، ذلك أن الأحزاب الكبيرة هي التي تشارك عادة في هذا الاستحقاق وهنا تعود السلطة التقديرية للحزب في ترشيح أمرأة أو رجل، مشيرة إلى أنه من أصل ستة وعشرين مترشحا تحضر فقط مترشحتين للانتخابات الرئاسية وذلك على اعتبار أن حزب يرأسه رجل لا يرشّح امرأة، وفق تعبيرها.
وذكّرت، في سياق متصل، بترشح القاضية كلثوم كنو بصفة مستقلة في الانتخابات الرئاسية سنة 2014 دون أن تكون مسنودة من أي جهة، مبرزة أنه ولأول مرة المترشحتين للانتخابات الرئاسية هما رئيستي حزبين أي في مركز القرار، وفق قولها.
وتشير محدثتنا إلى أنّ "أكثر الأحزاب التي تدعي التقدمية والحداثة وتناصر المساواة لا ترشح النساء للانتخابات الرئاسية وهي ممارسة تغيب عن تونس إلى اليوم" مبينة أن من النساء التونسيات من يتمتعن بالكفاءة والقدرة على تسيير البلاد ولكنهن لا يصلن إلى مركز القرار لعدة عوائق من بينها الضمان المالي في ظل تأنيث الفقر وغياب موارد الإنفاق على الحملة الانتخابية.
أنوار منصري (رابطة الناخبات التونسيات): أكثر الأحزاب التي تدعي التقدمية والحداثة وتناصر المساواة لا ترشح النساء للانتخابات الرئاسية وهي ممارسة تغيب عن تونس إلى اليوم
وتضيف لـ"ألترا تونس" أن "عقلنة الترشح للانتخابات الرئاسية مقبولة ولكن على مستوى القراءة الاجتماعية والثقافية ستكون هناك عوائق امام المرأة إذ أن بعض النساء تقدمن بترشحاتهن بطريقة مستقلة لكن مطالبهن رفضت لعدم إيفاء كل الشرط، وحتى من قبل ترشحهن وجدوا أنفسهن عرضة للعنف السياسي القائم على التمييز بين الجنسين والغاية منه تبخيس دور النساء".
وتتابع منصر بالقول "حتى التعاطي الاعلامي يختلف بين المترشح للانتخابات الرئاسية والمترشحة كما أنه يعكس أحيانًا نظرة نمطية للمرأة ويبخس ترشّحه، وهناك أيضا ًقصاء للنساء على المستوى الخطاب الإعلامي بعنوان الموضوعية إذ يتم فقط الحديث عن المترشحين في المجمل دون التركيز على وجود مترشحتين في القائمة".
وتشير إلى أنّ العنف السياسي على أساس التمييز الذي تتعرض إليه المترشحة للانتخابات الرئاسية التي قد تهدر جهدها في تبرير لباسها أو ظهورها الذي يصبح محل تندر، مشدّدة على ضرورة القطع مع النظرة النمطية التي تجعل بعض المناصب حكرًا على الرجال.
وتعتبر عضو رابطة الناخبات التونسيات أن ترشح المرأة للانتخابات الرئاسية هو "تحدّ كبير خاصة وأن المسألة في عمقها مرتبطة بثقافة وعقلية المجتمع التونسي التي تساند في الظاهر حقوق المرأة وتمكينها السياسي لكن في الواقع يضع أمامها عوائق ومكبلات" مضيفة أن الترسانة القانونية التي تضمن حقوق المرأة بقيت مجرد شعارات، وفق قولها.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف يقرأ المختصّون في الصورة المعلّقات الدعائية للمترشحين للرئاسيات؟