25-نوفمبر-2019

يخطّ العازف حسّان المشايخي مسيرة فنان يؤمن بالموسيقى التونسية ويعشق البحث في تفاصيلها

 

الموسيقى ليست فقط إيقاعًا ولحنًا وطابعًا صوتيًا وهارمونيًا، بل هي بعض من روح العازف وتعبيرة عن دواخله وهواجسه، هي نسيج صوتي فيه بعض من أنفاسه وآهاته، نسيج يتماهى فيه العازف مع آلته الموسيقية حتّى تغدو لهما روح واحدة تتشكّل على وقعها حالة فنّية مدادها الوجد.

هي مسار وتوجّه، جزء من جسد الموسيقي وكينونته، بعض من نبضه وضحكاته وآهاته الحزينة والتنهيدات المبهمة، هي رؤى وتصوّرات، تتغيّر فيها الأصوات وتتبدّل، تتدانى وتتجافى ولا تسكت بل تشكّل في كلّ مرّة لحنًا جديدًا يرسم ملامح أفق سرمدي.

رباط وثيق بين العازف حسّان المشايخي والموسيقى يمدّ جذوره في سنوات الطفولة أين آوت دور الشباب والنوادي الموسيقية في قفصة شغفه

اقرأ/ي أيضًا: فضاء الفنون بالكاف: فلسفة أخرى للفضاءات الثقافية

ولأن لكل موسيقي أسلوب في معانقة أفقه الذي رسمه في خياله ذات حلم، فقد اختار حسان المشايخي الاختلاف ليتطلّع إلى أفق يشبهه، يتفتّح مع كل تجربة جديدة ويشكّل معنى جديدًا لموسيقى تحاكي الأمل، وكانت آلة "الڨوڨي" خليلته في درب عبّده بالصبر.

رباط وثيق بين العازف حسّان المشايخي والموسيقى يمدّ جذوره في سنوات الطفولة أين آوت دور الشباب والنوادي الموسيقية في قفصة شغفه، وشهدت مهرجانات الوسط المدرسي على عشقه للموسيقى، عشق لا يعترف بحدود ولا قيود.

في الرديف من محافظة قفصة، اصطفى محدّثنا الكمنجة من بين الآلات الموسيقية، عانقها وأسند عليها رأسه المفعم بالخيال والحلم، ألف نوتات ملؤها الولع، ولع كان كافيًا لأن يختار دراسة الموسيقى حينما تحصّل على شهادة الباكالوريا والحال أنه خريّج شعبة علمية، ومتحصّل على معدّل يخوّل له دراسة التبنيج، وفق حديثه لـ"ألترا تونس".

"القوقي"  آلة تونسية تجر بالقوس تنتمي إلى عائلة السطمبالي أهملت منذ سنة 1967

وبعد نيل الأستاذية في الموسيقى المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف، واصل حسان المشايخي في درب تعلّم الموسيقى  ليتحصّل على الماجستير من المعهد العالي للموسيقى بتونس حيث تجاوز مرحلة دراسة الموسيقى الغربية أو المقامات الشرقية في علاقة بآلة الكمنجة إلى التفكّر في ماهية الموسيقى، على حدّ تعبيره.

كلما زاد التعمّق في الموسيقولوجيا كلّ ما تبيّن المشايخي طريقه أكثر فأكثر وتوسّعت معارفه وصار يحيا تفاصيل الموسيقى التونسية من سطمبالي وقصبة ومزود

ومرحلة الماجستير، مثّلت بداية مسار جديد لحسان المشايخي، إذ تبدّد الغموض الذي كان يلف بعض النقاط وكان درس الأستاذ زهير قوجة، مجالًا للتمحيص في ماهية الموسيقى وخاصة الموسيقى التونسية التي تم حصرها في أنماط موسيقية دون غيرها.

كلما زاد التعمّق في الموسيقولوجيا، كلّ ما تبيّن المشايخي طريقه أكثر فأكثر، وتوسّعت معارفه وصار يحيا تفاصيل الموسيقى التونسية من سطمبالي وقصبة ومزود ، ولعلّ السطمبالي استأثر ببحثه ذلك أن رفيقه في المسكن محمّد الخشناوي يبحث في هذا النمط الموسيقي، وكان له سندًا في مساره الموسيقي، وفق حديثه.

وفي ذروة الولع بالموسيقى التونسية وخصائصها، وقعت عينا المشايخي على "الڨوڨي"، وهي آلة تونسية تجر بالقوس تنتمي إلى عائلة السطمبالي أهملت منذ سنة 1967، أعاد الدكتور زهير قوجة صنعها، ومن هناك انطلق فصل جديد من مساره الموسيقي.

اقرأ/ي أيضًا: أيّ هويّة لتظاهرة أيام قرطاج للفنّ المعاصر؟

طوّع حسان المشايخي آلة القوقي لعزف مدوّنات أخرى إلى جانب السطمبالي

وفي هذا الفصل، كان كل من زهير قوجة ومحمد الخشناوي سندًا له، فالأول أمدّه بـ"الڨوڨي" وشجّعه على العزف عليه علمًا وأنه الوحيد المتمكّن منها، وأما الثاني فأقحمه في عالم السطمبالي وهو الآن عازف في "دندري"، المشروع الموسيقي الذي ينهل من عالم السطمبالي.

وفيما تغافل عازفون تونسيون عن هذه الآلة، التي انقطع صوتها منذ الستينات ليكون عازف أصيل باجة آخر من يداعب وتريها، انضم حسان المشايخي إلى أستاذه زهير قوجة الذي أحيى هذه الآلة التي يعتقد أهل السطمبالي أنّها تجلب النحس وتنتهي بموت العازف عليها أو فقدان بصره، حسب رواية حسان المشايخي.

وعن خصائص هذه الآلة، يقول محدّثنا إنّها آلة وترية تونسية تجرّ بالقوس، وتحتوي على وترين ويمكن أن تضم وترًا واحدًا مثل ما هو الحال في مالي، وهي ذات خامة حادة وتعزف مدوّنة السطمبالي. ومن فرط ولعه بهذه الآلة، صنعها بنفسه لنفسه وهو لا يتوقّف عند ذلك بل يحاول في كل مرة أن يجرّب أمرًا جديدًا من ذلك أنه استبدل الوتر "التقليدي" بشعرة من ذيل حصان ليكتشف صوتًا مغايرًا، حتّى أنه طوّع الآلة لعزف مدوّنات أخرى إلى جانب السطمبالي.

زاده كثير من الشغف والصبر.. يخطّ العازف حسّان المشايخي مسيرة فنان يؤمن بالموسيقى التونسية

زاده كثير من الشغف والصبر، يخطّ العازف حسّان المشايخي مسيرة فنان يؤمن بالموسيقى التونسية ويعشق البحث في تفاصيلها، ويوظفها بأسلوب لا يطمس خصائصها، وذلك بعد النبش في تاريخها واستيعابها، وهو تبلوره المشاريع الموسيقية التي ترك فيها بصمته.

"دريمبا" لوسيم بن رحومة، و" هوسة" لمحمد بن سلامة، و"دندري" لمحمد الخشناوي، مشاريع موسيقية تعالت فيها أنغام "الڨوڨي"، وغازل فيها القوس الوتر، ليكون هذا الغزل تذكرة عبور إلى موسيقى معتّقة جعل منها محدّثنا اللبنة الأولى لتصوّر فنّي مضى فيه رغم الصعاب.

وغزل القوس للوتر، كان سبيلًا لمشروع موسيقي اختار له محدّثنا اسم " الركروكي"، وهو محاولة لعزف أغان من رصيد آلة القصبة بمنطقة الشريط الحدودي التونسي الجزائري، صاحب فيه "الديدجيريدو" والطبل والباص "الڨوڨي"، وصدح على وقع هذا المزيج صوت محمد صالح عيساوي.

وعن مشاريعه المستقبلية، يقول محدّثنا إنه ماض في بحثه في الموسيقى التونسية بعيدًا عن النزعة التجارية، إذ أنّ علاقته بالموسيقى تقوم على فلسفة أساسها المعرفة والبحث ونبل الهدف، وهو يعتبر أن الطريق المختلف الذي سار فيه يجعله مسؤولًا عن كل خطوة يتخذها وهو حافز له لتحقيق  هدفه في تحرير الموسيقى التونسية من القيود.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

المهرجان الدولي لفنون النحت ضيف سيليوم القصرين

الموروث الشعبي المنسي.. الشعر الغزلي الإباحي في التراث التونسي