الترا تونس-فريق التحرير
عديدة هي الظواهر التي باتت تؤرق السلطات في تونس وتشكل مصدر قلق لمنظمات المجتمع المدني بسبب ارتفاعها اللافت سنة تلوى الأخرى، مثل ارتفاع ظاهرة الهجرة غير النظامية وتنامي ظواهر العنف والانتحار في صفوف الشباب خصوصًا.
وبينما تقر السلط الرسمية بتنامي هذه الظواهر المقلقة، يدعو المجتمع المدني التونسي إلى ضرورة تكثيف الجهود لإيجاد حلول جذرية وعاجلة للحد من كل الظواهر الخطيرة التي تهدد المجتمع التونسي.
والثلاثاء 13 فيفري/شباط 2024، قدم المرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تقريره السنوي حول الاحتجاجات الاجتماعية والهجرة والعنف والانتحار في تونس خلال سنة 2023.
تراجع التحركات الاحتجاجية في سنة 2023
وأظهر التقرير السنوي الذي اطلع "الترا تونس" على نسخة منه، تراجع التحركات الاحتجاجية في تونس سنة 2023، حيث تم تسجيل 3432 تحركًا احتجاجيًا فقط مقابل 7 آلاف و754 تحركًا سنة 2022، أي أنّ التراجع يقدر بحوالي 50 في المائة.
المرصد الاجتماعي التونسي: تراجع التحركات الاحتجاجية في تونس خلال سنة 2023 بنسبة 50 في المائة
وكشف التقرير عن قائمة الولايات الخمسة الأكثر احتجاجًا في سنة 2023 وهي كالآتي:
- تونس
- قفصة
- سيدي بوزيد
- سوسة
- القيروان
التوزيع الجغرافي للتحركات الاحتجاجية في تونس (المرصد الاجتماعي التونسي)
كما أكد التقرير تراجع معدل الاحتجاج الشهري في تونس خلال سنة 2023، حيث تم تسجيل 520 تحركًا في شهر جانفي/يناير بينما لم يتمّ تسجيل سوى 209 تحرك احتاجي في شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت.
وعلى مدار سنة 2023 تمكن المواطنون من البروز كفاعل رئيسي بواقع 630 احتجاجًا، منادين بالعديد من المطالب المنبثقة من الانتهاكات التي طالت حقوقا أساسية، مثل الحق في العيش الكريم وفقدان المواد الأساسية، وتدهور البنية التحتية وتردي الخدمات الصحية وغياب التعليم الجيد وغيرها، وفق ذات التقرير.
المرصد الاجتماعي التونسي: نفذ المواطنون 630 احتجاجًا سنة 2023 للتنديد بتدهور الخدمات الصحية والبنية التحتية وغياب التعليم وللمطالبة بالحق في العيش الكريم
وقال التقرير إنّ هذه التحركات مواطنية لم تُخلق يتيمة وإنما سبقها امتعاض شعبي كان كفيلاً بتفجير احتجاجات متفرقة ترابيًا لكن متسقة مطلبيًا.
ارتفاع نسق التحركات البيئية
ووفق التقرير، فإنه على الرغم من تراجع نسق الاحتجاجات لسنة 2023 فإنّ التحركات البيئية شهدت ارتفاعًا، حيث تم تسجيل 463 تحركًا احتجاجيًا، انقسمت بين المطالبة بالحق في الماء والحق في بيئة سليمة لتمثل بذلك 13.5 في المائة من جملة التحركات الاحتجاجية.
وأكدت أن الرقم المسجل ارتفع مقارنة بسنة 2022، والتي لم تتجاوز فيه التحركات البيئية وهو ما يعد ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالسنة الفارطة أين لم تتجاوز نسبة التحركات البيئية 7% وعرفت أغلب التحركات مشاركة الجنسين بمجموع 3029 احتجاجًا مختلطًا، فيما تم تنظيم 41 تحركًا بقيادة نسائية.
المرصد الاجتماعي التونسي: رغم تراجع نسق الاحتجاجات سنة 2023 فإنّ التحركات البيئية شهدت ارتفاعًا وجاءت للمطالبة بالحق في الماء وفي بيئة سليمة
وطغى الطابع التنظيمي على احتجاجات 2023 حيث خضع 2478 تحركًا منها إلى تأطير نقابي بينما تمت البقية بشكل عفوي ودون تنسيق مسبق.
واعتبر التقرير أنّ التراجع المسجل في عدد التحركات لسنة 2023 لا يشير إلى تحقيق المطالب أو وجود استجابة فعلية لهتافات المحتجين والمحتجات، مشيرًا إلى أنّ استمرارها في سنة 2023 وتواصلها بمختلف أشكالها رغم نسقها الضعيف، دلالة على وجود وعي جمعي بأن فئات كثيرة من المجتمع لا تزال تواجه أوضاعًا سلبية من نواحي عدة.
المرصد الاجتماعي التونسي: التراجع المسجل في عدد التحركات الاحتجاجية لسنة 2023 لا يشير إلى تحقيق المطالب أو وجود استجابة فعلية لهتافات المحتجين
وخلص التقرير، إلى أنّ تقلص مساحة الأمل بجدوى التظاهر بسبب تجاهل المطالب وعدم التعاطي الإيجابي مع الشعارات المرفوعة قد خلق حالة من اليأس الجماعي وفقدان الثقة في السلطة.
وأضاف أنه ومع ذلك لا يزال العديد من الفاعلين يواصلون في ابتكار منافذ جديد للتعبير عن غضبهم، إما عبر اللجوء إلى فضاءات احتجاجية جديدة مثل وسائل الإعلام التي كانت حاضرة بشكل ملفت للنظر، وكذلك الشبكات الاجتماعية وإصدار بيانات التنديد، أو عبر النزوح إلى أشكال احتجاجية جديدة تتمثل في تنامي حالات العنف والانتحار.
المرصد الاجتماعي التونسي: تراجع نسق التحركات الاحتجاجية مردّه تقلص مساحة الأمل بجدوى التظاهر بسبب تجاهل المطالب وعدم التعاطي الإيجابي مع الشعارات المرفوعة
الهجرة غير النظامية
وبخصوص أرقام ظاهرة الهجرة غير النظامية، فقد أكد تقرير المرصد الاجتماعي التونسي وصول 17 ألفًا و322 مهاجرًا إلى السواحل الإيطالية سنة 2023، أي بانخفاض طفيف بنسبة 4.5 في المائة سنة 2022.
جدول يوضح توزيع الواصلين إلى إيطاليا سنة 2023 (المرصد الاجتماعي التونسية)
ووفق الأرقام الواردة في التقرير، فإنّ من بين الواصلين إلى إيطاليا 11 ألف و205 من الذكور و1400 من الإناث، بينما وصل 4718 قاصرًا بينهم 1640 قاصرًا مع مرافقة و3072 قاصرًا دون مرافقة.
المرصد الاجتماعي التونسي: وصول 17 ألفًا و322 مهاجرًا إلى السواحل الإيطالية سنة 2023، أي بانخفاض طفيف بنسبة 4.5 في المائة سنة 2022
في المقابل، تحدث التقرير على المقاربة الأمنية التي أقرتها السلطات التونسية لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية، حيث تمكنت الوحدات الأمنية من إحباط 6169 عملية هجرة غير نظامية، مقابل إحباط 2903 عملية سنة 2022.
ووفق ذات التقرير، فقد تمّ منع 80 ألف و636 مجتاز للحدود البحرية في السواحل التونسية، منهم 79 في المائة من إفريقيا جنوب الصحراء و19 في المائة يحملون الجنسية التونسية.
في ذات السياق، أشار التقرير إلى أنّ المقاربة الأمنية المكثفة لم تمنع الموت على السواحل التونسية، حيث بلغ عدد الموتى والمفقودين على السواحل التونسية 1313 أغلبهم من الجنسيات التونسية، في حين بلغ عدد الموتى والمفقودين في البحر الابيض المتوسط الاوسط هو 1793.
توزيع المجتازين حسب الجنسيات خلال سنة 2023 (المرصد الاجتماعي التونسي)
وقالت العضو بقسم الهجرة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إسلام الغربي، إنّ هذه الأرقام تؤكد أنّ الرغبة في الهجرة في تونس في تزايد لافت رغم أنّ تونس وضعت خطة على السواحل التونسية لمراقبة الحدود برًا وبحرًا، مشيرة إلى أن ذلك يعني أنه لا يمكن معاجلة ظاهرة الهجرة غير النظامية بالمقاربة الأمنية فقط.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: ارتفاع أرقام الهجرة في تونس تؤكد أنه لا يمكن معالجة هذه الظاهرة بالمقاربة الأمنية فقط
وأشارت الغربي، إلى أنه تم كذلك في سنة 2024 تسجيل فاجعتين في علاقة بالهجرة غير النظامية، تمثلت الأولى في فقدان 37 شاب في عرض البحر أصيلي ولاية صفاقس إضافة إلى فقدان 17 مهاجرًا غير نظامي انطلقوا من بنزرت وانتشال 13 جثة لمهاجرين من جنوب الصحراء.
ومنذ بداية سنة 2024، وصل 258 مهاجرًا تونسيًا إلى السواحل الإيطالية منهم 187 من ذكور و15 من النساء، إضافة إلى وصل 56 قاصرًا، مقابل إحباط 76 عملية لاجتياز الحدود البحرية وإيقاف 630 مهاجر غير نظامي على السواحل التونسية، وفقها.
تنامي ظاهرتي الانتحار والعنف
في ذات السياق، أكد التقرير تنامي حالات الانتحار في تونس سنة 2023، حيث تم تسجيل 147 حالة انتحار أغلبها في صفوف الشباب، وأنّ 95 في المائة من حالات الانتحار أدت إلى الوفاة.
المرصد الاجتماعي التونسي: تسجيل 147 حالة انتحار في تونس خلال سنة 2024 أدت 95 في المائة منها إلى الوفاة
وفيما يلي ترتيب الولايات الخمس الأولى الأكثر تسجيلاً لحالات الانتحار:
- القيروان
- نابل
- بنزرت
- صفاقس
- سوسة
التوزيع الجغرافي لحالات الانتحار في تونس (المرصد الاجتماعي التونسي)
أكثر 5 فضاءات تمت فيها عمليات الانتحار في تونس
- السكن
- مكان عام
- ضيعة /مسلك فلاحي
- المستشفى
- مؤسسات تربوية
ووفق ذات التقرير، فقد تم سنة 2023 تسجيل تنامٍ في حالات العنف الممارس، ما يعكس تغلغل النزعة العدوانية التي طغت على سلوك الأفراد.
المرصد الاجتماعي التونسي: تنامي حالات العنف الممارس في تونس سنة 2023 يعكس تغلغل النزعة العدوانية التي طغت على سلوك الأفراد
وفيما يلي ترتيب الولايات الخمسة الأولى من حيث نسبة العنف:
- تونس
- بنزرت
- نابل
- القيروان
- سوسة
التوزيع الجغرافي لحالات العنف المسجلة سنة 2023 (المرصد الاجتماعي التونسي)
أسباب العنف وأنواعه
وكشف التقرير عن أسباب العنف وأنواعه، وفيما يلي أنواع العنف الأكثر انتشارًا في تونس والتي احتلت المراتب الخمسة الأولى:
- الاعتداء
- السرقة
- الانتقام
- الترهيب والتخويف
- الاعتداء الجنسي
عمومًا تبقى هذه الظواهر ورغم الدراسات والحلول المقدمة من قبل المختصين ومنظمات المجتمع المدني في تونس، تبقى هذه الظواهر تشكل خطرًا على المجتمع التونسي ويجب التصدي لها وإيجاد حلول عاجلة وجذرية تبدأ بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتنتهي بوضع مقاربات تشاركية لفهم الظواهر والتقليص من تناميها لحماية جميع الفئات خصوصًا الشباب.