مع اقتراب موعد الاستفتاء على مشروع الدستور المقرر يوم 25 جويلية/يوليو الجاري، تواترت الخلافات صلب هيئة الانتخابات المكلفة بالتحضير لهذا الاستحقاق الانتخابي والتي قام الرئيس التونسي قيس سعيّد بتعيين أعضائها منذ فترة قصيرة بمقتضى أمر رئاسي.
تواترت الخلافات صلب هيئة الانتخابات المكلفة بالتحضير للاستفتاء وبلغت حد مطالبة أعضاء من الهيئة بإقالة العضو سامي بن سلامة
خلافات الهيئة انطلقت منذ جلستها الأولى، المنعقدة بتاريخ 18 ماي/أيار 2022، والتي شهدت نقاشات حادة بين رئيس الهيئة فاروق بوعسكر والعضو سامي بن سلامة، الذي أعرب عن اعتراضه على طريقة تسيير الجلسة وانتقد مرسوم تنقيح قانون هيئة الانتخابات. وقد التقى رئيس الجمهورية على إثر الخلافات المذكورة برئيس هيئة الانتخابات للوقوف على الاستعدادات الجارية لتنظيم الاستفتاء.
- خلافات طفت على السطح
الصراع صلب هيئة الانتخابات طفى للعلن بعد أن بلغت الخلافات ذروتها بين أعضاء الهيئة وتوجيه بن سلامة اتهامات لزملائه بالسعي إلى إفشال الاستفتاء، مشككًا في استقلاليتهم عن الانتماءات الحزبية. كما بيّن بن سلامة، في تدوينات له، أنه "تم التنكيل به والدفع نحو تقديمه لاستقالته"، وفقه.
عضو الهيئة سامي بن سلامة شكك في استقلالية زملائه معتبرًا أن هناك محاولات لدفعه نحو الاستقالة
وقد دفعت تصريحات سامي بن سلامة بأعضاء الهيئة لرفع طلب لرئيس الجمهورية بإعفائه من منصبه علمًا وأن الهيئة سبق وأن شهدت استقالة أحد أعضائها وهو القاضي الحبيب الربعي. خلافات أثارت مخاوف المتابعين للشأن الانتخابي من تأثيرها على سير عمل الهيئة.
وقد أكد عضو هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري أن الهيئة جاهزة على جميع المستويات لإنجاح الاستفتاء، معتبرًا أن الاتهامات التي يوجهها سامي بن سلامة لا أساس لها من الصحة وأن كل قرارات الهيئة يتم اتخاذها في كنف الشفافية وأن المجلس يعمل بطريقة عادية وحرفية، وفقه.
محمد التليلي المنصري لـ"الترا تونس": "قرار يخص العضو بن سلامة بتفعيل الفصل 15 من قانون هيئة الانتخابات على ضوء تقرير يرفع إلى الرئاسة للنظر فيه تبعًا للإخلال بواجب التحفظ والاستقلالية"
وأفاد المنصري في حديثه لالترا تونس أن "مجلس الهيئة اتخذ قرارًا بخصوص العضو بن سلامة بتفعيل الفصل 15 من قانون هيئة الانتخابات على ضوء تقرير يرفع إلى رئاسة الجمهورية للنظر فيه تبعًا للإخلال بواجب التحفظ والاستقلالية".
وينص الفصل الخامس عشر على أنه "يرفع مقترح الإعفاء من قبل رئيس الهيئة أو من خمسة أعضاء على الأقل بناء على تقرير معلل وبعد تمكين المعني بالأمر من حق الدفاع.. ويرفع مقترح الهيئة إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ قرار الإعفاء من عدمه". وتعليقًا على الخلافات صلب الهيئة قال المنصري "حقيقة ليست هناك خلافات الأمر يشمل عضوًا فقط لم يحترم واجب التحفظ".
في المقابل، انتقد عضو هيئة الانتخابات السابق زكي الرحموني ما يحدث صلب الهيئة الحالية من خلافات أساسية وطلب إعفاء أحد الأعضاء، معتبرًا أنه عوض أن تركز الهيئة على الجوانب العملية للإعداد للاستفتاء وأهمها التشجيع على المشاركة وتغيير مراكز الاقتراع، كانت أولويتهم إقالة أحد الأعضاء، متسائلاً هل أن رئيس الهيئة وأعضاءها يسعون لإنجاح الاستفتاء أم إفشاله؟.
عضو هيئة الانتخابات السابق زكي الرحموني: هل رئيس هيئة الانتخابات وأعضاؤها يسعون لإنجاح الاستفتاء أم إفشاله؟
وشدد الرحموني، في تصريح لإذاعة محلية، على أن ما يحدث من شأنه أن يعقد مهمة الهيئة خاصة وأن الاستفتاء سيجرى في غضون أسبوعين تقريبًا داعيًا إلى توظيف المسائل الخلافية إيجابيًا.
- انتقادات وشكايات
بالتزامن مع دخول حملة الاستفتاء على مشروع الدستور أسبوعها الثاني تواجه هيئة الانتخابات انتقادات لاذعة بلغت حد إيداع شكاوى ضدها من قبل أحزاب ومنظمات مدنية وذلك على خلفية إصدار رئاسة الجمهورية لما أسمتها "مذكرة تفسيرية لمشروع الدستور" المعروض على الاستفتاء بتاريخ 5 جويلية/ يوليو الجاري أي خلال حملة الاستفتاء.
منظمة "أنا يقظ" رفعت شكاية جزائية ضد قيس سعيّد وهيئة الانتخابات على خلفية "المذكّرة التفسيرية" التي نشرتها الرئاسة في مخالفة للقانون
وقد تقدمت منظمة "أنا يقظ" بشكاية جزائية ضد كل من رئيس الجمهورية قيس سعيّد والهيئة العليا المستقلة للانتخابات في شخص رئيسها وممثّلها القانوني فاروق بوعسكر على خلفية "المذكّرة التفسيريّة" التي نشرتها كل من رئاسة الجمهورية وهيئة الانتخابات، معتبرة أن رئيس الجمهورية بنشره هذه الوثيقة يكون قد خالف مقتضيات الفصل 115 مكرر من المرسوم عدد 34 لسنة 2022 بما أنه نشر المذكرة تفسيرية خلال فترة حملة الاستفتاء أي بعد الآجال التي حددها نص المرسوم.
وجاء في الفصل 115 مكرر المذكور أن "الجهة الداعية للاستفتاء تعد مذكرة تفسيرية توضح محتوى النص المعروض على الاستفتاء وأهدافه، ويتم نشرها للعموم قبل بداية حملة الاستفتاء".
واعتبرت المنظمة أن "ما نشره رئيس الجمهورية يعتبر من حيث المضمون خطابًا متعلقًا بالدعوة للاستفتاء بما أنّه نشر خلال فترة حملة الاستفتاء وجاءت فيه دعوة صريحة للتصويت بــ"نعم" لفائدة مشروع نصّ الدستور موضوع الاستفتاء، معتبرة أن دعوة النّاخبين للتصويت بـ"نعم" على نص مشروع الدستور يمثّل مشاركة صريحة في حملة الاستفتاء بما يخالف أحكام 53 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 الذي يحجر توزيع وثائق أو نشر شعارات أو خطابات متعلقة بالدعاية الانتخابية.
بدوره وجه الحزب الدستوري الحر تنبيهًا بواسطة عدل تنفيذ إلى هيئة الانتخابات لمطالبتها بإعلان إلغاء موعد الاستفتاء، معتبرًا أن نص مشروع الدستور المحيّن جديد ومختلف عن سابقه "مما يعني مغالطة الناخبين وخرق الآجال المحددة لنشر النص المزمع تقديمه للاستفتاء". وقد سبق للحزب الدستوري أن تظاهر أمام الهيئة مطالبًا بإيقاف مسار الاستفتاء على الدستور.
أما حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري فقد تقدم بقضية استعجالية أمام القضاء الإداري مطالبًا بإبطال رزنامة الاستفتاء، كما دعا هيئة الانتخابات إلى إلغاء الرزنامة والنأي بنفسها عن "هذا العبث" على حد توصيفه، وكذلك باتخاذ إجراءات ردعية لتجاوزات رئيس الجمهورية.
تقدم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري بقضية استعجالية أمام القضاء الإداري مطالبًا بإبطال رزنامة الاستفتاء
من جهتها، أعلنت الأحزاب المنخرطة في "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء" عن إيداعها لعريضتين في شكل إعلام بجرائم لدى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ممضاة من الأمناء العامين لأحزاب العمال والتيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل والقطب. وتتعلق الشكاية الأولى برئيسة الحكومة نجلاء بودن وكل أعضاء حكومتها "من أجل المشاركة في الانقلاب على الدستور وتبديل هيئة الدولة وتبديد المال العام والإضرار بالإدارة"، وفق نص بيان، أما الشكاية الثانية فتتعلق برئيس وأعضاء هيئة الانتخابات من أجل نفس الجرائم.
وفي تعليقه على الشكاوى المرفوعة ضد الهيئة، اعتبر محمد التليلي المنصري أن التقاضي حق مكفول للجميع والهيئة تحترم القضاء وتحتكم للأحكام القضائية الإدارية والعدلية.
يشار إلى أن هيئة الانتخابات كانت قد أعلنت عن فتح باب تغيير المواقف من مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء تبعًا لجملة التعديلات التي قام بها رئيس الجمهورية عليه.