حوادث عديدة طفت على السّطح في الفترة الأخيرة لتنذر بأن شيئًا ما ليس على ما يرام في مستشفياتنا بالرغم من مكابرتنا بأن المستشفى العمومي والطبيب العمومي هما صمام أمان صحتنا في تونس.
وبعد ماراتون من الندوات والحملات التحسيسية الخاصة بمرض السرطان في تونس التي تبلغ ذروتها سنويًا في شهر أكتوبر/تشرين الأول "الوردي"، اخترنا الحديث مع روضة زروق، رئيسة جمعية مرضى السرطان، وهي مريضة سرطان سابقة حولت قصتها مع المرض إلى قصص نجاح جديدة لمرضى ومريضات وبقعة ضوء في رحلة مؤلمة يبدؤها المريض بـ"فاجعة" اكتشاف المرض ورحلة علاج معقّدة ومكلفة.
روضة زروق رئيسة جمعية مرضى السرطان هي مريضة سرطان سابقة حولت قصتها مع المرض إلى قصص نجاح جديدة لمرضى ومريضات وبقعة ضوء في رحلة مؤلمة مع المرض الخبيث
انطلاقًا من تأسيسها للجمعية المذكورة التي وصل عدد المرضى المنتفعين بخدماتها 3350 مريضًا إلى حد اليوم، جعلت رزوق، التي انتهت تجربتها مع المرض بالتغلب عليه، تواكب كل المنظومة الصحية المتعلقة بمرض السرطان وترصد مواطن الخلل فيها، وكشفت قضايا منها مؤخرًا قضية ضياع الملفات في مستشفى صالح العزيّز، المركز المرجعي في تونس لمراقبة وتشخيص ومعالجة السرطانات، وهو ما جعل وزارة الصحة تتفاعل سريعًا باتخاذ تدابير للحد من المشكلة المثارة من الجمعية. فيما يلي حوارنا معها:
اقرأ/ي أيضًا: معركة البقاء.. تونسيات يواجهن السرطان بين "صالح عزيّز" و"الدار الخضراء"
- كيف تقيمين تطوّر الإصابة بمرض السرطان في تونس؟
للأسف مرض السرطان، بمختلف أنواعه، في انتشار متواصل على مستوى العالم وليس في تونس فقط، والرقم المعلن أكثر بكثير من الرقم الحقيقي لعدد المرضى. ويعود انتشار المرض إلى عدة عوامل منها ما هو جيني، وما هو مرتبط بالتلوث، وأيضًا بالتغذية بالنظر إلى التغييرات المرتبطة بالغذاء من بذور معدّلة جينيًا ومبيدات وغيرها.
- هل تعتقدين بأن هناك وعي وطني وشعبي بخطورة هذا الوضع؟
توجد تدابير متخذة، في هذا الصدد، على مستوى الدولة ولكنها تظل غير كافية.
والمواطن في حد ذاته مدعو إلى الحرص في مواجهة هذا الخطر عبر التخلص من المواد الكيميائية العالقة بالخضر والغلال بطرق آمنة بالإضافة الى التقصي المبكر لأمراض السرطان بالاعتماد على تحاليل متاحة في معهد باستور بالنسبة لأنواع السرطان الوراثية.
روضة زروق: للأسف مرض السرطان، بمختلف أنواعه، في انتشار متواصل على مستوى العالم وليس في تونس فقط وتدابير الدولة غير كافية
ويجب أيضًا إعتماد نمط غذائي متوازن يقطع مع العادات السيئة واختيار الأغذية الآمنة. وفي هذا السياق، تضع الجمعية على ذمة المرضى فريقًا من الأخصائيين في التغذية عبر رقم مباشر كامل الأسبوع تقدم لهم الاستشارات الضرورية.
- ما هي الإشكاليات التي تعترض مريض السرطان حسب الحالات الواردة على الجمعية؟
أبرز الإشكاليات هو أننا في تونس لا يوجد سجل لمرض السرطان وهو ما لا تريد العديد من الجهات الإقرار به، وبالتالي ليس لدينا خطة وطنية لمواجهة هذا المرض.
وسجل مرض السرطان هو أمر في غاية الأهمية لكونه يحدد عدد المرضى، وأنواع السرطان ويضبط تطوره والأدوية الضرورية، وبالتالي يمكّن من وضح خطة وطنية تستجيب لوضعية هذا المرض ومتطلباته. ولا يمكن إنجاز هذه الحطة في ظل غياب إحصائيات دقيقة على النحو الحاصل حاليًا.
روضة زروق: لا يوجد سجل لمرضى السرطان في تونس وهو ما لا تريد العديد من الجهات الإقرار به وبالتالي ليس لدينا خطة وطنية لمواجهة المرض
توجد كذلك مشاكل تتعلق بالاكتظاظ والأعطاب المتكررة في بعض التجهيزات الخاصة التي تعطّل نسق العلاج في مستشفياتنا العمومية، إضافة لمشكل المواعيد البعيدة التي قد لا تمهل مريض السرطان كثيرًا قبل أن تتدهور حالته الصحية.
ولا ننسى أيضًا معضلة الأدوية المفقودة في المستشفيات ولدى صندوق التأمين على المرض، خاصة وأن هذه الأدوية ليست مواكبة للتطورات للتكنولوجيا الطبية مقارنة بما يحدث في العالم. وأذكر على سبيل المثال الأدوية الموجهة التي تعمل على علاج الخلايا المريضة فقط بالنظر إلى تأثيراته على كامل الجسم وعلى الخلايا السليمة.
- كنت تحدثت على هامش المنتدى 12 للجمعية عن وجود أطراف داخل المستشفيات العمومية تتاجر بالملفات الطبية الضائعة، هل يمكن المزيد من التوضيحات؟
نعم، ضياع الملفات مشكلة كبيرة لا يواجهها مرضى السرطان فحسب وإنما هي ظاهرة يمكن أن نقول أنها تشمل كل المستشفيات العمومية، وأنا هنا لا آتي بالتهم جزافًا، وإنما بالنظر إلى تعاملي اليومي مع مرضى يترددون على الجمعية ويستنجدون بنا لحل إشكال أصبح بمثابة خبزنا اليومي في الجمعية منذ انطلاقها قبل تسع سنوات، والأمر ليس سرًا.
روضة زروق: أعتقد أن ضياع الملفات الطبية للمرضى هي أخطر الإشكاليات بالنّظر إلى تأثيراتها الصحية والمادية على المريض وعلى صحته
اقرأ/ي أيضًا: منسّق المرصد التونسي للمياه: الدولة تتجه لخوصصة قطاع المياه (حوار)
أنا اعتقد أن ضياع الملفات الطبية للمرضى هي أخطر الإشكاليات بالنّظر إلى تأثيراتها الصحية والمادية على المريض وعلى صحته، أحيانًا يكون ضياع الملف قبل اجراء المريض للعملية وبعد استكمال الأشعة والتحاليل الضرورية وانتظار مواعيد بالأشهر. ويؤدي غياب الملف الطبي في مرحلة ما لعودة المريض إلى النقطة الصفر، ونحن نعلم أهمية الوقت بالنسبة لمريض السرطان.
مراسلة "ألترا تونس" مع رئيسة جمعية مرضى السرطان روضة زروق
وأريد التأكيد على أن الحديث على مثل هذه الممارسات ليس بالاتهام الكيدي وليست الغاية منه استهداف الأشخاص، وإنما الهدف منه هو الإصلاح من أجل المريض. وفعلًا أتت تصريحاتنا أكلها حيث تم استحداث لجنة خاصة بالبحث عن الملفات الضائعة في مستشفى صالح عزيّز، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح برأيي. ولذلك لا بد دائمًا من كشف حقيقة ما يجري وعدم التستر عن ممارسات قد تكلّف الكثيرين حياتهم.
- ما الذي يجعل مشكل ضياع الملفات الطبية يتواصل في مستشفياتنا منذ مدة؟
أنا أختصر السبب والحل أيضًا في لفظ الحوكمة، يكفي أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب فلابد أن تحكم الإدارة في مؤسساتنا الاستشفائية مع وجود الصرامة والجدية والجدوى. لا بد من رقمنة الملفات، الأمر سيكلفنا الكثير من الوقت والجهد للإدارة والطاقم الطبي والمواطنين ولكنه سينقص العناء عن المريض وخاصة مريض السرطان.
روضة زروق: لا توجد عدالة اجتماعية وجهوية في ملف علاج السرطان والمرضى من الطبقة محدودة الدخل لا يقدرون على توفير التكلفة المرتفعة للعلاج
وأعتقد أيضًا أن غياب المحاسبة هو الذي يشجع على مواصلة الممارسات السلبية التي تضرّ بمستشفياتنا وتضرب أمننا الصحي.
- من خلال تعمالك مع المرضى، هل تعتقدين أنه توجد عدالة اجتماعية وجهوية في ملف علاج السرطان؟
لا توجد عدالة، ارتفاع أسعار العلاج ونقص الأدوية في المستشفيات العمومية كلها عوامل تجعل حظّ ميسوري الحال أوفر للعلاج، حيث بإمكانهم إيجاد البديل حتى في ظلّ التكلفة المرتفعة، وهو ما لا يقدر عليه الجميع وخاصة المرضى من الطبقة محدودة الدخل.
بالنسبة للجهات، إذا كنا نسجل الإشكاليات في مستشفيات العاصمة والمستشفيات الجامعية ليس من الصعب أن نتخيل الوضع في المستشفيات الداخلية، وهو ما يعمق معاناة المرضى وخصوصًا مريض السرطان.
روضة زروق: أوصي كل المرضى وخاصة مرضى السرطان بالتشبث بالأمل وحب الحياة، وأؤكد أنه مرض يمكن التغلب عليه
- هل تم تشريك منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الصحة في الحوار الوطني حول الصحة؟
بخصوص جمعية مرضى السرطان التي أترأسها، تم استدعاءنا في الجلسة الافتتاحية و الاختتامية للجلسات في مشاركة صورية فقط.
وأغتنم الفرصة لدعوة الحكومة القادمة ووزارة الصحة للاستماع الى جمعيتنا وتشريكنا في الحوار من أجل تقديم مقترحاتنا ورؤيتنا في هذا المناخ وخاصة فيما يتعلق بمرض السرطان، حيث نطلع عليه ونعايشه يوميًا منذ 19 عامًا منها 9 سنوات في هذه الجمعية، وهو مكننا من الاطلاع عن كثب عن مواطن الخلل في هذه المنظومة.
- ماهي الرسالة التي تتوجهين بها الى مريض السرطان؟
أوصي كل المرضى وخاصة مرضى السرطان بالتشبث بالأمل وحب الحياة، وأؤكد أنه مرض يمكن التغلب عليه. وأشير إلى أن عمليات التقصي المبكر تصنع الفرق في رحلة العلاج وتسرّع فيه.
اقرأ/ي أيضًا:
انتصرن على السرطان.. حديث عائدات من المرض "الخبيث"
فيلم "بنت القمرة".. عن نساء تحدين المرض وواجهن مجتمعًا لا يرحم