"هاو خرج... تنجّم تجي أمّولة" (لقد خرج... بإمكانك القدوم أمّولة). كانت الساعة الثانية واثنين وخمسين دقيقة عندما اتّصلت بي عائشة. أخبرتها أنّني في الشارع فعلًا أنتظر سيارة تاكسي. بعد حوالي عشر دقائق، كنت في محلّ الحلاقة أسفل البيت. الحلاّقة هي أخت زوج عائشة، ومحلها هو المعبر "السرّي" للنساء اللواتي يقصدن هذه الأخيرة لإزالة الشعر. وأنا أصعد الدرج الغارق في الظلام نحو الشقة تناهى إلى مسمعي صوت رجل. خشيت أن يكون زوج عائشة قد عاد فأسرعت بالنزول مجدّدًا إلى المحل لأستعين بـ"هادية" الحجّامة (اسم مستعار). نادت هذه الأخيرة عائشة وهي تطلّ برأسها من الباب الفاصل بين محلّ الحلاقة والدّرج: "يا عايشة.... عندك ضيفة...تطلعلك؟" (يا عائشة، لديك ضيفة؟ هل يمكنها أن تصعد؟) وجاء الصوت من الأعلى: "أمّولة؟؟ أيه.. أطلع أطلع" (أمّولة؟ نعم.. اصعدي، اصعدي). كان إنذارًا خاطئًا. لم يكن الرجل الذي سمعت صوته زوج عائشة بل شقيقه.
عائشة، اسم مستعار لسيّدة تونسية من حيّ التضامن تشارف الخمسين من العمر وتعمل دون علم زوجها في البيوت وفي إزالة الشعر بـ"السكّر" لتأمين حاجيات طفليها وتسديد ديون زوجها.
لم تولد عائشة وفي فمها ملعقة من الفضّة ولا حتّى من الـ"سكّر" لكنها وظفت هذا الأخير لكسب قوتها وإعالة أبنائها
اقرأ/ي أيضًا: حي هلال في تونس.. لا يزال للأمل مكان
تحت ضوء غرفة الاستقبال، تمكّنت أخيرًا من رؤية مضيّفتي. كانت ترتدي مبذلًا ورديًّا وتغطّي شعرها دون رقبتها بوشاح بنّي. قبّلتني عائشة وأشارت إلي بالدخول إلى غرفة نوم الأطفال. كانت الغرفة دون تسخين وبلور النافذة المهشّم يسمح بدخول تيارات هوائية باردة. أدركت أنني سأصاب بنزلة برد لا محالة، ولكنّ إغراء الكتابة عن هذه السيدة كان أهم في نظري.
كان يصلني صوت حركات عائشة داخل المطبخ. كانت ولا ريب تسخّن عجينة إزالة الشعر "السكّر". سمعتها تحرّك العجينة في الكسرولة وتقول شيئًا لابنتها "هدى" (اسم مستعار) عن مطريّتي التي تركتها عند الباب. أعتقد أنّها طلبت منها وضعها في الشرفة.
سألتني عائشة وقد أقبلت عليّ حاملة كسرولة "السكّر" على طبق مع قطعة ليمون :"نبدالك بايديك ولاّ ساقيك"؟ (هل أبدأ بيديك أم ساقيك؟) أجبتها ضاحكة :" نبداو بيك السّاعة" (لنبدأ بك أنت أوّلًا). عندما أخبرت عائشة عبر الهاتف قبل بضعة أيّام عن نيّتي كتابة قصّتها كنت أخشى أن ترفض. هي التي تربّي طفلين في حيّ شعبي كان من الممكن أن تخاف ردّة فعل زوجها أو عائلته إن علموا بالأمر. لكنّها أجابتني بكلّ هدوء :"تحبّ تكتب؟؟ اكتب خلّي الناس يشوفو النّساء فاش تعاني" (تريدين أن تكتبي؟ أكتبي ليعلم الناس ماذا تعاني النساء).
لم تولد عائشة وفي فمها ملعقة من الفضّة ولا حتّى من الـ"سكّر". فتحت عينيها في أحد أرياف "عين دراهم". وقبل أن تعرف معنى الطفولة العذبة بين أحضان الطبيعة بدأت رحلة عذاباتها المبكّرة بين "خيشة المسحان" (ممسحة) و"السّطل".
ففي سن التاسعة، وجدت نفسها تعمل في بيت عائلة في العاصمة مقابل 60 دينارًا. كان ذلك الأجر في تلك الفترة يعدّ دخلًا هامًا لا للصّغيرة التي حرمت من المدرسة بل لوالدها عامل الحضيرة. أرسل الأب طفلتيه، 8 و9 سنوات، إلى تونس للعمل في البيوت وبقي الإخوة والأخوات الخمسة الآخرون في "عين دراهم". طيلة عشرات السنين، ستتنقّل "عائشة" بين المدن والعائلات لتؤمّن حاجيات أسرتها.
"خويا الكبير كان كي يلقى زيادة في الخلاص ينقّلني. ما يهمّوش أنا استانست بالعائلة هذيكا ولاّ تعلّقت بيها ولاّ حاجة" (كان أخي الكبير إذا وجد لي عملا بأجر أكثر ينقلني إلى عائلة أخرى. لم يكن يهتمّ ما إذا كنت تعوّدت على تلك العائلة أو تعلّقت بها". تسترجع عائشة ذكريات الطفولة والصّبا، فيما يداها السّمراوتان المجعّدتان تعالجان عجينة 'السكّر" حتى تلين. حركاتها سريعة مضبوطة بحكم العادة. لا تتوقّف عن الحديث ولا عن الحركة. فالوقت عندها ثمين، هي التي تسرقه سرقة كي تجني قوت يومها.
تزوّجت عائشة ابن خالها الذّي يصغرها بثلاثة سنوات وأنجبت منه بنتًا وولدًا يدرسان في التاسعة أساسي والسادسة ابتدائي على التّوالي. "كنت أحبّه كثيرًا ومع ذلك خانني ونحن مخطوبان"، تهمس في حسرة قبل أن تستدرك "بل وبعد زواجنا أيضًا. لقد فاجأته مرّة بالجرم المشهود وأنا أحمل بين ذراعيّ طفلتي الوليدة".
ليست الخيانة وحدها ما كسر ظهر "عائشة" بل الإهمال. إثر الزواج، طالبها زوجها بالتوقّف عن العمل والمكوث في البيت. كانت في ذلك الوقت تعمل في مشرب إحدى المستشفيات العمومية تنظّف المكان وتغسل أوعية الطبخ لقاء 150 دينارًا. لم تكن تتمتّع بعقد عمل ولا بالتغطية الاجتماعية وظنّت بتوقيعها عقد الزواج ممّن تحب أنّها تضع حدًّا لـ"مأساتها".
كان الجوّ ممطرًا في الخارج والهواء البارد يتسلّل عبر النافذة المهشّمة. لكنّني نسيت خشيتي على نفسي وفكّرت في الطفلين. هل ينامان تحت هذا الشبّاك حقًا كلّ ليلة؟ وهل تدرس "هدى" فعلًا على هذا المكتب المقابل للنافذة المهشّمة؟
يعمل زوج عائشة في مخبزة أخيه ويتولّى مهمّة توزيع الخبز على الدكاكين والمطاعم. وتؤكّد محدّثتي أنه يحقق مدخولًا يفوق التّسعين دينارًا كلّ يوم، "صحيح أنّه مازال يسدّد ثمن سيارة العمل التي اشتراها له أخوه، لكنّنا لا نعيش في بيت على وجه الكراء. فقط فاتورتا الماء والكهرباء ما يسدّده كلّ فترة أمّا باقي أجره فيذهب في ملذّاته الشخصية وخاصّة الكحول".
عائشة تقاوم مرارة الواقع بحلاوة السكر (Getty)
بعد الانتقال إلى البيت الجديد وأمام تنامي حاجيات طفليها.. وجدت عائشة نفسها مضطرّة للعمل مجدّدًا في البيوت
اقرأ/ي أيضًا: الأحياء الشعبية التونسية: على هامش الدولة (1/2)
بعد قضائها عدة سنوات في بيت حماتها، أصرّت عائشة على الخروج للاستقلال بعائلتها. "كانت تتدخّل في تربية طفليّ ولا تسمح لي باستقبال الفتيات والنساء في البيت لأزيل لهنّ الشعر الزائد وأجني بعض القوت". تقول شارحة قبل أن تضيف "لقد تسبّبت تصرّفات حماتي في إصابتي بحالة اكتئاب حادّة. وبعد عدّة محاولات لإقناع زوجي الّذي كان رافضًا مغادرة بيت أبيه، أعطانا سلفي هذه الشقة لنقيم فيها دون مقابل".
بعد الانتقال إلى البيت الجديد، قبل 3 سنوات، وأمام تنامي حاجيات طفليها، وجدت عائشة نفسها مضطرّة للعمل مجدّدًا في البيوت. "لم أخبر زوجي لأنه كان سيمنعني حتمًا". هي التي عملت أكثر من 20 عامًا في بيوت عديدة في العاصمة وسوسة وصفاقس، وجدت عائشة نفسها في سنّ الأربعين تعمل خفية في أحد البيوت في حيّ مجاور.
كلّ يوم ما عدا الخميس، الراحة الأسبوعية لزوجها، كانت عائشة تغادر بيتها على الساعة التاسعة صباحًا نحو بيت مشغّلتها العجوز، على أن تعود قبل الواحدة ظهرًا موعد قدوم زوجها لتناول الغداء. كلّ مساء، كانت تعدّ وجبة غداء الغد كي لا ينكشف أمرها إذا تأخّرت يومًا في العودة. بقي الأمر على تلك الحال فترة حتى بدأ الزوج في التذمّر من مصاريف البيت ودراسة الأبناء فأقنعته بالسّماح لها بالخروج إلى العمل. وافق زوجها على مضض وبدأت تذهب إلى بيت مشغّلتها دون خوف هذه المرّة.
حي التضامن أحد الأحياء الفقيرة في حزام العاصمة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)
لكنّ علم زوجها بعملها فتح في حياة عائشة فصلًا جديدًا من المعاناة. "دوب ما بدا في بالو إلّي خرجت نخدم وهو قصّ المصروف على الدّار" (بمجرد علمه بخروجي إلى العمل توقّف زوجي عن إعطائي مصروف البيت). بل وأصبح يستدين منها المال. "هاو عشرين، هاو خمسين، هاو تسعين دينار. بربي كان موش المرا الي نخدم عندها نشالله ربي يباركلها تزيدني مرة 50 ولا تعطيني حويجة تقلّي اشري بيها حاجة لاولادك، آش يقعدلي منهم الميتين دينار؟" (مرّة يستدين عشرين دينارًا وأخرى خمسينًا أو تسعين دينارًا. لو لم تكن السيدة التي أعمل عندها، بارك الله فيها، تزيدني أحيانا 50 دينارًا في أجري أو تمنحني بعض المال للأولاد، لما بقي لي من المائتي دينار شيء).
ولم تكن عائشة تقول "لا" خشية أن يطالبها زوجها مجدّدًا بترك العمل. غير أنّ مرض ابنها العام الماضي اضطرّها إلى ذلك فعلًا. تعرّض الطفل "اسماعيل" (اسم مستعار) إلى اختناق بالغاز كاد يودي بحياته. عندها قرّرت الأم المكوث في البيت والاعتناء بطفليها مقابل التزام الأب بتأمين أجر الدروس الخصوصية، إذ تقول "أنا ما نقراش وهو ما يسئلش جملة على قرايتهم. لازم إيتود بش وليداتي ما يضيعوش في قرايتهم". (أنا أمّية وزوجي لا يهتمّ بتعليم الأبناء ممّا يجعل الدروس الخصوصية ضرورية لطفليّ).
تعالج عائشة قطعة أخرى من "السكّر" بيديها قبل فردها على ساقي اليسرى، وتقول متحسّرة "لكن زوجي للأسف لم يلتزم بوعده". فقد توقّف عن تسديد أجر الدروس الخصوصية بعد بضعة أشهر فقط وتنصّل من إرجاع مبلغ مائتي دينار كانت مشغّلتي أقرضتني إيّاه من أجله".
قبل خمسة أشهر تقريبًا، تلقّيت اتّصالًا هاتفيًا من إحدى صديقاتي: "أمل، هل مازلت تتردّدين على مركز التجميل لإزالة الشعر؟" وقبل أن أنهي ردّي الّذي بدأته ب"أيه.." (نعم)، أردفت صديقتي قائلة "فمّة مرا قالولي عليها في حيّ التضامن. مرا باهية وزوّالية وتخدم في دارها بالسّرقة على راجلها. أنا مشيتلها ونقّاتلي بثلاثين دينار. بربّي مش هي أولى بالفلوس من هاك المراكز الي مستغنين بطبيعتهم؟" (أخبروني أنّ هناك سيدة في حي التضامن. إمرأة طيبة وقليلة ذات اليد وتعمل في البيت دون علم زوجها. لقد ذهبت إليها بالفعل وأزالت لي الشعر الزائد بثلاثين دينارًا. بالله عليك، أليست هي أجدر بالمال من تلك المراكز التي تحقق أرباحًا طائلة بطبعها؟).
عائشة (سيدة تونسية): زوجي لا يتوانى عن الحطّ من معنويات الطفلين.. يقول لإسماعيل إنّه سيكبر ليصبح عاطلًا عن العمل في أحسن الأحوال وسارقًا في أسوئها
اقرأ/ي أيضًا: "تشليط"، كي وممارسات أخرى.. رعب أطفال تونس
لم أكن بحاجة إلى كثير من الإقناع. كانت عائشة في ذلك الوقت تستعين بأخت زوجها لتأمين قدوم الحريفات. فقد تراكمت الديون تجاه معلّمة الدروس الخصوصية والمشغّلة العجوز. ويبدو أنّ الزوج الّذي ينفق مئات الدنانير في رحلاته مع أصدقائه إلى طبرقة والمهدية قد نسي تمامًا وجود زوجة وطفلين في ذمّته.
"هو لا يقوم فقط بالتنصّل من مصاريف البيت، بل إنّه لا يتوانى عن الحطّ من معنويات الطفلين. يقول لإسماعيل إنّه سيكبر ليصبح عاطلًا عن العمل في أحسن الأحوال وسارقًا في أسوئها. ويهين هدى بالتشكيك في قدرتها على أن تصبح أستاذة أو طبيبة رغم أنها ناجحة بالفعل في دراستها".
حاولت عائشة كثيرًا التأثير على زوجها ليغيّر من سلوكه تجاه الطفلين، لكن دون جدوى. أمّا عن علاقتهما الشخصية فتقول "إنّه يهينني دائمًا على مرأى ومسمع من الطفلين. يصفني بالأمّ السيّئة وبالمجنونة"، وتردف شارحة "لقد شككت في نفسي حقًا وذهبت إلى الطبيبة النفسية في المستوصف القريب. قالت لي الطبيبة إنّني بخير وأنه يحاول إقناعي بعكس ذلك كي يغطّي على تقصيره".
ماعادت عائشة تهتمّ، أو هكذا تدّعي. أصبحت تتجاهل عودة زوجها مترنّحًا في ساعة متأخرة من الليل وإهماله لها ولطفليها خلال ساعات النهار. لكنّها لا تخفي ألمها عندما تحدّثني عن قصّة أسنانها. "فمّي كلّو تضرب. قعدت شهور ما نذوقش طعم النوم مالوجيعة. وين نقلّو أعطيني خلّي نمشي نعدّي يقلّي عندي أسّيرانس الكرهبة ولاّ خلاص الصانع. كان موش من صاحبتي راو فمي كلّو طاح". (تسوّست معظم أسناني. بقيت لأشهر عاجزة عن النوم ليلًا بسبب الأوجاع. وكلّما طلبت من زوجي أن يعطيني مالًا لأذهب إلى طبيب الأسنان يتعلّل بدفعة تأمين السيارة أو خلاص أجر صبيّ المخبزة".
تعهّدت صديقة عائشة بالتكفّل بأجرة الطبيب كاملة. قالت لها حرفيًّا "سأطلب قرضًا من "إندا" (مؤسسة قروض صغرى) إن لزم الأمر، المهمّ أن تعالجي أسنانك". ليست صديقة عائشة سيدة موظّفة أو ميسورة الحال، بل هي عاملة نظافة غير مرسّمة في مدرسة ابتدائية قريبة.
عندما جرحت يد عائشة قبل عام وأجرت عليها عمليتين جراحيتين في مستشفى "القصّاب"، قامت أخت زوجها الحلاّقة بسداد مستحقّات المستشفى. أمّا الدواء الذي كلّفها قرابة المائتي دينارًا فقد تكفّلت بشرائه مشغّلتها العجوز. وها أنّ أسنانها تستوجب المعالجة فلا تجد غير صديقتها "الفقيرة" لمساعدتها. "زوجي لا يهتمّ بعلاجي ولا يسألني من أين لي بالمال حتّى"، تشرح عائشة متحسّرة وتضيف "أمّا إخوتي وأخواتي الّذين أفنيت طفولتي وشبابي في العمل لأجلهم فلا أحد منهم يكلّف نفسه حتّى عناء السؤال عنّي بالهاتف".
تركت عائشة تجترّ مرارة تنكّر الزوج والأهل وذهبت للاغتسال. عند خروجي، كانت قد أعدّت لي قهوة سوداء ساخنة. شربتها على عجل ووضعت 35 دينارًا في جيب مبذلها. في المرّات التي زرتها فيها، لا أذكر يومًا أنّ عائشة طلبت منّي مبلغًا معيّنًا. كانت دائمًا تقول "إلّي كتب ربّي ميسالش" (ما كتبه الله مرحّب به).
لا أذكر يومًا أنّ عائشة طلبت منّي مبلغًا معيّنًا. كانت دائمًا تقول "إلّي كتب ربّي ميسالش" (ما كتبه الله مرحّب به)
توجّهنا معًا إلى الشرفة لآخذ مطريّتي فأشارت عليّ بالتطلّع خارجها. "أنظري هناك، الرجال يعاقرون الخمر في هذه الساعة المبكّرة من المساء ويتعاطون الزّطلة. أمّا زوجاتهم فهنّ يعملن." تناهت إلى مسمعي فعلًا أصوات رجال يتحدّثون ويضحكون بصوت عال في الكوخ المتداعي المغطّى بمشمع أبيض متّسخ. أضافت عائشة "عندما تحدّثني النسوة في المدرسة عن حياتهنّ أشعر أنّني في جنّة مقارنة بهنّ. إنّهن بائسات وبعضهنّ يضطررن لامتهان الدّعارة".
تقول عائشة إنّها لا تعترف بغير العمل اللائق موردًا للرزق حتّى وإن كان دون علم زوجها، "لقد بدأت أعمل في سنّ التاسعة واعتدت أن أصرف على والديّ وإخوتي أوّلا ثمّ على عائلتي لاحقًا".
رغم بلوغها سن السابعة والأربعين، عادت "عائشة" قبل أسبوع للعمل عند مشغّلتها العجوز في الحي المجاور. لا يعلم زوجها بعد بالأمر ولا تنوي إخباره قبل تسديد ديونها تجاه أستاذة الدروس الخصوصية والمشغّلة. وبين "سطل المسحان" صباحًا و"سكّر النقا" مساء، تواصل عائشة تحصيل قوت يومها مرفوعة الرّأس.
سألتها عند الباب :"أي الأسماء المستعارة تريدين أن أستخدم في قصّتي عنك؟" أجابتني دون تردّد: "عائشة". هل كانت تدرك أنّها تحمل من اسمها المستعار الشيء الكثير؟ هي امرأة تخلق فسحة أمل وسط ضيق العيش.
اقرأ/ي أيضًا: