22-ديسمبر-2020

نوع المواد الموردة من نفايات تدخل تحت طائلة الممنوعات (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

 

انتقلت "فضيحة النفايات الإيطالية" من سندان الإعلام إلى مطرقة القضاء، أسابيع قليلة منذ التعرض للملف في الإعلام، تم إثرها الكشف عن خيوط "حاويات الموت" التي تم جلبها من وراء البحار، تحديدًا من إيطاليا، بصفقة تقدر بعشرات المليارات مقابل استيراد 120 ألف طن من النفايات سنويًا.

قضية "النفايات الإيطالية" المورّدة من طرف شركة خاصّة تنتقل بالسرعة القصوى نحو أروقة المحاكم التونسية، يوم الاثنين 21 ديسمبر/ كانون الأول 2020 وأمام أنظار المحكمة الابتدائية سوسة 1، يتم جلب المتهمين وعرضهم على قاضي التحقيق.

وقد شهدت المحكمة الابتدائية بسوسة تعزيزات أمنية غير مسبوقة أثناء جلب المتهمين الموقوفين من العاصمة تونس كما شهد محيط المحكمة توافدًا كبيرًا لأعوان الديوانة التونسية، الذين نفذوا وقفة تضامنيّة مع زملائهم في السلك الموقوفين على ذمة التحقيق، رافعين شعارات تشيد بدورهم في "مقاومة الفساد"، وفق تقديرهم.

وقفة تضامنيّة لأعوان الديوانة مع زملائهم في السلك الموقوفين على ذمة التحقيق (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

 

أما أصل المسألة فهي أن شركة خاصة مختصة في رسكلة النفايات ورّدت 282 حاوية من النفايات المنزلية المجمعة وتم تسريح سبعين منها نحو مخازن الشركة في حين لا تزال 212 حاوية راسية حاليًا على رصيف الميناء التجاري بسوسة منذ حوالي 7 أشهر.

نوع المواد الموردة من نفايات تدخل تحت طائلة الممنوعات حسب اللائحة الترتيبية للاتحاد الأوروبي عدد 1013 لسنة 2006

وللتذكير فإن هذه النوعية من المواد الموردة من نفايات تدخل تحت طائلة الممنوعات حسب اللائحة الترتيبية للاتحاد الأوروبي عدد 1013 لسنة 2006، وبالتحديد في التصنيف الوارد بالملحق عدد 2 من اتفاقية بازل (معاهدة دولية تم تصميمها للحد من تحركات النفايات الخطرة بين الدول، وعلى وجه التحديد لمنع نقل النفايات الخطرة من البلدان المتقدمة إلى البلدان الأقل نموًا).

كانت القضية محط أنظار الرأي العام التونسي والعالمي وكذلك المنظمات ومكونات المجتمع المدني المهتم بالبيئة نظرًا لطبيعتها ومستوى المورّطين فيها من وزراء وكبار المسؤولين في الإدارات المعنية، كما أنها تمثل اختبارًا جديدًا أمام القضاء التونسي وأجهزة الدولة التنفيذية في مقاومة الفساد وترسيخ الحوكمة والضرب على أيادي العابثين.

اقرأ/ي أيضًا: منهم وزيران سابقان: 12 موقوفًا و10 في حالة تقديم في فضيحة النفايات الإيطالية

تقرير هيئة الرقابة المالية

قدمت هيئة الرقابة المالية، الاثنين 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، تقريرها للجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد في البرلمان بخصوص هذه القضية. وحدّدت الهيئة المسؤوليات ووجّهت أصابع الاتهام  للشركة المورّدة التي أخفت المعطيات المتعلقة بالنفايات وهي نفايات منزلية مجمّعة وليست نفايات بلاستيكية، كما أنها تعاطت مع موظفين في الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات وليس مع الهياكل الرسمية.

ووصفت الهيئة هذه الشركة بكونها "عاجزة عن تثمين نفايات منزلية مجمعة ولم تقم بدراسة حول تأثيرات النفايات على المحيط ولا تملك تجهيزات خاصة بتثمين نفايات منزلية مجمعة". كما حمّلت المسؤولية لمدير عام الوكالة الوطنية للنفايات بالنيابة السابق الذي أبدى رأيه بالموافقة وهذا ليس من صلاحياته، وفقها.

أما مدير الرسكلة وتثمين النفايات فقد شارك في رفع العينة من حاوية واحدة ولم يعدّ تقريرًا في الغرض ولم يستشر الإدارة العامة وأعطى رأيه دون تكليف رسمي بالموافقة في غضون ساعتين من صدور التحليل خلال يوم عطلة إدارية وعبر بريده الخاص وتمت الموافقة على كراسات الشروط في نفس اليوم.

وأثبت تحقيق الهيئة أيضًا أن "إداريًّا مساعدًا بممثليّة الوسط الشرقي أمضى وثيقة ترخيص بنقل النفايات ووضع ختم الوكالة دون العودة للإدارة". واعتبرت الهيئة أن مصالح الإدارة العامة للديوانة لم تتثبت في دلالة صنف النفايات ولم تسعَ للحصول على الوثائق اللازمة ووافقت في ظرف ربع ساعة فقط على تسريح 70 حاوية وعدم إعلام السلطات المختصة ومواصلة التنصيص على كونها نفايات بلاستيكية وليس نفايات منزلية مجمعة.

شدّدت هيئة الرقابة العامة للمالية على ضرورة إلزام الشركة الموردة والشركة الإيطالية بإعادة النفايات لدولة المنشأ بسبب عدم احترام الإجراءات وتحميلهما المصاريف

ومن بين المشار إليهم في تقرير الهيئة "ملازم بالديوانة لاحظ في 13 جوان/ يونيو 2020 أن النفايات مختلفة ورائحتها كريهة لكنه لم يرفع تقريره إلا يوم 24 جوان/ يونيو وتواصلت عملية التوريد إلى 23 جويلية/ يوليو، وسرحت خلالها 282 حاوية من جملة 460 مما يمكن الشركة من مبلغ 12 مليون دينار" .

وأشارت الهيئة إلى انعدام الجدية في التعاطي مع الملف من مختلف الأطراف ومنها مثلاً تغيب ممثل وزارة البيئة والشؤون المحلية عن جلسة 8 جويلية/ يوليو 2020 إضافة لصدور محضر يوم 24 جويلية/ يوليو دون إمضاء ودون تصنيف النفايات.

وشدّدت هيئة الرقابة العامة للمالية على ضرورة إلزام الشركة الموردة والشركة الإيطالية بإعادة النفايات لدولة المنشأ بسبب عدم احترام الإجراءات وتحميلهما المصاريف واتخاذ الإجراءات التأديبية في حق المسؤولين والأعوان المتدخلين في العملية إضافة إلى ضرورة سد الفراغ التشريعي في هذا المجال.

إيداع بالسجن لوزير البيئة المقال ومسؤولين آخرين 

مساء الاثنين 21 ديسمبر/ كانون الأول 2020، تم إصدار بطاقة إيداع بالسجن من طرف قضاة التحقيق في حق ثمانية متهمين: مصطفى العروي، وزير البيئة المقال، ومدير الرسكلة والتثمين بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ومدير التقييم بوكالة حماية المحيط وموظف بالإدارة الجهوية للبيئة ومدير عام الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات سابقًا وصاحب مخبر خاص بتونس العاصمة ورئيس لجنة في الوكالة الوطنية لحماية المحيط ومدير في الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، حسب تصريح جابر الغنيمي مساعد وكيل الجمهورية والناطق الرسمي بالمحكمة الابتدائية سوسة 1  لـ"الترا تونس".

كما أذن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بسوسة بإطلاق سراح 4 موقوفين على ذمة القضية وهم عميد بالديوانة التونسية وموظف بالبريد ورئيس ديوان وزير البيئة المقال ووسيط جمركي، حسب نفس التصريح للغنيمي، وأشار الأخير إلى أن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بسوسة أبقى على 10 متهمين في القضية من بين من مثل الاثنين أمام قاضي التحقيق في حالة تقديم، في حالة سراح ومن بينهم وزير البيئة السابق شكري بن حسن.

المحكمة الابتدائية بسوسة 1 (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

ملابسات إيقاف وزير البيئة المقال

كشف الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بسوسة 1 جابر الغنيمي لـ"الترا تونس" ملابسات القبض على وزير البيئة المقال، قائلًا إن الفرقة المركزية الثانية للحرس الوطني والإدارة العامة للحرس الوطني تجاوبا بشكل جيد مع النيابة العمومية فتمت الأبحاث بالسرعة المطلوبة وكذلك الاستماع للمتهمين الذين لم نجد أي إشكال في سماعهم".

وأضاف الغنيمي: "أما بالنسبة لوزير البيئة المقال فقد تم توجيه الاتهام إليه والاستماع إليه أولاً كشاهد ولكن بينت الأبحاث أن له بعض الأفعال التي قد تشكل جرائم فوجه إليه استدعاء كمضنون فيه فلم يحضر وتم إدراجه بالتفتيش وتكفلت الإدارة العامة للحرس الوطني فتوجهت الفرقة المركزية للحرس الوطني الثانية إلى منزله وألقت القبض عليه وقد لمسنا تعاوناً كبيرًا بين الإدارة العامة للحرس والنيابة العمومية، ونشير إلى أنه لم تكن هناك أي نوع من الضغوطات والقضية تم فيها البحث واتخاذ الإجراءات القانونية بكل شفافية وطبق القانون".

يُذكر أن رئيس الحكومة هشام المشيشي كان قد أعلن إعفاء وزير البيئة والشؤون المحلية مصطفى العروي من منصبه الأحد الماضي. وأوضح بيان للحكومة، أنه تقرر تكليف وزير التجهيز والإسكان كمال الدوخ، بالإشراف على وزارة الشؤون المحلية والبيئة بالنيابة.

اقرأ/ي أيضًا: الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بسوسة1: هكذا تم القبض على وزير البيئة

محكمة سوسة: تفاصيل التهم الموجهة في قضية النفايات الإيطالية

"تكوين عصابة مفسدين من أجل الاعتداء على الأشخاص والأملاك وتدليس ومسك واستعمال مدلس واستغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة لنفسه أو لغيره وذلك بالإضرار بالإدارة أو مخالفة التراتيب المعمول بها وكذلك تمت إحالة البعض من أجل المشاركة السلبية طبق الفصول 131 -132-172-175-176-177- و 96 من المجلة الجزائية والأمر المؤرخ في 9 جويلية 1942"، هذه هي التهم التي تم توجيهها بعد انتهاء الأبحاث وبعد مراجعة النيابة العمومية بخصوص المتهمين الذين هم بحالة احتفاظ وتقديم وفرار وقررت النيابة العمومية فتح بحث تحقيقي ضد المتهمين الذين بلغ عددهم 23 متهمًا حسب ما صرح به جابر الغنيمي الناطق الرسمي باسم محكمة سوسة 1.

جابر الغنيمي الناطق الرسمي باسم محكمة سوسة 1 (ماهر جعيدان/ألترا تونس)

 

اقرأ/ي أيضًا: محكمة سوسة: التهم الموجهة في قضية النفايات المورّدة من إيطاليا

ما سبق انتقال القضية إلى أروقة المحاكم..

على إثر علم النيابة العمومية بوجود شبهة توريد نفايات خطرة عبر الميناء التجاري بسوسة من إيطاليا من طرف مؤسسة خاصة، تحركت النيابة العمومية تلقائيًا و"بمحض إرادتها" (كما قيل إثر ذلك) وقامت بالتحريات اللازمة وتعهدت بصفة فورية للفرقة المركزية الثانية للحرس الوطني بالعوينة بالبحث العاجل في الموضوع وقامت بإجراء التساخير والمعاينات والتحاليل والاستماعات اللازمة بالتنسيق مع النيابة العمومية وتم إجراء التحجيرات الحدودية ومنع السفر باستكمال الأبحاث كما تمت مراجعة النيابة العمومية بسوسة 1.

وعلى ضوء ما توفر من أدلة وقرائن، أذنت النيابة العمومية بالاحتفاظ بعشرة أشخاص وتقديم 12 شخصًا إلى النيابة العمومية وإدراج شخص بالتفتيش. المتهمون الذين هم في حالة احتفاظ هم التالي ذكرهم: وزير البيئة المُقال ومدير ديوان الوزير والمدير العام للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات السابق ومدير بوكالة التصرف في النفايات ومدير ورئيس لجنة الموافقات بالوكالة الوطنية لحماية المحيط، كما تم الاحتفاظ بإطار سام برتبة عميد تابع للديوانة وتم الاحتفاظ بصاحب مخبر التحاليل الذي قام برفع العيّنات بالإضافة إلى الاحتفاظ بموظف تابع للإدارة الجهوية للبيئة بسوسة وكذلك عون بريد.

الهاجس الأكبر للمنظمات المهتمة بالشأن البيئي هو مآل تلك الحاويات من النفايات التي لا تزال راسية في الميناء التجاري بسوسة

أما بالنسبة للمتهمين الذين تم تقديمهم للنيابة العمومية فقد بلغ عددهم 12 شخصًا من بينهم وزير البيئة السابق والمدير العام السابق لوكالة التصرف في النفايات والمدير الحالي للوكالة الوطنية لحماية المحيط وإطاران ساميّان من الديوانة برتبة عميد وكذلك أعضاء من لجنة الموافقات التابعة للوكالة الوطنية لحماية المحيط بالإضافة إلى قنصل تونس ببالرمو.

وأما الشخص الذي تم إدراجه بالتفتيش فهو صاحب المؤسسة وقد تحصّن بالفرار قبل مباشرة الأبحاث في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 وعند تعهد الفرقة المركزية للحرس الوطني بالأبحاث تم البحث عنه وكان قد غادر الوطن.

 

المسار القضائي في ما صار يعرف بـ"فضيحة توريد النفايات الإيطالية" ابتدأ فعليًا الاثنين 20 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بالإحالة على التحقيق ولكن الإجراءات لا تزال في طورها الأول لذلك ننتظر منعرجات عديدة لهذه القضيّة في كلّ طور من أطوار التقاضي، كما أن الهاجس الأكبر للمنظمات المهتمة بالشأن البيئي هو مآل تلك الحاويات من النفايات التي لا تزال راسية في الميناء التجاري بسوسة وهناك مطالب ملحّة بإرجاعها إلى البلد المنشأ وعدم ردمها في تونس بأي حال من الأحوال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رئاسة الحكومة: إقرار إجراء تدقيق شامل في قطاع البيئة

فضيحة النفايات بميناء سوسة التجاري: تونس من "مطمور روما" إلى "مزبلة إيطاليا"