في 10 جانفي /يناير 2011، خرجت من بيتها رفقة أقارب لها متجهة نحو المستشفى الجهوي بالقصرين، تطلب أن تتبرع بدمها لجرحى الديكتاتورية والاستبداد. خرجت ولم يثنها صوت الرصاص والأخبار التي تقول إن "الدماء سالت في القصرين"، لكن كما تقول محدثتنا صباح الشاذلي: "لم تكن الأخبار دقيقة ولم أعتقد أن المشهد كان على تلك الصورة.. كانت حالة المصابين في المستشفى كارثية.. كان كل شيء عاريًا بما في ذلك جريمة الجلاد وغطرسة النظام النوفمبري البوليسي".
"كان صوت الرصاص يدوي وأنا أغادر المستشفى لكني لم أكن خائفة ولا مرتبكة، كنت مستعدة لكل شيء بما في ذلك أن أفارق الحياة كهؤلاء الأحرار الذين تركتهم جثثًا هامدة خلفي. أصبت واختنقت بالغاز مما تسبب بالنسبة لي إلى اليوم في ضيق تنفس مزمن. كل ما أذكره هي كلمات عقيد في الجيش وهو يقول "ايجا يا شاف شوف اش عملوا في الناس"، هكذا حدثت صباح الشاذلي، جريحة الثورة من القصرين، "الترا تونس".
صباح الشاذلي، رئيسة جمعية ملتقى أحرار القصرين، متحصلة على شهادتين جامعيتين، الأولى في الإنجليزية والثانية في العلوم السياسية، تجاوز عمرها 40 سنة ولم يتم انتدابها للعمل إلى اليوم بل إن هناك من يؤكد لها أنها لن يتم توظيفها نكاية فيها لأنها لا تزال تناصر الثورة وترفع شعاراتها"، كما صارحت "الترا تونس". شاركت الشاذلي في الاحتجاجات بولاية القصرين منذ انطلاقها (ديسمبر/ كانون الأول 2010) وكانت تستعمل هاتفها الجوال لتصوير الأحداث ونقلها لكل التونسيين.
صباح الشاذلي (جريحة الثورة) لـ"الترا تونس": للأسف وصلنا لهذه المرحلة التي يُنكل فيها بالأحرار من قبل بيادق النظام السابق
"صباح"، وهي المصرة أن ما حدث في تونس ذات شتاء 2010 ثورة عظيمة دفع ثمنها الأحرار وأن "من العار أن يهانوا وأن يتجاهلهم الإعلام فلولاهم لما نعمنا بحرية الرأي والتعبير ولو لا تلك الدماء لما كان لنا مجلس نواب حر ومنتخب وسلطة تنفيذية منتخبة ولكن الغريب أن هذه السلط أصبحت تتناسى ملف هؤلاء والإعلام يغلق أبوابه في وجههم فلم يعد الموضوع مهمًا أو ربما لابد من جعله كذلك"، وفق ما تراه الشاذلي.
وتضيف "هناك سعي ممنهج من أجل تقزيم المشهد الثوري وما حدث منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 وإلى 14 جانفي/ يناير 2011 بل هناك سعي للقصاص من أي نفس ثوري فبدماء الأحرار وعبر صندوق الديمقراطية جاءت عبير موسي، أحد رموز النظام السابق وأصبحت نائبة في برلمان الحرية. أتت لتشتم أمهات الشهداء وجرحى الثورة في بهو البرلمان، متوجهة نحونا بحركة غير لائقة وواصفة إيانا بالكلاب النابحة وبدواعش جهاد النكاح، وكان ذلك بحضور نواب الشعب فقد كنا يومها في انتظار لقاء رئيس المجلس وممثلي لجنة شهداء وجرحى الثورة مطالبين بنشر قائمة الجرحى والشهداء في الرائد الرسمي".
وتوضح صباح الشاذلي لـ"الترا تونس" ".. بعد سنة تقريبًا فوجئت بأنها قدمت شكوى ضد صباح الشاذلي بتهمة تكوين وفاق وتنظيم جريمة وتم استدعائي من قبل فرقة القرجاني للتحقيق معي.. هل هناك صورة أتعس من هذه؟".
اقرأ/ي أيضًا: "سيب القائمة الرسمية": ما قامت به كتلة الدستوري الحر فعل شنيع!
"عبير موسي، هي واحدة من القيادات التي كانت تنسق لقمع وقتل المتظاهرين في 2010 تقاضي جريحة ثورة بهذه التهمة الباطلة، عبير موسي تستهزئ وتشتم الشهداء والأحرار في أكثر من مناسبة بل وتعتبر أن ما حدث لم يكن ثورة وهي التي دخلت البرلمان وتعبث فيه وفق مبادئ الثورة"، تحدث الشاذلي بمرارة "ألترا تونس".
صباح الشاذلي (جريحة الثورة) لـ"الترا تونس": كمتابعة لملف جرحى الثورة وشهدائها اكتشفت تلاعباً بالملف من أجل تحقيق أهداف انتخابية وسياسية
وتواصل حديثها "للأسف وصلنا لهذه المرحلة التي يُنكل فيها بالأحرار من قبل بيادق النظام السابق. والأدهى والأمر أن هناك من يدعو للالتفاف على السلطة والانقلاب عليها، أعتقد أن كل ما حدث ممنهج منذ 15 جانفي/ يناير 2011 إلى اليوم وهو ترذيل ثورة الحرية والكرامة".
تقول محدثة "ألترا تونس" إنها كمتابعة لملف جرحى الثورة وشهدائها اكتشفت "تلاعباً بالملف من أجل تحقيق أهداف انتخابية وسياسية فهناك من تلاعب بالملف للوصول لقبة البرلمان وهناك من عمل على تقسيم عائلات الشهداء والجرحى وربما أخطر ما حدث هو الإعلان عن قائمة محلية فيها خلط كبير من أجل تغذية الصراعات الداخلية بين الأهل والجهوية أيضًا"، وفق تقديرها.
وتوضح جريحة الثورة "من أصيب بالرصاص لم يعلن اسمه ضمن القائمة في حين تم الإعلان عن أسماء أخرى وأنا متأكدة أن هذا كان مفتعلاً ومدروساً".
لمياء الفرحاني (رئيسة جمعية شهداء وجرحى الثورة) لـ"الترا تونس": عبير موسي تقدمت بشكاية ضد جريحة الثورة صباح الشاذلي وعدد من أهالي شهداء الثورة وجرحاها واللذين استفزتهم موسي وأساءت إليهم بالإشارة واللفظ
وتختم صباح الشاذلي حديثها معنا بالقول إن "حزب التجمع المنحل استغل الأوضاع وهو بصدد التنظم من أجل العودة بقوة، هؤلاء يسعون لتنظيم تنسيقيات تطالب رئيس الجمهورية قيس سعيّد بالانقلاب على النظام السياسي".
من جانب آخر، أكدت رئيسة جمعية شهداء وجرحى الثورة (أوفياء) الأستاذة لمياء الفرحاني لـ"الترا تونس" أن "رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي تقدمت فعلاً بشكاية ضد جريحة الثورة صباح الشاذلي ورئيس البرلمان ونواب آخرين وعدد من أهالي شهداء الثورة وجرحاها واللذين استفزتهم عبير موسي وأساءت إليهم بالإشارة واللفظ"، وفق الفرحاني. وتضيف "موسي كانت في السابق تكتب التقارير بزملائها واليوم وبفضل الثورة المجيدة أصبحت ترفع القضايا في المحاكم".
وتقول الأستاذة المحامية الفرحاني، وهي أخت الشهيد أيمن الفرحاني، إن "القضية تعود إلى حادثة رفض عبير موسي تلاوة الفاتحة في الجلسة العامة على أرواح شهداء الثورة، وهو ما استفز أهالي الشهداء. وكنا ومازلنا نطالب بقانون يجرم كل إهانة للشهداء وهو ما سعينا لتفعيله يومها".
وتذكر الفرحاني أن "الدفاع عن المرأة التونسية كما "تدعي" موسي يعني أيضًا الدفاع عن أمهات الشهداء اللاتي تمت إهانتهن باتهامهن بجهاد النكاح في بهو البرلمان لكن تم التعتيم على الحادثة ولم يتناولها الإعلام ولم تطرح المنابر الموضوع"، وفقها.
رئيسة جمعية شهداء وجرحى الثورة لـ"الترا تونس": إن ما يحدث مهزلة في حق دماء الأحرار وفي حق ثورة مجيدة كان ثمنها غاليًا أما السبب فهو غياب العدالة
"ورغم أن عددًا منهم طلب مني رفع قضية ضد موسي إلا أني رفضت معتبرة ذلك إعلاء من شأنها ويجب تجاهلها ليتفاجأ الجميع بالدعوى التي رفعتها الأخيرة والتي تم فيها توجيه تهمة تكوين وفاق وتنظيم جريمة"، على حد تعبير الفرحاني.
وتختم حديثها لـ"الترا تونس" "إن ما يحدث مهزلة في حق دماء الأحرار وفي حق ثورة مجيدة كان ثمنها غاليًا أما سبب ما وصلنا إليه فهو غياب العدالة فلم يحاسب أحد ولم يحاكم أحد بل ولم يحضروا حتى للجلسات في المحاكم ولهذا فإن قلوب الأمهات لا تطفئها الشعارات الرنانة، بل وتزيد احتراقًا على فلذات أكبادها حينما ترى مسؤولة سياسية في نظام بن علي داخل قبة البرلمان وهي تشتمهم".
اقرأ/ي أيضًا:
رئيسة جمعية "أوفياء": المشيشي تعهّد بنشر قائمة شهداء الثورة
جمعية أوفياء: حلّ مشكل القائمة النهائية لشهداء الثورة وجرحاها بيد قيس سعيّد