01-أكتوبر-2020

ياسر عرفات في زيارة لمكان القصف الإسرائيلي في حمام الشط في 2 أكتوبر 1985 (Getty)

 

"الساق الخشبية" هو الاسم الحركي لغارة سلاح الجو الإسرائيلي ضد الأراضي التونسية في 1 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1985. استهدفت الغارة مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية حينها في منطقة حمام الشط، وكان أبو عمّار وأبرز قيادات منظمة التحرير الهدف الرئيسي. لكن تأجيل اجتماع لبضع سويعات أدى لنجاة ياسر عرفات والعديد من رفاقه. هي مجزرة، دون نقاش، راح ضحيتها 50 فلسطينياً و18 تونسياً وجرح 100 بين تونسيين وفلسطينيين وفق الأرقام الرسمية المعلنة إبان العملية. عودة لتفاصيل "الساق  الخشبية" ومزيد خفاياها في هذا التقرير.


  • منظمة التحرير الفلسطينية في تونس..

إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت في سنة 1982، غادرت منظمة التحرير الفلسطينية لبنان وحوّلت نشاطاتها إلى عدد من الدول العربية ومنها تونس التي توجه لها ياسر عرفات. المعلوم حينها أن اتفاقًا حصل بطرح من فيليب حبيب وهو دبلوماسي أمريكي من أصول لبنانية، وتلته برقيات من عديد الدول العربية رحبت باستقبال القيادة الفلسطينية. 

تم اختيار تونس مركزًا للقيادة، وهو ما يفسره حسين أبو العلا، مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في وثائقي تعرض للمجزرة وبُث على التلفزيون العربي سنة 2019 بأن "أبو عمّار كان صاحب الاختيار لأن الجامعة العربية كانت حينها في تونس، كما كان الوضع في البلد جيدًا إذ لم تكن هناك قيود أو تدخلات في شؤون المنظمة"، وفق قوله.

إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت، غادرت منظمة التحرير الفلسطينية لبنان وحوّلت نشاطاتها إلى عدد من الدول العربية ومنها تونس التي كانت مركزًا للقيادة 

أبو عمّار في مكتبه بتونس في فيفري/ شباط 1988 (Getty)

 

  • التعلة: عملية لارنكا

في 25 أيلول/ سبتمبر 1985، هاجم 3 مسلحين فلسطينيين يختًا في ميناء لارنكا في قبرص وقتلوا 4 ضباط من جهاز الموساد الإسرائيلي وعرفت العملية فيما بعد بـ"عملية لارنكا". وأُتهمت "القوة 17" حينها بمسؤوليتها عنها.

في الأثناء كان ياسر عرفات قد طلب اجتماعًا مع كل قادة القوات في الساحات ومع مدراء الأجهزة الأمنية في تونس وذلك في مقر القائد العام في حمام الشط وحدد الاجتماع ليوم 1 أكتوبر/ تشرين الأول 1985 الساعة العاشرة صباحًا، وفق تصريحات متطابقة لقيادات فلسطينية فيما بعد، لكن بعض القادة تعذر عليهم الوصول في الموعد بسبب حجوزات السفر، كما قيل حينها، وهو ما أدى لتأخير الاجتماع إلى حين وصول الجميع إلى تونس. 

حسين أبو العلا، مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات: "عرفات توصل بمعلومات خلال تلك الفترة من إحدى السفارات الأجنبية في تونس تُفيد أن إسرائيل تفكر في اغتياله"

يُذكر أن حسين أبو العلا، مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان قد صرح في ذات الوثائقي المذكور سابقًا، أن "عرفات توصل بمعلومات خلال تلك الفترة من إحدى السفارات الأجنبية في تونس تُفيد أن إسرائيل تفكر في اغتياله". هذا الأخير أوضح أيضًا أن "أبو عمّار كان في اجتماع مع رئيس الوزراء التونسي حينها محمد مزالي خلال لحظات القصف الإسرائيلي".

توجه القصف نحو بيت ياسر عرفات ومقرات الأركان والمالية والقوة 17 (أمن الرئيس) وتم قصف منازل لمواطنين تونسيين أيضًا. ما بقي في الذاكرة كانت أساسًا بعض الصور التي تناقلتها شاشات التلفزيون وأوضحت حجم الدمار ومشاهد الجثث والأشلاء واختلاط الدماء التونسية والفلسطينية. أما الجنازة فكانت "ضخمة" وحضرها الكثير من التونسيين.

مكان القصف الإسرائيلي في حمام الشط (Getty)

  • تساؤلات قائمة حول العملية..

أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن المجزرة التي صارت تُعرف تونسيًا بـ"مجزرة حمام الشط" لكن جزءًا من التونسيين لم يصدق في البداية. كانت تتداول أسئلة عدة، أبرزها كيف استطاعت إسرائيل قصف أراضينا رغم المسافة ووفق الإمكانات المعلومة حينها؟. تعددت في الحقيقة الروايات وذهب بعضها للحديث عن دعم أمريكي تلقته الطائرات الإسرائيلية على مستوى قاعدة بحرية في البحر المتوسط.

كيف يمكن اعتبار الساق الخشبية ردًا على عملية لارنكا وبين العمليتين زمنيًا أقل من أسبوع بينما بدت مجزرة حمام الشط مدروسة بحنكة وقد تم التخطيط لها جيدًا؟

سؤال آخر، كيف يمكن اعتبار الساق الخشبية ردًا على عملية لارنكا وبين العمليتين زمنيًا أقل من أسبوع بينما بدت مجزرة حمام الشط مدروسة بحنكة وقد تم التخطيط لها جيدًا وفق معلومات كانت سليمة ودقيقة لآخر لحظة لو لم يُؤخر الاجتماع قليلاً؟ 

 

شهداء المجزرة 

مقبرة شهداء فلسطين 

 

السؤال الذي طُرح بعد مرور عقود بشكل علني، وإن كان يُطرح سرًا  قبل ذلك، أي دور لقيادة الأمن التونسي حينها والبلد يحتضن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وهو عليم بحجم التهديدات الإسرائيلية؟ 

سنة 1985، كان زين العابدين بن علي في منصب مدير عام الأمن الوطني. في هذا  السياق، يقول حسين أبو العلا  مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في الوثائقي المذكور سابقًا إن "لبن علي علاقات معروفة حينها مع الولايات المتحدة الأمريكية وإنه لما كان سفيرًا لتونس في بولندا طُرد من هناك بشكل رسمي لعلاقاته ومساعدته للأمريكيين".  

ارتباطات بن علي مع الأمريكيين يؤكدها مازن حجازي، سكرتير ياسر عرفات، في ذات الوثائقي دون تأكيد أو نفي مدى معرفة بن علي بالعملية قبل وقوعها وإن كان متورطًا أو لا. 

أي دور لقيادة الأمن التونسي حينها (على رأسها زين العابدين بن علي) والبلد يحتضن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وهو عليم بحجم التهديدات الإسرائيلية؟ 

يرى عديد المتابعين للشأن الفلسطيني أن الأمر رُتب بإحكام من عناصر عدة، عملية لارنكا كانت ذريعة، يُضاف إليها أن الدول العربية كانت حينها تُرحب بمنظمة التحرير وقياداتها مع منع أي تحرك عسكري للأخيرة. 

تونسيًا، هدد الرئيس التونسي حينها الحبيب بورقيبة بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تتم إدانة ما حصل في مجلس الأمن وإذا استعملت الولايات المتحدة حق الفيتو، واستطاعت تونس انتزاع الإدانة بقرار مجلس الأمن عدد 573.

لكن الاحتلال الصهيوني واصل عدوانه على الأراضي التونسية، اغتال خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد) في سيدي بوسعيد وقرطاج في سنتي 1988 و1991 واغتال محمد الزواري في صفاقس في 2016. ولا يزال يواصل إجرامه في ظل خذلان عربي للقضية الفلسطينية بعد أن أخذت عديد الدول العربية مؤخرًا منحى تطبيعيًا مع إسرائيل وعمّقت جراحًا لا تزال مفتوحة.

من جنازة "أبو جهاد" سنة 1988 (Getty)