06-نوفمبر-2018

من المتوقع أن يستخدم قائد السبسي ثقله كله للحيلولة دون بلوغ الشاهد مبتغاه السياسي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

أُعلن عن التحوير الوزاري في تونس في ساعة متأخرة من مساء الاثنين 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. وشمل التحوير 18 خطة من بينها 13 حقيبة وزارية و5 كتاب دولة. لم يعد التحوير الآن خفيًا على أحد، وهو الذي كان منتظرًا لفترة طويلة وطالب به مختلف الفاعلين في الشأن السياسي التونسي مع اختلافات في الرؤى والمواقف منه.

الآن وقد أُعلن عنه منذ سويعات قليلة، وقد قال يوسف الشاهد في كلمته لإعلان التحويرات الوزارية إنه يعتبره مساهمة لحل الأزمة الراهنة، يبدو أن الأخيرة تعمقت على عكس المنتظر. إذ دقائق معدودة بعد إعلان الشاهد عن التحوير، صرّحت الناطقة الرسمية لرئاسة الجمهورية سعيدة قراش أن الرئيس الباجي قائد السبسي يعارض التحوير الوزاري المُعلن. وأكدت أنه لم يتم التشاور مع قائد السبسي حول التحوير وتم إعلامه به في ساعة متأخرة، مضيفة أن ''رئيس الجمهورية غير موافق على الطريقة المتبعة لإعلان التحوير لاتسامها بالتسرع وفرض سياسة الأمر الواقع".

لا يبدو أن هناك ماهو متاح دستوريًا لقائد السبسي وحزبه لمعارضة تحوير الشاهد بينما يكتفي من يتبنى هذا الموقف بالتركيز على الجانب الأخلاقي للأمور

السؤال هنا: أي انعكاسات لرفض الرئيس هذا التحوير الوزاري؟ وفي الحقيقة لا تُقرأ الصورة من جانب واحد، هناك زاوية قانونية ضرورية لفهم السيناريوهات الممكنة حسب الصلاحيات المتوفرة لرئيسي الحكومة والجمهورية كما نص عليها الدستور، وهناك زاوية أخرى سياسية.

يدعم حزب نداء تونس رفض رئيس الجمهورية لهذا التحوير، وكان منجي الحرباوي، النائب بالبرلمان والقيادي بحزب نداء تونس قد صرّح لـ"الترا تونس" أن حزبه استغرب هذا التحوير وستكون له ردة فعل وتحركات إزاء ما أُعلن". لكن بعيدًا عن "التهديد" لا يبدو أن هناك ماهو متاح لقائد السبسي وحزبه لمعارضة تحوير الشاهد.

ُيركز الحرباوي على الجانب الأخلاقي للأمور عند حديثه لـ"ألترا تونس" إذ يقول إن الشاهد لم يستشر لإجراء التحوير حزب نداء تونس وهو الحزب الفائز في آخر انتخابات في البلاد ولا استشار رئيس الجمهورية وهو من اقترح اسمه في البداية لرئاسة الحكومة، وهكذا يكون التحوير وفقه تعديًا على نتائج انتخابات 2014 وانقلابًا، كما وصفه.

في الأثناء، يبدو أن الشاهد متأكد من سلامة ما قام به دستوريًا وقانونيًا إذ سارع بمراسلة مجلس نواب الشعب صباح اليوم الموالي للتحوير لطلب تحديد جلسة في البرلمان لمنح الثقة لتركيبة حكومته الجديدة. كما اعتمد الشاهد صيغة تقريرية في خطاب إعلان التحوير الوزاري، كانت موجهة، حسب المختصين في القانون الدستوري، لرئيس الجمهورية كإشارة أن التحوير تم في حدود اختصاصاته وأنه لا يحتاج موافقة قائد السبسي إذ أن التحوير لم يشمل حقيبتي الدفاع والخارجية وهي الحقائب التي تُوجب دستوريًا التشاور بينهما، وهو ما أكده أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك لـ"الترا تونس".

هكذا يُرجح عدد من المختصين في القانون الدستوري في تونس أن الشاهد لم يقم من خلال تحويره المعلن بأي خرق قانوني لكن ذلك لا ينفي إمكانية تطور الأزمة نتيجة رفض رئاسة الجمهورية للتحوير إذ بإمكان قائد السبسي تعطيل آداء اليمين، وإن كان إجراءً شكليًا. يتعلق الأمر بآداء الوزراء الجدد اليمين بعد أن تتم المصادقة على التحوير في البرلمان.

يؤكد المختصون أن الشاهد لم يقم من خلال تحويره المعلن بأي خرق قانوني لكن ذلك لا ينفي إمكانية تطور الأزمة إذ بإمكان قائد السبسي تعطيل آداء اليمين وإن كان إجراء شكليًا

أما المصادقة على التحوير الوزاري برلمانيًا فلا يبدو أن الشاهد يواجه مشكلًا إزاءها وهو التحوير الذي يلقى دعم حركة النهضة، صاحبة الكتلة البرلمانية الأكبر في مجلس النواب، كما يلقى دعم كتلة الائتلاف الوطني المكونة مؤخرًا كحزام داعم للشاهد إضافة إلى نواب آخرين. لكن آداء  الوزراء الجدد لليمين يتم أمام رئيس الجمهورية وفق الفقرة الأخيرة للفصل 89 من الدستور التونسي. ونظرًا لرفض قائد السبسي للتحوير فبإمكانه تعطيل آداء اليمين.

لا يمكن نفي أن الدستور التونسي صمت في بعض المسائل وترك الخلاف حولها محتدًا إذ أنه مثلًا لا يحدد من يقوم ضرورة بإحالة التعديل الوزاري على مجلس النواب لمنح الثقة وهل يكون ذلك وجوبًا عبر رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية، وهذا كان منطلقًا لجدل يبدو أنه سيتواصل خلال الأيام القادمة في تونس. إذ في مقابل مراسلة القصبة مجلس نواب الشعب لتحديد جلسة منح الثقة، صرح المستشار السياسي لرئيس الجمهورية نور الدين بن تيشة أن قائد السبسي لن يحيل التحوير الوزاري إلى مجلس نواب الشعب، واعتبره من صلاحياته الخاصة.

ما يُعمق الخلاف أيضًا غياب جهة تحكيمية لها شرعية فصل التنازع في ظل تواصل تعطيل انتخاب باقي أعضاء المحكمة الدستورية على مستوى البرلمان التونسي. وهذه المحكمة هي من تفصل في أي تنازع في الصلاحيات بين رئيسي الحكومة والجمهورية وفق الفصل 101 من الدستور.

وما زاد الوضع تعقيدًا تسريبات بعض وسائل الإعلام المحلية عن توجه وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي نحو طلب إعفائه من مهامه، خاصة أن الأخير اجتمع الاثنين برئيس الجمهورية في قصر قرطاج، ولم ترشح معلومات مؤكدة عن مخرجات لقائهما. واستقالة أي من وزيري الدفاع أو الخارجية قد تكون مقدمة لمزيد تعميق الأزمة بين قرطاج والقصبة.

صمت الدستور التونسي في بعض المسائل وترك الخلاف حولها محتدًا إذ أنه مثلًا لا يحدد من يقوم ضرورة بإحالة التعديل الوزاري على مجلس النواب لمنح الثقة

من المهم الإشارة أيضًا إلى أن بعض الأسماء الجديدة في الحكومة تثير جدلًا منذ الكشف عنها ومنها روني الطرابلسي المقترح لحقيبة وزارة السياحة إذ علق النائب في البرلمان التونسي ياسين العياري أنه سيطعن في ترشيحه لهذا المنصب على اعتبار وجود تضارب مصالح باعتبار وزير السياحة المقترح يمتلك وكالات أسفار في الآن ذاته.

الواضح هنا أننا إزاء أزمة سياسية بغطاء قانوني، قد ترجح موازين القوى البرلمانية فيها الكفة لصالح يوسف الشاهد. لكن "الثقة المفرطة" لقيادات نداء تونس، ومن بينهم الأمين العام الجديد سليم الرياحي، خلال حديثهم اليوم في مؤتمر صحفي عن "انقلاب دستوري ناعم ومحاولة من الشاهد والنهضة لعزل الرئيس عن ممارسة صلاحياته الدستورية باعتباره الساهر على احترام الدستور" قد تشي بأن لأصحاب السلطة في قصر قرطاج ورقات أخرى، قانونية وسياسية، لم تكشف بعد للضغط على الشاهد وقلب المعادلة.

وتؤكد تطورات الساعات الأخيرة مجددًا أن الأزمة كانت منذ البداية أشد عمقًا من أن يكون التحوير الوزاري قادرًا على حلّها. المشهد الآن بات واضحًا والصراع صار علنيًا. رئيس الجمهورية لن يقبل بأي تحرك سياسي لرئيس الحكومة، وسيستخدم "ثقله" كله للحيلولة دون بلوغ الشاهد مبتغاه السياسي، حتى وإن كان ذلك على حساب ديمومة مسار الانتقال الديمقراطي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اندماج "الوطني الحر" في "النداء".. إعادة خلط الأوراق في تونس

قراءة في بيان مجلسها الأخير: النهضة "تنقل التوافق" نحو القصبة.. بحذر وشروط!