09-أغسطس-2024
أوسّو

عادات وتقاليد عديدة ارتبطت بفترة "أوسّو" في تونس

 

"يا مطر أوسّو خوذي ما نحسّو.. وأعطينا ما ندسّو.. وصغيرك لا تمسو، وعلوشك لا تزسّو، وزيتك لا تدسّو.. ويا أوسّو نحيلي الداء الّي نحسو"، هي أمثال من الذاكرة الشعبية في تونس، قائمة على عادات وتقاليد ارتبطت بالتقويم الفلاحي وهي فترة "أوسّو".

وتمتد فترة أوسّو طيلة 40 يومًا تبدأ في 25 جويلية/يوليو وتنتهي في 2 سبتمبر/أيلول وهي فترة مميزة في التقويم الفلاحي والشعبي وارتبطت بعادات وتقاليد خاصة بها.

عادات وتقاليد عديدة ارتبطت بفترة "أوسّو" في تونس، أي من 25 جويلية إلى 2 سبتمبر، منها السباحة 7 أيام متتالية قبل طلوع الشمس مع أكل بسيسة الشعير والعصيدة والهرقمة والدجاج "العربي" اعتقادًا بقدرتها على الشفاء وتقوية المناعة

"منذ بدأت أدرك، ألفيتُ جدتي ووالدتي تقومان بغسل الصوف وتنشيفه في فترة أوسّو، وفي أوسّو أيضًا نقوم بكل أنواع العولة، من الكسكسي والمحمّصة والنواصر العربي وكل أنواع التوابل لأنها أكثر فترة تكون فيها أشعة الشمس حارقة فتجف فيها كل المؤونة التي نعدها"، تقول الخالة شاذلية لـ"الترا تونس".

وتضيف: "كنا أيضًا نضع السطول والدّلاء في الشمس بعد أن نملأها ماءً ونضع فيها ورقة عنب ونتركها طيلة القيلولة ليستحم بها الأطفال آخر اليوم في اعتقادٍ منّا بأنّ أشعّة الشمس في أوسو مفيدة وهي دواء للمفاصل"، مردفة: "كما نقصد البحر خلال هذه الفترة، وتقول العادة إنّ علينا السباحة في البحر خلال أوسّو سبع مرات حتى نتجنب الأمراض في الشتاء وخاصة الروماتيزم والزكام"، حسب تصورها.

 

صورة
خلال أوسّو يسبح البعض سبع مرات لتجنب الأمراض في الشتاء (pexels)

 

ما "الحاج منوّر" فيقول لـ"الترا تونس" إنّ "الهرقمة (أكلة تعدّ من سيقان الأبقار) تؤكل أساسًا في أوسّو ومنصوح بها خاصة للرجال فهي تزيدهم فحولةً خاصة وأنّ الجسم يصاب بالتعب والإنهاك من شدة الحرارة".

الخالة شاذلية لـ"الترا تونس": "في أوسو نضع الدّلاء في الشمس بعد أن نملأها ماءً ونضع فيها ورقة عنب ونتركها طيلة القيلولة ليستحم بها الأطفال آخر اليوم في اعتقادٍ منّا بأنّ أشعّة الشمس في أوسو مفيدة وهي دواء للمفاصل"

ويضيف: "يتم شراء "كرعين" (سيقان) البقر وطبخ هذا الطبق التونسي التقليدي خلال هذه الفترة من السنة إلى جانب أكل مرق الدجاج "العربي" (المُربّى في الطبيعة) خلال أوسّو لضمان مناعة وقوة الجسم، وهي أطباق تحرص العائلات  قديمًا على تقديمها خلال هذه الفترة".

 

صورة
في أوسّو يقوم البعض بملء دلاء بالماء ووضع ورقة عنب فيها تحت الشمس ثم يقع تحميم الأطفال فيها (pexels)

 

وخلال أوسّو أيضًا تُقدَّم بسيسة الشعير وتحضر خصيصًا لأوسّو وتشرب بالماء والسكر وقطرات زيت الزيتون، وهي مفيدة للمعدة وتقي من الحر وتروي من العطش.

ويقول المختص في التراث أنور الفاني لـ"الترا تونس" إنّ "الاحتفالات بأوسّو لها طابع خاص في المناطق الساحلية، خاصة وأنّ الذاكرة الجماعية ظلت محافظة على العادات والتقاليد التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد والتي أتى بها الرومان إلى تونس".

المختص في التراث أنور الفاني لـ"الترا تونس": الاحتفالات بأوسّو لها طابع خاص في المناطق الساحلية، خاصة وأنّ الذاكرة الجماعية ظلت محافظة على العادات والتقاليد التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد والتي أتى بها الرومان إلى تونس

ويضيف: "المحتفلون بأوسّو هم الذين يملكون منازل مطلة على البحر لأنّ النساء لم يكنّ قادرات على السباحة في شواطئ بعيدة وكانت تسمى هذه المنازل بـ"الولجة" وجمعها "ولج" وهي منازل في ضيعات تطل على البحر"، مشيرًا إلى أنّ "أصحاب الولج كانوا يحتفلون بأوسّو من خلال دعوة أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم ومعارفهم للإقامة معهم خلال هذه الفترة من السنة".

 

صورة
في أوسّو يعد البعض أكلات بالدجاج "العربي" لضمان مناعة وقوة الجسم (pexels)

 

وجرت العادة، بحسب الأستاذ أنور الفاني، أن تبقى العائلات 7 أيّام تكون فيها السباحة يوميًا قبل طلوع الشمس ويردد فيها الأهالي الجملة الشهيرة "يا ميّة أوسّو نحيلي الداء الّي نحسّو" ويعودون إلى بيوتهم قبل أن تشرق الشمس، وفقه.

المختص في التراث أنور الفاني لـ"الترا تونس": في أوسّو تبقى العائلات قبالة الشواطئ 7 أيّام تكون فيها السباحة يوميًا قبل طلوع الشمس ويردد فيها الأهالي الجملة الشهيرة "يا ميّة أوسّو نحيلي الداء الّي نحسّو" ويعودون إلى بيوتهم قبل أن تشرق الشمس

يقضّي الأهالي أوقاتًا ممتعة طيلة هذه الفترة مستمتعين بنسمات البحر، وكانت الولج تحتوي على الباكورات كالفلفل والطماطم والخيار والبطيخ والشمام والكرم وكانوا يستمتعون بالأكل ويتشاركون في تحضير الأطباق التقليدية، حسب المختص في التراث.

ويتابع محدث "الترا تونس": "شخصيًا تربيت وعشت هذه الأجواء في الولج التي اندثرت بعد أن غدت المنطقة السياحية في سوسة وصارت ملكًا للنزل، وقد تقاسمنا أوقاتًا رائعة خلال طفولتنا حين كانت أبواب الولج مفتوحة أمام العائلات في أوسّو وكنا ولا نزال نعتقد أنّ مياه البحر خلال هذه الفترة شفاء لأمراض المفاصل والروماتيزم، وبذلك نتحدى برد الشتاء القارس من خلال الاستعداد له بالسباحة في أوسّو".

 

صورة
يحرص البعض على حمل المقعدين وكبار السن للسباحة نصف شهر خلال أوسّو طلبًا للشفاء (pexels)

 

أمّا في المنستير، فيقول المختص في التراث الأستاذ حسين بلحاج يوسف لـ"الترا تونس" إنّ "عادات الجهة تختلف تمامًا عن بقية الجهات فالأهالي يستعدون لأوسّو من خلال تحضير الأطعمة ويستعملون خاصة الدجاج "العربي" ويذهبون إلى شاطئ القراعية في أوّل يوم في أوسّو مزغردين مرددين الأغاني التراثية ويستمتعون بالسباحة في البحر، وبعد المغرب يدخلون حتى دوابهم من حمير وأحصنة للسباحة في البحر.

 

المختص في التراث حسين بلحاج يوسف لـ"الترا تونس": أهالي المنستير يستعدون لأوسّو من خلال تحضير الأطعمة ويستعملون خاصة الدجاج "العربي" ويذهبون إلى شاطئ القراعية في أوّل يوم في أوسّو مزغردين مرددين الأغاني التراثية 

ويتابع: "بعد ذلك يتحولون إلى شاطئ سقانص قبل أذان العشاء بقليل فيجدون الفرق الصوفية، "العوامرية والعيساوية"،  فتجلس النساء تحت شاطئ بالردة  والرجال في شط النخيل ويبدؤون في السباحة ويتمضمضون بماء البحر المالح في انتظار أن تأتي المياه الحلوة مع منتصف الليل.

ويشرح الأستاذ حسين بلحاج يوسف: "الماء لا يصبح حلوًا، لكن من كثرة المضمضة بالماء المالح يصبح اللسان غير قادر على التذوق ويعتقد الأهالي أن الماء أصبح حلوًا وينادون النساء لتذوق الموجة الحلوة "يا بركة ميّة أوسّو داويلي الداء الّي نحسّو"، معقبًا: "يحرص الأهالي على حمل المقعدين وكبار السن للسباحة نصف شهر خلال أوسّو طلبًا للشفاء والعافية".

المختص في التراث حسين بلحاج يوسف لـ"الترا تونس": في أوسو يذهب  أهالي المنستير للبليدة حاملين طبق العصيدة العربي بزيت الزيتون والعسل والتمر وفي طريقهم يتذوقون قطرات الندى ومن خلال مذاقها يستبشرون خيرًا بأنّ الخريف سيكون ممطرًا سخيًا

ويتابع محدث "الترا تونس": "في اليوم التالي يذهب أهالي المنستير للبليدة حاملين طبق العصيدة العربي بزيت الزيتون والعسل والتمر والسكر وفي طريقهم يتذوقون قطرات الندى ومن خلال مذاقها يستبشرون خيرًا بأنّ فصل الخريف سيكون ممطرًا سخيًا. وحال وصولهم "للبليدة" يشربون بسيسة الشعير ويأكلون العصيدة ثم يسبحون في البحر ويستمر الأهالي على هذه التقاليد طيلة 7 أيام متتالية".

عادات وتقاليد حفظتها الذاكرة الشعبية وتوارثتها الأجيال ورغم اندثار بعضها، فإن جزءًا منها لا يزال متواصلًا إلى اليوم حاملًا في طياته الحنين إلى الأهل والطفولة والذكريات.