"بيت الرواية" هو فرادة ثقافية تونسية صرفة، شبيهة بشخصية المثقف التونسي الحر، الشرس في الدفاع عن رأيه وموقفه مما يحدث حوله، الحالم بالتأسيس لأزمنة الإبداع الحقيقية، الحالم بنقل الهامش إلى المركز وكسر سطوة السلطة على المجال الثقافي ونشر الذوق السليم في المجتمع عبر تحرير الفعل الثقافي والمبادرة الإبداعية من كل الأسيجة الناعمة الموجهة والمكبّلة.
بيت الرواية، كان فكرة مكثفة تسكن ذهن الكاتب والروائي التونسي كمال الرياحي، الذي عرف كيف يجسّد فكرة البيت على أرض الواقع في سنة 2018 مستفيدًا من رياح الحرية التي هبت على تونس منذ ثورة 2011 ومستفيد أيضًا من تجربته السردية المختلفة وورشات الكتابة التي كان يديرها بدور الثقافة.
قد تكون فكرة بيت الرواية تخارجت من تلك المقولة الشهيرة في كل بقاع الأرض "نحن في زمن الرواية" وراجت واعتملت في ذهن الكاتب والروائي الحالم وتحولت الى حقيقة فأصبح للروائيين التونسيين بيت فسيح بلا ضفاف يأوي الجميع ومنحته الدولة التونسية مقرًّا أنيقًا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة ليكون بذلك بيت الرواية هو آخر مؤسسة ثقافية وطنية أنشأتها وزارة الثقافة التونسية وألحقتها إداريًا بالقصر السعيد، قصر الآداب والفنون.
هذا "البيت" المليء بالأحلام المجنونة للكتاب والروائيين التونسيين والذي عرفت انطلاقته أنشطة نوعية جاذبة للجماهير وأنبأت بعالميته لم تعرف إدارته استقرارًا إلى حدود تعيين الكاتبة والروائية التونسية آمال مختار خلفًا للكاتب الأسعد بن حسين، الذي عرفت إقالته جدلاً واسعًا في الوسط الثقافي التونسي.
"الترا تونس" التقى مديرة بيت الرواية الكاتبة والروائية آمال مختار وخاض معها في ظروف التعيين وراهن البيت ومشروعها الذي ستحاول تنفيذه طيلة توليها هذه المؤسسة الثقافية الوطنية فكانت هذه ردودها:
- لماذا قبلت الروائية آمال مختار بتعيينها مديرة لبيت الرواية وعاصفة إقالة المدير السابق الأسعد بن حسين لم تهدأ بعد، إلى درجة أن هناك من اتهمها بالهرولة والتآمر وعدم التضامن مع الشق الذي يرى في إقالة بن حسين تطاولاً وإهانة للكتّاب التونسيين من قبل سلطة الإشراف؟
لأوضح منذ البداية أن إقالة الكاتب الأسعد بن حسين من إدارة بيت الرواية لم أكن ضالعة فيها بأي شكل من الأشكال وفي اعتقادي الشخصي هو المسؤول الوحيد عن أفعاله أمام الوزارة وأمام أهل بيت الرواية ومتابعيه وأمام التاريخ الثقافي، وقد تساءلت حينها كغيري من الكتّاب عن سبب الإقالة وأبديت تضامني المبدئي معه قبل أن توضح الوزارة فيما بعد أسباب ذلك، ويبدو أن اقتراح تعييني حشرني في هذه العاصفة الوهمية.. فمواقفي واضحة واختياراتي كانت حرة، فأنا ككاتبة تونسية أرى نفسي جديرة بهذا التعيين في هذا المنصب التشريفي، والتزامي الأساسي والأخلاقي هو مع ذاتي ففي اللحظة التي أشعر فيها أني قد عجزت عن القيام بدوري سأنسحب بكل نبل ورقي.
آمال مختار: إقالة الكاتب الأسعد بن حسين من إدارة بيت الرواية لم أكن ضالعة فيها بأي شكل من الأشكال
أما عن قبولي الفوري بإدارة بيت الرواية والذي أجج صفحات مواقع التواصل فأود أن أشير للرأي العام أني لست غريبة عن هذه المؤسسة فقد كنت من مساندي فكرة إنشاء بيت الرواية وكنت ضمن هيئتها الاستشارية الأولى في فترة إدارة الكاتب كمال الرياحي وكنت حريصة على متابعة أغلب أنشطته.
كما احتفى بيت الرواية بتجربتي السردية في أكثر من مناسبة، أضف إلى ذلك أني كاتبة وروائية تونسية لها تجربة محترمة أثمرت أكثر من 10 كتب بين رواية وقصة ولي مشاركات في عشرات التظاهرات والملتقيات العربية والعالمية حيث مثلّت تونس والكتّاب التونسيين أحسن تمثيل، كما أن حرصي على الإضافة وتنفيذ جملة من المشاريع هو ما جعلني أقبل بإدارة بيت الرواية.
- هناك من اعترض على توليك إدارة بيت الرواية وهم عديدون، فقط لأنك امرأة، كيف نظرت إلى هذه المواقف؟
نعم.. لقد كان ذلك صحيحًا، وقد تابعت ردود الأفعال على شبكات التواصل الاجتماعي حيث تم انتهاك خصوصياتي وكرامتي كامرأة وكيلت لي التهم التي مست من عرضي وشرفي والغريب أنها أتت من كتّاب وأصحاب أقلام.
وحقيقة لم أستغرب ذلك لأن الذكورية لا تزال طاغية في المجتمع ولا تزال تسكن لا وعينا وذلك رغم ترسانة القوانين التي تحمي المرأة في تونس وهي طافية في الآونة الأخيرة بشكل مرضي مما يدفعنا للبحث والنظر وتوخي الحلول التوعوية اللاّزمة حماية للمجتمع والمكتسبات المدنية التي تحققت. واستغربت من صمت المنظمات وجمعيات المجتمع المدني تجاه ما تعرضت له من سطوة الذكورية على إثر تعييني مديرة لبيت الرواية التونسي.
آمال مختار مديرة بيت الرواية (رمزي العياري/الترا تونس)
- هذه "البيوت"/المؤسسات على غرار بيت الشعر وبيت الفلسفة ودار المسرحي ودار الصحفي ودار الكاتب ودار الخط العربي ودار الفنان التشكيلي ودار الترجمة ودار الجمعيات.. يراها البعض مكرّسة للقطاعية ومفرّقة ومشتتة للمشهد الثقافي ولديها صعوبات جمة، في حين يراها البعض الآخر ضرورية وتكمّل بعضها البعض بل وتؤسس لتمش ثقافي عام منسجم ومثمر.. ما موقفك؟
ما يخدم الثقافة بمختلف أسلاكها وقطاعاتها هو مبدأ "الحرية"، إذ لا ثقافة ولا فنون دون إرادة حرة لأصحابها ودون مناخ عام من الحريات يسود المجتمع، ثم تأتي المؤسسات لتنهض بالأفكار والمشاريع وتعنى بالمبدعين.. أنا مع هذه المؤسسات إن كانت فعلاً تنهض بالأدوار التي من أجلها بعثت.
آمال مختار: لا ثقافة ولا فنون دون إرادة حرة لأصحابها ودون مناخ عام من الحريات يسود المجتمع
- إبان تعيينك مديرة لبيت الرواية صرّحت بأنك بالأساس كاتبة ولديك حزمة المشاريع الإبداعية وجملة من الأفكار الفنية التي ستقدمين على تنفيذها في قادم الأيام، ما هي هذه المشاريع؟
طبعًا، الكاتب مسكون بالخيال والأحلام وهموم مجتمعه ومكانته ودوره كمبدع وكمثقف، وبيت الرواية سيحافظ على ما حققه وأسس له كل من كمال الرياحي والأسعد بن حسين من إنجازات هامة.
ومن جهتي فإن مشاريعي الأساسية تتمثل في فتح البيت للشباب التونسي المبدع عبر موعد موسمي سنتخير موعده وشكله ومضمونه لاحقًا مع فريق العمل، كما سنبعث جملة من اللقاءات الدورية مع الشباب الطلابي والتلمذي الشغوف بالرواية والكتابة الروائية وذلك إيمانًا مني بأن الكثير من الحلول للعديد من المطبّات تكمن بيد الشباب.
المشروع الأساسي الثاني يتمثل في الانفتاح على كتّاب الرواية بالجهات سواء عبر التنقل إليهم أو استضافاتهم بأروقة البيت وذلك من أجل كسر المركزية.
آمال مختار: سنفتح بيت الرواية للشباب التونسي المبدع ونبعث جملة من اللقاءات الدورية مع الشباب الطلابي والتلمذي الشغوف بالرواية والكتابة الروائية
المشروع الثالث ويتمثل في الانفتاح بجدية على باقي القطاعات الثقافية والفنية كالسينما والفنون التشكيلية والمسرح والرقص، لأن الرواية هي الفن الجامع والمنفتح على كل الاختصاصات الإبداعية وربما ستكون هناك ندوات ولقاءات مشتركة.
أود أن أشير إلى أن بيت الرواية هو بيت كل الروائيين التونسيين وهو مفتوح على كل الاقتراحات الجادة والتي من شأنها أن تحقق الإضافة، وصفحتنا على فيسبوك مفتوحة للجميع لتلقي الأفكار كما سنخصص قريبًا صفحة على شبكة انستغرام لنفس الغرض.
- هل ستكون هناك شراكات وانفتاح خارجي؟
طبعًا، قبل الشراكات الخارجية هناك شراكات تونسية ستكون بالأساس مع مؤسسات رسمية على غرار وزارة المرأة والأسرة ووزارة التربية والشباب ووزارة التعليم العالي، كما ستكون لنا اتصالات مع اتحاد الكتاب التونسيين والنقابات المستقلة والمجتمع المدني الذي يشتغل على حقول الكتابة السردية والرواية أساسًا.
آمال مختار: بيت الرواية تلقّى العديد من الدعوات الخارجية من أجل التشبيك والتواصل الثقافي من عدة دول شقيقة وصديقة على غرار إسبانيا وقطر وفلسطين وفرنسا
أمّا بخصوص الشراكات الخارجية فإن بيت الرواية التونسي تلقّى العديد من الدعوات الخارجية من أجل التشبيك والتواصل الثقافي من عدة دول شقيقة وصديقة على غرار إسبانيا وقطر وفلسطين وفرنسا ويبدو أن هناك نوايا جادة من مؤسسة كتارا القطرية و"أليكانتي" الإسبانية في إقامة شراكات مثمرة تهم الرواية التونسية وسنناقش كل هذه الاقتراحات مع فريق البيت وهيئته الاستشارية الموسعة.
- ما هي الصعوبات التي تعترض بيت الرواية التونسي الآن ولا بدّ من حلّها عاجلاً؟
بيت الرواية له فريق إداري ممتاز ومحترف وله قدرات تواصلية رائعة، لكن ليس له قانون أساسي وليس له الاستقلالية المالية الضرورية وهو ملحق بإدارة الفنون والآداب بالقصر السعيد، وفي اعتقادي أن ذلك يشكّل صعوبات عديدة أمام تنفيذ الأفكار والمشاريع والتسيير اليومي لشؤون البيت، وقد ناقشت ذلك مع وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي وثمة وعود جادة لاستقلالية بيت الرواية إداريًا وماديًا وسيكون ذلك مع بداية السنة الثقافية القادمة.
مراسل ألترا تونس مع مديرة بيت الرواية خلال إجراء المقابلة