أعلن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، في كلمة ألقاها بمناسبة إحياء الذكرى 62 لعيد الاستقلال اليوم الثلاثاء 20 مارس/ آذار 2018، أنه ستيمّ تشكيل فريق مصغّر للنظر في إمكانية تعديل القانون الانتخابي.
أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي: نظام الاقتراع الحالي يؤدي إلى إحداث عدم استقرار سياسي
وتأتي مبادرة رئيس الجمهورية بعد دعوات أطلقتها عديد الأطراف لتغيير نظام الاقتراع من بينهم أساتذة قانون دستوري على غرار أمين محفوظ والصادق بالعيد ومبادرة من حركة مشروع تونس. ورغم أن الجدل المتعلّق بالنظام الانتخابي ليس جديدًا في تونس إلا أن وتيرته تصاعدت في الآونة الأخيرة مع اقتراب استحقاقات انتخابية تبدأ بـالانتخابات البلدية المنتظرة خلال أشهر قليلة وانتخابات تشريعية ورئاسية مرتقبة في 2019.
اقرأ/ي أيضًا: السبسي يريد تنقيح النظام الانتخابي قبل انتخابات 2019
سلسبيل القليبي: تغيير القانون الانتخابي ضروري قبل الانتخابات التشريعية
وفي هذا السياق، أكدت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي لـ"الترا تونس" أن "تغيير القانون الانتخابي ضروري قبل الانتخابات التشريعية المقبلة"، حسب رأيها. وأوضحت القليبي أن "نظام الاقتراع الحالي القائم على النسبية مع أكبر البقايا يساهم في إحداث عدم استقرار سياسي ويعجز عن إفراز أغلبية منسجمة قادرة على إسناد حكومة ويدفع نحو ائتلاف حكومي هش ومتقلّب. كما أنه يحول دون تحقيق استقرار حكومي وعن تنفيذ الحكومة لبرامجها"، وفق تصريحاتها.
وأضافت أن "الناخبين بموجب هذا القانون لا يستطيعون تقييم أداء الحكومة ولا الأحزاب التي تقف وراءها".
واعتبرت محدثتنا أن النظام الانتخابي الذي يناسب تونس وفق تقديرها يقوم على اقتراع على القائمات لا الأفراد كي لا تتمّ إعادة عملية تقسيم الدوائر الانتخابية، وهي عملية معقدة وحساسة، إلى جانب أن الاقتراع على الأفراد سيدفع نحو شخصنة الحكم باعتبار أن الاختيار سيكون على أساس الأشخاص لا البرامج. وشددت على ضرورة اعتماد الاقتراع بالأغلبية على دورتين موضحة أن اعتماد دورتين يختلف عن اعتماد دورة واحدة. وبيّنت أنه في عملية الاقتراع بالأغلبية على دورتين يتمتع الناخب بفرصتين للاختيار.
وأشارت إلى أنه في نظام الدورتين لا يُعتبر فائزًا إلا من يتحصّل على الأغلبية المطلقة أي أكثر من 50 في المائة وهو أمر صعب أن يتحقّق في كافة الدوائر الانتخابية وأن من يفوز في الدورة الأولى بالأغلبية المطلقة يكون منطقيًا من الأحزاب التي لها قاعدة انتخابية واسعة ومتينة. وأضافت "أما بالنسبة للدوائر التي بقيت معلّقة، يعرف الناخب الوزن الحقيقي لكلّ حزب ويستطيع بالتالي أن يغيّر التصويت عندما يتبيّن له أن هناك أحزابًا لم تتحصل على أي شيء".
وقالت سلسبيل القليبي لـ"الترا تونس" إن "من لم يصوت في الدورة الأولى، وإذا تبين له فوز الأطراف التي لا يدعمها، بإمكانه أن يشارك في التصويت اللاحق".
وأكدت القليبي أن نظام الاقتراع النسبي مع أكبر البقايا يفسّر الطابع المتشتت للبرلمان إذ أنه يمكّن كافة الأحزاب السياسية حتى لو كانت ضعيفة وهامشية من المشاركة والحصول على مقعد نيابي، ويشجع أيضًا على التشتت والتفكك الحزبي.
اقرأ/ي أيضًا: مرزوق: نظام الحكم أثبت فشله والنظام الانتخابي عاجز
وأوضحت أنه "بالنسبة لنظام الاقتراع الأغلبي على دورتين، تستطيع جميع الأحزاب السياسية المشاركة في الدورة الأولى أما عند إعلان نتائج هذه الدورة فإن القانون ينصّ على أن الحزبين اللذين تحصّلا على أكبر عدد من الأصوات فقط يشاركان في الدورة الثانية". وأشارت إلى أنه "قبل الإعلان عن النتائج النهائية للدورة الثانية تقع التحالفات المتينة القائمة على تقارب في البرامج والايدولوجيا مما سيؤدي إلى بروز ثنائية قطبية بين أحزاب محافظة وأحزاب تقدمية أو أحزاب يمينية أو يسارية وغير ذلك".
وذكّرت أنه بعد انتخابات 2014 تمّ تكوين "ائتلاف اضطراري"، وفق توصيفها، لم يكن مبنيًا على تقارب في الرؤى والبرامج والايدولوجيا. وأعربت القليبي عن أملها في أن تنجح مبادرة رئيس الجمهورية "كي لا تتكرّر الأزمة التي نعيشها"، حسب تعبيرها.
جوهر بن مبارك: لا بد من التّريث وعدم السقوط في نظام على المقاس
في المقابل، اعتبر أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، في تصريح لـ"الترا تونس"، أنه "لا بدّ من تجنّب تعديل المنظومة السياسية والانتخابية بناء على مسائل ظرفية". ويشير بن مبارك إلى أن الأطراف التي تريد تغيير النظام الانتخابي من أجل ضمان أغلبية لا بد أن تدرك أن الانتخابات "دوّارة" وأنها لن تتحصل بالضرورة في 2019 على نفس نتيجة انتخابات 2014، مؤكدًا "ضرورة عدم السقوط في خطأ صياغة نظام على المقاس".
أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك: لا يجب السقوط في خطأ صياغة نظام على المقاس
وأشار بن مبارك إلى أن "من يتحدّث عن تغيير نظام اقتراع لم يطرح مقترحات بديلة"، مضيفًا أنه إذا كان التوجه نحو نظام اقتراع يميل للنظام الأغلبي لضمان حدّ أدنى من الاستقرار الحكومي فلا بدّ قبل ذلك من تقييم موضوعي ودقيق للأزمات وما إذا كانت وليدة ومرتبطة بنظام الانتخابات أو بمسائل أخرى، على حدّ قوله.
وأضاف أنه "إذا كان تغيير النظام الانتخابي يهدف لضمان أغلبية أكثر استقرارًا فنحن عرفنا منذ 2014 ولغاية الآن 4 حكومات ونتحدث عن إمكانية التوجه نحو الحكومة الخامسة لكن لم تجد السلطة مرة واحدة صعوبة في تمرير ما تريده فكلّ الحكومات نالت الثقة بأغلبية مريحة كما سقطت حكومة الحبيب الصيد بأغلبية أيضًأ". ولفت إلى أن جميع القوانين التي مرّرتها الحكومة تم التصويت عليها جميعها بأغلبية مريحة. وقال إنه في هذه الحالة لم تتم إعاقة عمل الحكومة وبالتالي فإن تغيير المنظومة الانتخابية لن يغيّر شيئًا، حسب تعبيره.
وشدد على أن نظام الاقتراع الأغلبي يخدم مصلحة الحزب الكبير، موضحًا أن "من يتحصّل على الأغلبية المطلقة يحصل بالتالي على جميع المقاعد وهو ما كان يحصل قبل الثورة"، وفق تعبيره. وأبرز أن هذا النظام كان دائمًا يعطي نتائج لفائدة الحزب الحاكم.
وبيّن أنه لو وقع تطبيق نظام الاقتراع الذي يميل نحو الأغلبية في انتخابات 2014 لتحصّلت حركة نداء تونس على الأغلبية، متسائلًا عمّا كانت ستفعله هذه الأخيرة أمام الانشقاقات التي عاشتها لو أن الأغلبية آلت إليها. وأكد أن نداء تونس فقد الأغلبية بسبب انشقاقاته الداخلية، مشددًا على أن واقع الحياة السياسية أقوى من المنظومة الانتخابية وأن "عدم الاستقرار الحزبي له تأثير أكبر النظام الانتخابي".
اقرأ/ي أيضًا:
هل طريق السبسي مفتوحة لتغيير نظام الحكم أو النظام الانتخابي؟