أسوة الصغير تبلغ من العمر 12 سنة و4 أشهر تحصلت على شهادة "السيزيام" وانطلقت في أول أسبوع لها بالمدرسة الإعدادية بعوسجة قادمة من منطقة الزواوين التابعة لمعتمدية غار الملح بولاية بنزرت (شمال شرقي)، ولم تكن أسوة ولا أهلها يعلمون أن يوم السبت 21 سبتمبر/أيلول 2024 سيكون آخر يوم في حياتها، بعد أن دهسها جرار فلاحي يقوده شيخ يبلغ حوالي ثمانين عامًا.
أحد أقارب أسوة لـ"الترا تونس": المدرسة الإعدادية بعوسجة تتحمل مسؤولية وفاة أسوة بسبب الإهمال واللامبالاة
حالة من الحزن المشحون بالقهر والغضب تجاوز أبوي أسوة اللذان عجزا عن التصريح والكلام ليشمل كل متساكني المنطقة، لأن وفاة أسوة كارثة حدثت بسبب الإهمال واللامبالاة، ولأن أصواتهم لم تسمع فلطالما حذروا من الكارثة إلى أن وقعت أمام أعينهم، فلا الحسرة تعيد أسوة ولا وفاتها ستكون آخر وفاة على طريق المعهد.
"نحن نحمل المسؤولية أساسًا للمدرسة الإعدادية بعوسجة فالطفلة أسوة وصلت يوم السبت متأخرة بربع ساعة وطلب منها الخروج من المعهد وأن تحضر والدتها لتتسلم بطاقة الدخول"، يقول ضياء الدين الصغير قريبها لـ"الترا تونس".
أسوة لم يسمح لها بانتظار والدتها داخل أسوار المعهد حتى تلتحق بها فخرجت للطريق ودهسها الجرار ودهس معها كل الأحلام
ويضيف: "لم يسمح لها بالبقاء حتى في مرآب السيارات فالإدارة تمنع منذ تأسيس المدرسة بقاء التلاميذ في الساحة أو المرآب في وقت تفتقر فيه المدرسة إلى قاعة للمراجعة ويجبرون على الخروج في منطقة جبلية ريفية معزولة، فالمعهد يقع في جبل وفيه مسلك فلاحي".
أسوة لم يسمح لها بانتظار والدتها داخل أسوار المعهد حتى تلتحق بها لتتحصل على بطاقة الدخول وهي ماتزال طفلة حديثة العهد بالمدرسة الإعدادية، وبالمكان أيضًا، خرجت للطريق ودهسها الجرار ودهس معها كل أحلام أهلها وفرحتهم بابنتهم الطفلة التي نجحت وبدأت رحلة الإعدادي خلال أول أسبوع للعودة المدرسية.
بحرقة وألم شديدين يواصل ضياء الدين حديثه لـ"الترا تونس"، مؤكدًا أنه درس بالإعدادية نفسها منذ 15 سنة خلت وأن الأولياء والتلاميذ يطالبون منذ ذلك الوقت بإنشاء قاعة للمراجعة يدخلها التلاميذ لتحميهم برد وأمطار الشتاء وقيض الصيف وتحميهم أكثر من المخاطر المحيطة بالإعدادية فالتلاميذ يتعرضون أيضًا لسرقة نقودهم وهواتفهم من قبل المنحرفين في وقت تغيب فيه الدوريات الأمنية.
أحد أقارب أسوة لـ"الترا تونس": الأولياء والتلاميذ يطالبون منذ سنوات بإنشاء قاعة للمراجعة تأوي التلاميذ وتحميهم من المخاطر وبرد الشتاء وقيض الصيف
من جانبه يقول قريبها طه الصغير لـ"الترا تونس": "إن الحافلة التي تقل تلاميذ منطقة الزواوين تصل إلى المعهد على الساعة السابعة و15 دقيقة صباحًا بالتوقيت المحلي، ويبقى الأطفال أمام المعهد ولا يسمح لهم بدخول الساحة حتى الساعة الثامنة صباحًا، يبقون في جبل محفوف بالمخاطر من كل الجهات ولا أحد يهتم أو يرأف بحالهم ويفكر في المخاطر التي تعترضهم ويعانون منها بشكل يومي.
ويشير محدثنا إلى أن الحافلة إما أن توصل التلاميذ باكرًا أو أن تليها أخرى توصلهم متأخرين عن موعد الدرس.
ويتساءل: "أي ضرر يمكن أن يحدث للمعهد إذا سمح للتلاميذ بالدخول إلى الساحة أو إحدى القاعات؟ ما ضر لو أن إدارة المعهد سمحت لأسوة بأن تبقى في انتظار والدتها في مكتب القيمين خاصة وأنها ما تزال حديثة العهد بالمكان وبالدراسة في الإعدادية؟".
وبدوره اعتبر المختص في علم الاجتماع وقريب الهالكة لؤي الطرابلسي في حديثه لـ"الترا تونس"، أن "ما حدث جريمة في حق الطفولة والأولياء يرسلون أبناءهم إلى المؤسسات التربوية بمثابة الأمانة والمعهد مسؤول لأنه لم يقدر مخاطر ما قد يحدث".
مختص في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": ما حدث جريمة في حق الطفولة والمعهد مسؤول لأنه لم يقدر حجم المخاطر
ويضيف لؤي: "ما الفائدة من تزيين جدران المعهد وتلوين طاولاته والعناية بأزهاره وتزويقه إذا كان الأطفال الذين يمثلون أساسه مهملون في مسالك فلاحية؟ ما جدوى العناية بالجدران دون الاهتمام بالثروة البشرية؟ هل سيارات الأساتذة والإداريين أهم من التلاميذ؟ فهي محفوظة في مرآب آمن ويمنع دخوله من قبل التلاميذ، ما الذي يمنع من تخصيص قاعة للمراجعة فيها الكتب والقصص للمطالعة والدرس وتحمي التلاميذ من الشارع ومخاطره؟".
ويشدد على أن "التلاميذ يتعرضون منذ سنوات للتهديد من قبل منحرفين، كما أن بعض الفتيات الصغيرات يتعرضن للتحرش من قبل قطاع الطريق الذين يستغلون غياب الأمن وعزلة المكان".
ويطالب الأولياء الذين عبروا لـ"الترا تونس" عن حزنهم وخوفهم من أن يلقى فلذات أكبادهم مصير أسوة، بأن يتم وبصفة عاجلة توفير قاعة مراجعة للتلاميذ تحميهم من الشارع وأن يسمح للأطفال الذين تأتي بهم الحافلة باكرًا بالبقاء داخل هذه القاعة حتى الساعة الثامنة صباحًا.
وأكد المتساكنون أن "الحافلة التي تقل التلاميذ باكرًا إلى المعهد، لا تعود بهم إلى بيوتهم إلا في وقت متأخر"، داعين إلى إنشاء مدرسة إعدادية في منطقة الزواوين معتبرين أنها ستكون حلاً جذريًا للمشاكل التي يواجهها تلاميذ المنطقة.
كما أفادوا بأنهم تولوا تحرير عريضة سيتوجهون بها إلى الرئيس التونسي ووزير التربية للنظر في وضعية أطفالهم التلاميذ المعرضين للمخاطر منذ تأسيس المدرسة قبل ثلاثين عامًا، خاصة وأن صوتهم لم يُسمع على مدى كل هذه السنوات، وفقهم.