مقال رأي
لا تزال القضية الفلسطينية القلب النابض للأمة العربية، تحيا بشبابها وتضمر بتراجعهم وانكماشهم حول قضايا هامشية، ولقد جسدت انتفاضة السكاكين الأخيرة قادحًا لاستعار روح الوطنية والوحدة والتضامن العالمي، مساندة لشباب فلسطين الذي يواجه آلة القمع الصهيونية بصدور عارية إلا من إيمان عميق بحقّ الحياة والحريّة والاستقلال.
رفع طلبة تونس العلم الفلسطيني إلى جانب العلم التونسي في فضاءات المدارس
ولم يكن الشباب التونسي خارج سياق هذه الروح التضامنية العالمية، إذ بادر تلاميذ المعاهد والمدارس، بالتنسيق مع وزارة التعليم ونقابة التعليم الثانوي، إلى رفع العلم الفلسطيني إلى جانب العلم التونسي في ساحات الفضاءات المدرسية وقد تزيّن الشباب بالكوفيات وتوشح بالأعلام وتجمّل بمظاهر الروح التضامنية العالية.
وقد يكون من المهم التنويه بتوفر قضية مركزية توحد شبابنا، رغم كل محاولات التفرقة والتهميش عبر بث روح العصبية القُطرية خلال المباريات الرياضية وعبر الاحتماء بالرايات الوطنية والقضايا المحلية الضيقة، ومن الأهم أن تظل روح الحماسة والوطنية والتضحية والفداء متوقدة في الشباب الذي تراهن برامج التمييع والإلهاء والتهميش على استقطابه في اتجاهها لإفساد ذوقه وإخراجه عن سياق الهمّ الوطني والعربي والإسلامي.
غير أن هذه الرؤية المتفائلة لا يجب أن تحجب عنّا البعد الانفعالي والموسمي في هذه الحركة التضامنية طالما أنها لم تترجم إلى حراك مدني دائم يتوقد عبر سيرورة نضالية متواصلة، ولعل المقصود بذلك اكتساب الوعي السياسي بأبعاد القضية إقليميًا ودوليًا وانعكاساتها المحلية على الواقع اليومي لشبابنا العربي الذي تتنازعه مشاريع الاستقطاب والاستدراج نحو الحياد السلبي عن الشأن العام والانشغال بشأنه الذاتي انغماسًا في اللهو وبحثًا عن الخلاص الفردي.
إن حفظ الذاكرة وتعميق الإحساس الوجداني بالقضية وتوارث حقائق التاريخ والجغرافيا، واستشراف النظر بعين متفائلة وفق استراتيجيا البناء الحضاري، من أولويات انتصار الشباب العربي للقضية الفلسطينية
إن حفظ الذاكرة وتعميق الإحساس الوجداني بالقضية وتوارث حقائق التاريخ والجغرافيا، واستشراف النظر بعين متفائلة وفق استراتيجيا البناء الحضاري، من أولويات انتصار الشباب العربي للقضية الفلسطينية التي تنتظر جيلًا سياسيًا واعيًا وقامات علمية قادرة على الانتشار العالمي عبر مواقع القرار لتشكيل قوى ضغط دولي بواسطة جمعيات المجتمع المدني الفاعلة وقوى التأثير النافذة.
وليس النجاح الدراسي والتخصص الأكاديمي في شؤون قضايا التحرر العادلة والقانون الدولي والمساهمة في الإنتاج العلمي العالمي سوى أفق ضروري داعم للقضية دعمًا طويل المدى، يرقى عن حماسة اللحظة السياسية العابرة إلى اللحظة الحضارية الراسخة في عمق الواقع عسى أن تعدل بوصلة الشباب نحو القضية الفلسطينية بشكل دائم باعتبارها القضية المركزية لأمتنا.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"