مرض كلب لصاحبه الأمريكي وحينما عرضه على الطبيب قال له يجب أن تغيّر له المكان فنفسيته متعبة ومرهقة. استجاب الأمريكي لنصائح الطبيب وقرر أن يرسل كلبه إلى عدّة دول: فرنسا وإيطاليا وألمانيا وأستراليا وغيرها من الدول المتقدّمة.
تصل البطالة في تونس إلى أعلى درجاتها، وتسجل 700 ألف عاطل عن العمل هذه السنة
لم تتحسن نفسية الكلب وظلت على ما هي عليه، إلى قرر الأمريكي أن يرسل كلبه المدلل إلى تونس، حيث قضى أسابيع طويلة دون صاحبه الذي اشتاق إليه كثيرًا فهاتفه ورجاه أن يعود إلى أمريكا، فأجابه كلبه بعد أن وضع مبسم النارجيلة على الطاولة إلى جانب قهوة سريعة حضرت على الطريقة التونسية: رجاء لا تعدني إلى أمريكا لقد وجدت موطني مع الكلاب في وطن الكلاب، الحياة كلبة بنت كلب هنا وأحبّ العيش مع بني جنسي هنا رجاء، دعك في وطنك ذاك الذي لا يليق إلا بالإنسان، أما هنا فالحياة للكلاب فقط.
تناقلُ التونسيين هذه النكتة بمرارة كبيرة قبل الثورة التونسية وبعدها، ينتقد أوضاع البلد الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع نسب البطالة وغلاء المعيشة. ولو سألت أيّ شاب تونسي وقلت له كيف الحياة في تونس سيجيبك حتمًا: الحياة كلبة هنا.
ثلث العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، تصل البطالة إلى أعلى درجاتها 700 ألف عاطل عن العمل، بمعدّل 17 % بعد أن كانت 12 % في 2010. نسب ما تزال ترتفع في ظلّ الظروف الأمنية المتدهورة، وانسحاب المستثمرين الأجانب من الاستثمار في تونس، إضافة إلى تنامي الاحتجاجات الاجتماعية في الأوساط العمالية، وهو ما جعل من بعض الشركات الأجنبية تنسحب من السوق التونسية، وتستثمر في دول مجاورة كالمغرب.
اتخذت الأحزاب السياسية من مشكل البطالة يافطة إشهارية لحملاتها الانتخابية، ففي 2011 بدأ وعد حركة النهضة بتوفير 500 ألف موطن شغل ولم يتحقق شيء في عهد الترويكا، ثم تملصت حركة النداء، الحزب الحاكم، وحركة النهضة في تحالف الحكومة ما بعد الإنتخابات التشريعية في 2016، علمًا أن برنامج النداء الانتخابي قد تضمن وعودًا بحلّ مشاكل البطالة والصعوبات الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها تونس، خاصة أن الحزب الحاكم قد تحدث بثقة مفرطة عن قدرته في حلّ هذه المشاكل، لتصل ثقتهم في التصريح الأشهر للباجي قايد السبسي، رئيس الحزب، لجريدة "الشروق" المصرية في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 إذ قال: "حركة النداء قادرة على تسيير ثلاث أو أربع دول في العالم في نفس الوقت بما تحويه من قيادات وكفاءات وطنية، قادرة على تسيير دواليب الدولة". وعود أخلفت وثقة انهارت لينصب اهتمام الحزب الحاكم ورئيس الدولة في مسألة الشقوق المتناحرة.
تتعامل الحكومة مع احتجاجات العاطلين عن العمل بالقوة، أو بالوعود لإيجاد فرص عمل مؤقتة
لم تتعامل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة التونسية مع مشكلة البطالة بجدّية، وفي واقع صعب وهشّ تشهد فيه المؤشرات الاقتصادية ارتفاعًا غير مسبوق لينذر بكارثة كبرى، 5% تضخم، وتدهور القدرة الشرائية، وانهيار الدينار التونسي ليصل إلى درجات غير مسبوقة، إضافة إلى تراكم الديون وانتشار الفساد ليصل البرلمان التونسي، بعد أحداث بنقردان الأخيرة، إلى طرح ملف المصالحة الذي يخدم الأطراف الفاسدة في المنظومة القديمة، والذي أثار جدلًا كبيرًا في الأوساط الشبابية، وتأسست بعده حركة "مانيش مسامح".
في آخر إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، حملت البطالة في محافظات الجنوب التونسي أعلى النسب من سنة 2015 بنسبة 26 فاصل 6 بالمئة في الجنوب الشرقي، و22 فاصل 3 بالمئة في الجنوب الغربي، وهي نسب مرتفعة مقاربة ببعض محافظات الشمال والساحل، ويعود هذا أساسًا إلى السياسة القديمة في إهمال مناطق الداخل لصالح الساحل والشمال، ما خلق مناطق الحرمان والرفاه في دولة واحدة، حيث محافظات تتمركز فيها المصانع والفنادق، ومحافظات أخرى تشكو بعض مدنها من انعدام الإنارة والطريق والماء الصالح للشرب.
شهدت سنتا 2015 والأشهر الأولى من 2016 احتجاجات شعبية من المعطلين عن العمل، خاصة في محافظات الداخل بقفصة وسيدي بوزيد وتوزر وسليانة وقبلي والقصرين، تعاملت الحكومة مع بعضها بالقوة، والأخرى بالوعود وإيجاد فرص عمل مؤقتة لبعض المحتجين.
حينما انتفض الشباب في فجر السابع عشر من أيلول/ديسمبر 2010، رفع شعار "التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق" وشعار "شغل حرية.. كرامة وطنية"، ورغم مرور أكثر من خمس سنوت على سقوط رأس النظام لم تتغير الوضعية بل تفاقمت، لتبقى مشكلة البطالة إحدى عوائق المسار الانتقالي بتونس، وقنبلة مؤقتة في وجه الحكومات إن لم تتعامل معها بالجدّية الكاملة.