06-فبراير-2019

تمائم تتوارثها العائلات في تونس لإبعاد الحسد والعين (Getty)

 

أثناء التجوال في بعض المدن الساحلية في تونس، من العادي أن تلحظ على أسطح بعض المنازل لاسيما المشيّدة حديثًا "كسكاسًا" أو "محرمة خضراء"، ومن غير المستغرب أيضًا أن تلحظ، خاصة في جهة الشمال، في مدخل البيت أو في أعلى أحد أبوابه "صفيحة" أي حدوة الحصان، أو غصن شجرة توت.

ومن الدارج أيضًا أنّ ترى تلك الخرزة الزرقاء معلّقة في أحد أركان البيت أو في مقدمة السيارة أو في حاملة المفاتيح، أو تلحظ "خُمسة صغيرة" أو "الودعة" معلّقة على ظهر صغير حديث الولادة.

هي عادات توارثتها العائلات التونسية لطرد النحس والعين، معتقدات تتناقل جيلًا بعد جيل ويصدّقها الكثيرون دون السؤال عن الأساس الذي بنى عليه أهلنا هذه المعتقدات الشعبية التي يصفها البعض بـ"التخلف" فالناقد لا يجد تفسيرًا منطقيًا أو علميًا أو دينيًا لهذا الموروث الشعبي.

"خُمسة" في باب بيت عتيق (Getty)

تمائم متناقلة عبر الأجيال

تخبرنا آلاف الكتب النثرية والشعرية عن معتقدات العرب لطرد النحس والعين، كتب انتقدت أغلب هذه المعتقدات الراسخة في أذهان المجتمعات العربية التي تتشابه فيها أغلب القصص والأساطير.

عن "الكسكاس" الذي يعلّق في أعلى سطح البيت خاصة في البيوت المشيّدة حديثًا، تحدثنا حبيبة الساحلي (83 سنة) أنها عادة متوارثة لدى العديد من العائلات في المناطق الساحلية وتهدف لطرد العين أو الحسد الذي قد يصيب البيت الذي بني حديثًا.

وحين تسألها عن رمزية "الكسكاس" بالذات، تقول محدّثتنا: "إنّ الثقوب في الكسكاس تعني أنّ الحسد سيخرج من تلك الثقوب ولا يصيب البيت أو أهله.. ربّما ما نقوم به لا أساس له من الصحة، ولكن هي مجرّد عادة توارثناها ومازالت إلى اليوم تعيش فينا"، وفق قولها.

حبيبة الساحلي (83 سنة): الثقوب في الكسكاس تعني أنّ الحسد سيخرج من تلك الثقوب ولا يصيب البيت أو أهله

اقرأ/ي أيضًا: استقبال المواليد في التقاليد التونسية.. طقوس "خلاص الوحل" و"السّابع"

وتضيف، في ذات الإطار، أن المحرمة الخضراء تدل على الخير ويكون التبرك باللون الأخضر لأنه يدل على الرزق والخير، وهي توضع في أعلى كل بيت جديد حتى يكون بيت "عمار" وخير، وفق تعبيرها.

هناك طرق أخرى لطرد الحسد أو العين ليس لها أي أساس ديني أو علمي قد يفسرها، أهمها الخرزة الزرقاء المنتشرة في عديد البلدان العربية بما فيها تونس. وهي عبارة عن شكل عين يتم صنعها على هيئة أشكال مختلفة كروية أو دائرية مسطحة، وتعلق في السيارات والمنازل وحول الرقبة، بدعوى أن حملها يطرد العين ويحفظ من الحسد.

روايات عدّة تقول إنّها تعود إلى قدماء المصريين بدليل تلك الرسوم الموجودة على أغلب آثارهم، فيما تقول روايات أخرى إنّها غير مرتبطة بأي تاريخ معيّن لأنّها وجدت عند الأتراك أو الفينيقيين أو في بلاد الرافدين وهو ما جعلها إرثًا لكلّ العرب. ويظل هدفها الدائم هو طرد العين والحسد وإبعاد الأذى.

ينتشر استعمال "الخرزة الزرقاء" لدى التونسيين لطرد الحسد والعين (Getty)

وتبدو أنّ رغبة الإنسان في تحصين نفسه أو خلق حظ حسن لنفسه، دفعته إلى ابتداع آلاف الخرافات والاساطير، شاعت وتوارثت جيلًا بعد جيل دون التساؤل عن مغزاها أو إيجاد تفسير لها. فحدوة الحصان تعتبر واحدة من بين الطقوس المتوارثة عربيًا بل وعالميًا، يشترك أغلب الناس فيها على ضرورة وضعها في أعلى باب البيت لحماية أهل الدار من الحسد. 

"توضع بالأساس على الباب الخارجي، في مكان يراه كلّ طارق حتى إذا كان ذلك الشخص حسودا فإنّ كلّ الحسد يذهب بمجرّد النظر إليها". هكذا حدثتنا الصالحة فتيتي (55 سنة)، مشيرة إلى أنّ الحدوة يجب أن تكون مصنوعة من الحديد، وقال إنها كانت منتشرة بكثرة مع انتشار الخيول، لكنّ الحصول عليها اليوم بات نادرًا بسبب اندثار مهنة صنعها وتركيبها للخيول لا سيما في ورشات الحدادة، وفق تأكيدها.

لا تفقه الخالة الصالحة معنى حملها أو تعليقها، ولا تقدّم تفسيرًا لها، فقط تقول لنا: "توارثنا الأمر عن الجدات وعن الكبار الذين أخبرونا عن "الصفيحة" وفائدتها لدرء العين الحاسدة".

المجتمع التونسي كغيره من المجتمعات الأخرى، مازال فيه من يؤمن بالخرافة لأنها تحميه وفق اعتقاده من عين الحسد والمس والنحس، ولأنّه لا شيء يكذب روايات الأجداد، بل يرى هؤلاء أن التجربة تؤكد أن الاعتقاد بتلك الأشياء يطرد الحسد ويذهب النحس ويحصّن الجسد.

اقرأ/ي أيضًا: "حِدّي"، "معيوفة" و"عَبْشَة": أسماء تمنع الموت حسب البعض؟

"الخُمسة" لا تغيب عن الدار

"خمسة وخميس عليك" كلمة تتردد عند الدعاء لإبعاد العين والحسد عن شخص ما، ولا أحد يفسّر ارتباط رقم خمسة بطرد النحس، في الوقت الذي تعتبر فيه "الخُمسة" من أشهر ما تتبرك به الجدات التونسيات في كلّ الجهات.

وهي عبارة عن كفّ متلاصقة الأصابع تصنع من الذهب أو الفضة أو النحاس أو العاج، تُعلّق غالبًا في الرقبة، وتشتهر" الخُمسة" في الديانتين الإسلاميّة واليهوديّة كما تنتشر في أغلب المناطق العربية، وتسمّى في بعض المجتمعات بـ"يد فاطمة" نسبة إلى فاطمة الزهراء ابنة الرسول صلى الله عليم وسلم، لذا لا تغيب الخُمسة عن أغلب البيوت العربية بما فيها التونسية.

لا تغيب "الخُمسة" عن البيت في تونس لإبعاد العين والحسد وتتبرّك بها الجدات في كل الجهات

و"الخُمسة" تعتبر من أشهر الحلي التونسي تجدها في رقاب معظم جداتنا ولا تغيب عن أي محلّ حلي في أي منطقة كانت، ومازالت إلى اليوم تتزين به الفتاة التونسية.

يقول البعض إنّها فقط مجرّد نوع من الإكسسوار الذي يزين المرأة وتحتل فقط رمزية جمالية، في حين يعتقد البعض أنها تعتبر من أشهر التمائم التي يجب أن تعلّق في الرقبة لتكون في مرمى البصر ولتردّ كيد الحاسدين.

تقول الخالة خديجة السعيداني (71 سنة) إنها لا تؤمن بأي شيء من المعتقدات الأخرى، فقط وحدها الخمسة هي من تدفع العين والحسد، وفق اعتقادها، وهي تعني بالنسبة لها أركان الإسلام الخمسة ولا تفسرها سوى بذلك.

وتضيف محدثتنا أنّ "الخمسة" تعلّق أيضًا في البيوت أو توضع قرب الطفل حديث الولادة، وتكون غالبًا من الفضة لارتباط الفضة أيضًا بطرد الحسد والعين، "فهي شيء نتبرك به منذ صغرنا لذا لا تغيب عن أي دار".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"النعوشة" أو "أم الذراري".. طائر الموت في الموروث الشعبي التونسي

"قفة العروس" في سوسة.. سلة الاحتفالية والجمال والتحصين من الشرور