"كيف أستطيع ملء بطني وقت الإفطار وإخوتي في غزة يطبخون الحشائش؟ فطعامي لم يعد طعامًا ولا شرابي شرابًا حيث لا أضع لقمة في فمي حتى يمرّ بين عيني شريط الشهداء والأمهات الثكالى والأرامل والأيتام والجرحى والجوعى، وكلما وضعتُ رأسي على وسادتي أتذكر من يبيتون في هذا البرد القارس في العراء يفترشون التراب ويلتحفون السماء. لم أحسبهم يومًا أرقامًا، كنت أرى أني إحدى الأمهات المفجوعة في أبنائها أو زوجها أو إخوتها أو والديها". هكذا عبّرت مدرّبة التربية الذكيّة مريم المالكي لـ"الترا تونس" عن اشتداد ألمها لما يصلها من مشاهد لمعاناة أهالي غزة في الحصول على ما يسدّ الرمق خاصة منذ دخول شهر رمضان المعظّم، أين بلغ الجوع مبلغه من الناس.
مريم المالكي لـ"الترا تونس": كيف أستطيع ملء بطني وقت الإفطار وإخوتي في غزة يطبخون الحشائش؟ كلما وضعتُ رأسي على وسادتي أتذكر من يبيتون في هذا البرد القارس في العراء
وتؤكّد مريم المالكي أن العديد من المفاهيم انقلبت في حياتها منذ أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كما تغيّر أسلوب تفكيرها وأولوياتها، معتبرة أن هذا الحدث ليس هيّنًا بالمرة، وبعد 6 أشهر من هذه الحرب غير المتكافئة أصبح تفكيرها مشغولًا طول الوقت بأطفال ونساء غزة وأصبح يومها لا يمرّ دون استجداء أخبارهم ومعرفة أحوالهم كما أصبحت تشغل نفسها بالدعاء لهم في كل صلاة وحتى خارج أوقات الصلوات، وفق تصريحها لـ"الترا تونس".
وتشير محدّثتنا إلى أنّها تتعمّد الخوض والحديث مع أبنائها عن هذه الحرب القاتمة بشكل يومي منذ بدايتها إلى غاية اليوم كما تريهم مشاهد القتل الوحشي واللانساني للعدو الغاشم حتى يشاركوا أطفال غزة بعضًا من آلامهم، مضيفة أنّ "أبناءنا ليسوا أبدًا أفضل أو أحسن من أبنائهم ولا نفسيّاتهم أولوية على نفسية أبناء غزة ولن يكون ما يشاهده الأطفال على الشاشات على نفس القدر من تلك المشاهد الحقيقية التي يعيشها الطفل الغزاوي على أرض الواقع"، وفقها.
مريم المالكي لـ"الترا تونس": أتعمّد الخوض والحديث مع أبنائي عن هذه الحرب القاتمة بشكل يومي منذ بدايتها إلى غاية اليوم وقد قاطعوا بضائع كانوا يحبونها بشدة في سبيل المساندة
وعن حملة المقاطعة للمنتجات التي تدعم العدوان على غزة، تشدّد محدّثتنا على أنّ عائلتها انتهجت منذ اليوم الأوّل نهج المقاطعة وأصبح واجبًا مقدسًا، حيث قاطع أبناؤها بضائع كانوا يحبونها بشدة وهم إلى اليوم مقتنعون بضرورة المقاطعة حتى وإن كان لهم رفاق وأتراب يتعمدون التقليل من شأن المقاطعة كشكل من أشكال تقليد والديهم.
وتختم المالكي حديثها قائلة: "نحن اليوم لم نعد نقاطع بل نحن قد استغنينا أساسًا عن سلع الشركات المتواطئة مع دولة العدو حتى وإن لم يكن لها بدائل أصبحت المقاطعة هي وسيلتنا للجهاد وذلك أضعف الإيمان. بل أصبح من المحرّم علينا اقتناء السلع والبضائع التي تدعم دولة الكيان الغاصب. فلا ألم يساوي ذرّة من ألمهم ووجعهم ولا يمكن لأي فعل نفعله من أجلهم أن يكون قطرة في بحر تضحياتهم".
-
أيمن بن عمّار: "لا يمكن لبطنك وشهوتك أن تغلب مبادئك وقيمك"
يؤكّد الناشط أيمن بن عمّار أنّ حياته انقلبت رأسًا على عقب منذ طوفان الأقصى وأصبحت القضيّة محور الاهتمام سواء في عائلته المصغّرة أو الموسّعة.
وحتّى حدث ولادة ابنه لم يثنه عن متابعة خطاب الملثّم "أبو عبيدة" في 21 من ديسمبر/كانون الأول 2023 واضطرّ لإنهائه ليلتحق بزوجته التي كانت في انتظاره في المصحّة.
أيمن بن عمّار لـ"الترا تونس": أفضل أيام حياتي هو يوم طوفان الأقصى بعد أن كان لسنوات تاريخ اندلاع الثورة التونسية، والشعب التونسي بمختلف شرائحه يساند بشكل كبير القضية الفلسطينية
يمضي أيمن يومه ما بين متابعة للأخبار والتفاعل داخل المجموعات ودعم أهالي غزّة من خلال عديد من الحملات والمبادرات، وهو ما عزّز دائرة علاقاته مع عائلات شهداء المقاومة الذين أصبحوا أقرب إليه حتى من أصدقائه التونسيين، وفق حديثه لـ"الترا تونس".
ويشير محدّثنا إلى أنّ متابعته للشأن السياسي جعله يبتعد نسبيًّا عن الشأن العام التونسي، لافتًا إلى أنّ أفضل أيام حياته هو يوم طوفان الأقصى بعد أن كان لسنوات تاريخ اندلاع الثورة التونسية.
أثناء تجوّله بعد الإفطار في أحد شوارع منطقة سيدي حسين، لاحظ أيمن بن عمّار تواجد "عطرية" جديدة في المنطقة تحمل اسم طوفان الأقصى 7 أكتوبر، وهو ما عزّز إحساسه بالطمأنينة لالتزام الشعب التونسي بمختلف شرائحه بمساندة القضية الفلسطينية.
أيمن بن عمّار لـ"الترا تونس": حين أرى إخواني في غزّة يجمعون الدقيق بالتراب ثم يغربلونه من أجل الطعام فهذا يجعلني أستحي من شراء أيّ منتج ضمن حملات المقاطعة
وعن هذا يقول الناشط المدني: "بحكم عملي أتنقّل كثيرًا وأزور المقاهي وأدخل العديد من المنازل وما يمكن أنّ أؤكّده لكم أنّ ما يحدث شيء مبهر ومذهل، فالقضيّة نابضة في قلوب الجميع دون استثناء".
وعن مدى التزامه بحملات المقاطعة يشدّد بن عمّار أنّه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يدخل بيته أيّ منتج يدعم كيان الاحتلال، وأنّ هذه المقاطعة ستتواصل إلى آخر يوم في حياته وسيورّثها لابنه، مضيفًا: "أن ترى أخاك في غزّة يجمع الدقيق بالتراب ثم يغربله ويصل به الأمر أن يطهو فضلات الحيوانات ليسدّ رمقه فهذا يجعلني أستحيي شراء أيّ منتج ضمن حملات المقاطعة وأعتبر الأمر حرامًا وذنبًا كبيرًا ولا يمكنني تبرير جهل أيّ أحد خاصّة مع الحملات التوعويّة التي وقعت على امتداد أيام الحرب.. لا يمكن لبطنك وشهوتك أن تغلب مبادئك وقيمك" على حد تعبيره.
أيمن بن عمّار لـ"الترا تونس": لا يمكنني تبرير جهل أيّ أحد بالمنتجات التي يجب مقاطعتها خاصّة مع الحملات التوعويّة التي وقعت على امتداد أيام الحرب
ويختم محدّثنا الحوار باستبشاره بالنصر وأنّه رغم هول الدمار الحاصل فإنّ الرسائل تصل إيجابيّة من القطاع، مؤكّدًا أنّ الشعب الفلسطيني اصطفاه الله وهو يخطّ أسطورة النصر قريبًا.
-
أشرف أجيار:" شهر رمضان كان فرصة لملاحظة أثر المقاطعة"
يمضي أشرف أجيار، طالب بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بتونس 9 أفريل، وعضو في شبكة من النشطاء المستقلين الأحرار الداعمين للحق الفلسطيني، جلّ وقته دعمًا وتلبية لنداء المقاومة فى مشروع النضال والمقاطعة وذلك عبر تحركات ميدانية فى الفضاءات المطبّعة والشركات التى تجمعها مصالح وتعاملات مع أطراف ومؤسسات صهيونية بالإضافة إلى التحرّكات على صعيد الشوارع والأماكن العامة وفي كل الفضاءات المتاحة.
أشرف أجيار لـ"الترا تونس": بعد 5 أشهر من الحرب، هناك فهم أكبر وأعمق لحقيقة ما يحدث فى القطاع، ومنصات التواصل الاجتماعي تفيض اليوم بالمنشورات التي تفضح جرائم الاحتلال
وعن تقييمه لمتابعة الشارع التونسي للأوضاع في فلسطين المحتلّة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر من عملية طوفان الأقصى، يؤكّد أجيار أنّ هناك اهتمامًا كبيرًا بكل تطوّرات الوضع فى غزة بالإضافة إلى أنّ هناك فهمًا أكبر وأعمق لحقيقة ما يحدث فى القطاع. وفي حين اختار البعض مشاركة التحرّكات والشوارع، اتّخذ البعض الآخر مواقع التواصل الاجتماعي منبرًا لنشر ورفع مجريات كلّ ما يحدث وللتعريف بالقضية وبكل المستجدات، مضيفًا أنّ منصات التواصل الاجتماعي اليوم تفيض بالمنشورات التي تفضح جرائم الاحتلال وتدعو لمساندة القضية ووقف العدوان على غزة كما أنّ الشعوب أصبحت واعية ومواكبة للأحداث لحظة بلحظة، بدءًا من آخر الأخبار وصولًا إلى خطب "أبو عبيدة".
ونظرًا لتغيّر السلوك الاستهلاكي للمواطن التونسي في شهر رمضان ولهفة العديد منهم على المنتجات باختلاف أنواعها، يتساءل العديد من المتابعين عن مدى التزام التونسيّ بحملات المقاطعة التي تبنّاها منذ انطلاق العمليّات العسكريّة في غزّة.
وفي هذا الإطار يقول محدّثنا لـ"الترا تونس" إنّ شهر رمضان الفضيل كان فرصة لملاحظة أثر المقاطعة ورغم صعوبة تقدير نسب الخسائر التي تتكبدها الشركات المستهدفة بدقة، إلا أنّه من المؤكّد خسارتها لمبالغ كبيرة ويتمثّل ذلك في الإشهارات المكثفة لهذه الشّركات وصولًا لتقديم اعتذارات ومعلومات زائفة عن دعمها للقضية مما يؤكد ارتباكها ومحاولتها تدارك الخسائر وتقليص حجم الضرر التي تسببت فيه المقاطعة، وفق قوله، داعيًا المواطنين للاطّلاع على قائمات المواد المطبعة ونشرها وعدم الاستهانة بأيّ تحرّك من شأنه رفع معنويات الفلسطينيين وكسر إحساسهم بالعزلة والنسيان.
ويضيف أشرف أجيار أنّ رمضان تزامن مع شهر مارس/آذار والحملة العالمية لمناهضة الآبارتيد والاحتلال وهو ما أعطى زخمًا للتّحركات اليومية على الصعيد العالمي وليس في تونس فقط.
وقد تبنّت شبكة من النشطاء المستقلين الأحرار الداعمين للحق الفلسطيني برنامج دعم في رمضان يتضمّن تحرّكات شعبيّة وفرديّة سواء داخل الشّركات المطبّعة وأمام مقرّات ومؤسسات الدول المتواطئة مع الكيان الصهيوني بالإضافة لتحرّكات رمزية تضامنية كالتي انتظمت أول يوم في رمضان أمام المسرح البلدي أين رٌفعت الشعارات المندّدة بالحرب على غزّة والدّعوات للمقاطعة ولإيقاف الإبادة بالإضافة لحملات تثقيفية وتعليمية للنهوض بوعي التونسي بأهمية المقاطعة ومناهضة التطبيع.
أشرف أجيار لـ"الترا تونس": أدعو الجميع إلى استغلال كل فرصة ممكنة للتذكير بالقضيّة وبناء مناعة ضد الرسائل الخبيثة التي يدسّها الإعلام الغربي والعربي على حدّ السواء لضرب عملية المقاطعة والمساندة لفلسطين
وعن التحرّكات الأخرى للشبكة فى رمضان، يؤكّد أشرف أنّ حملات التنديد مازالت متواصلة في عدة ولايات وذلك بالتنسيق مع الناشطين والحقوقيين الداعمين للقضية بالإضافة إلى ثلة من الفلسطينين المقيمين بتونس وبعض الأجانب من جنسيّات مختلفة والمساندين للقضية، موضّحًا أنّ التركيز منصبّ على نشر الوعي بالمقاطعة وأهميتها سواء بالملصقات أو المناشير أو بالاحتجاج السلمي داخل الشركات التونسية المطبّعة والدفع لقطع علاقاتها وشراكاتها مع الكيان الصهيوني، كما أنّ هناك ضغطًا على الجهات المسؤولة من أجل تجريم التطبيع والمطبعين وملاحقتهم ومحاسبتهم قانونيًا وقضائيًا.
ويوجّه أجيار رسالة لكلّ شخص شعر باليأس والعجز في نصرة إخواننا في غزّة قائلًا: "إنّ الدّفاع والذود عن القضية لا يقتصر على السلاح فقط، فكلمة الحق دفاع عن القضية شأنها شأن المقاطعة، والدعاء والاحتجاج أيضًا. وأدعو الجميع أن يستغلّ كل فرصة ممكنة لتدارس القضيّة وبناء مناعة ضد الرسائل الخبيثة التي يدسّها الإعلام الغربي والعربي على حدّ سواء من أجل ضرب وإفشال عملية المقاطعة والمساندة لفلسطين".
وفي ختام حديثه، يشدّد أشرف على أنّ العالم يشهد طوفانًا فكريًا وفهمًا أعمق للقضية ويتحرك بشكل يومي، مشيرًا إلى أنّ التاريخ الكبير والعريق للتونسيين في مساندة الفلسطينيين، هو ما يدفعنا لنكون في صدارة الشعوب المساندة لفلسطين والمنادية بإسقاط الاحتلال وتجريم التطبيع.