05-يوليو-2018

تصف المحامية الحداد مسلم قصد الله بأحد جرحى الثورة المتميزين في التبليغ عن معاناته هو ومن عاش تجربته إبان الثورة

"القضاء لم تكن له الجرأة لإصدار بطاقة إيداع في حق القتلة ولكن كانت له الجرأة لإصدار بطاقة إيداع في حق جريح ثورة على خلفية احتجاجه".. هي كلمات للمحامية ليلى الحداد، على صفحتها الرسمية في موقع التواصل "فيسبوك". لا تلخص هذه الكلمات فقط ما حصل مؤخرًا مع جريح الثورة التونسية مسلم قصد الله، بل تعكس حالات متكررة ومتواترة، خلّفت أكثر من سؤال حول مسار العدالة بعد جانفي/ يناير 2011.

لنعد إلى البداية، انتشر الخبر أولًا على مواقع التواصل الاجتماعي حول إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق مسلم قصد الله، وهو من جرحى الثورة المعروفين إعلاميًا بحكم نشاطه الدائم ودفاعه عن ملف شهداء وجرحى الثورة التونسية وإيمانه بهذه الأخيرة. وكان إصدار بطاقة الإيداع بالسجن على خلفية احتجاجه أمام المعتمدية بمنطقة الوردانين (تقع في الشمال الغربي من ولاية المنستير).

استنكار واسع ودعوات للاحتجاج إثر إيداع جريح الثورة مسلم قصد الله في السجن على خلفية احتجاجه أثناء تنصيب المجلس البلدي بالوردانين

"هل التهمة هي الاحتجاج؟"، هكذا سألتُ الحداد، وهي إحدى أبرز المحامين الذين تابعوا ملف شهداء وجرحى الثورة في تونس. وكانت الإجابة، أمام تعجبي الشديد، بـ"نعم". تُوضح الحداد لـ"الترا تونس": "يتعلق الأمر بوقفة احتجاجية يوم الجمعة الماضي، تاريخ انتخاب المجلس البلدي في الوردانين، شارك قصد الله ضمن المحتجين، معبرًا عن غضبه سلميًا إزاء التوافقات، التي حصلت بين حزبي الحكم نداء تونس والنهضة، والتي انعكست عنها تركيبة المجلس البلدي". 

تواصل الحداد: "تم إيقاف مسلم يوم الأحد في مكان عمله وهو حارس ليلي في إحدى المبيتات وإحالته إثر ذلك على النيابة العمومية. تم الاستماع له من قبل الفرقة المختصة للأبحاث، ثم كانت إحالته للمحكمة الابتدائية بالمنستير، وأصدر وكيل الجمهورية في حقه بطاقة إيداع بالسجن وتم تعيين جلسة بخصوصه يوم الأربعاء القادم 11 جويلية/ تموز الجاري".

إيداع الشاب مسلم قصد الله السجن أثار استياء واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وأسئلة مختلفة: ما الخطير في احتجاج شاب تونسي عُرف بحسن تصرفه وبإيمانه بقضية ما، مما يستدعي إيقافه وسجنه، دون مراعاة لحالته الصحية (وهو مبتور الساق ويعاني مصاعب صحية)؟ وهل يندرج ما يحصل في إطار تجريم الحراك الاجتماعي تدريجيًا؟ وغيرها الكثير من الأسئلة.

وقد طرح إيداعه السجن مفارقة أيضًا، فبينما تطرح منذ سنوات قضية شهداء وجرحى الثورة في المنستير أمام ذات المحكمة (محكمة المنستير) دون أن يكون أي المتهمين فيها، وتهمهم القتل وغير ذلك، في حالة إيداع بالسجن، في المقابل أحد ضحايا هذه القضية ورغم وضعيته الإنسانية مودع بالسجن. ربما لذلك وصفت الحداد ما حصل، خلال حديثها لـ"الترا تونس" بـ"سابقة خطيرة في حق مسلم قصد الله وفي حق جرحى الثورة".

المحامية ليلى الحداد لـ"الترا تونس": ما حصل سابقة خطيرة في حق مسلم قصد الله وفي حق جرحى الثورة

تطور التفاعل مع إيداع جريح الثورة في السجن إلى تنظيم تظاهرة احتجاجية لدعمه يوم جلسته في المنستير وقد انتشرت بين رواد مواقع التواصل وجاء في نص الدعوة "عندما يتم إيقاف جريح الثورة لأنه احتج ضد بقايا النظام السابق خلال تنصيب المجلس البلدي.. ويتم إيداعه بالسجن وكالعادة تلفق التهم.. فاعلم أن هذه الدولة عادت كما كانت وأكثر.. #سيّب_مسلم".

تصف المحامية الحداد مسلم قصد الله بـ"أحد جرحى الثورة المتميزين في التبليغ عن معاناته هو ومن عاش تجربته إبان الثورة، والمثقف في دعوته لمحاسبة القتلة والتظاهر سلميًا والتعبير عن مواقفه والوقوف أمام إهمال السلطات على اختلافهم"، كما تصفه بـ"حامل الأمل بين أقرانه والمؤمن بالثورة وبأن مسارها متواصل"، لكن المحتجين على إيقافه يعبرون، على صفحاتهم في مواقع التواصل، عن تخوفهم من أن مثل هذه التصرفات قد تقطع آخر الآمال في الثورة والتغيير حتى عند أشد المتحمسين لذلك.

يذكر أن المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالمنستير، فريد بن جحا كان قد صرح الأربعاء 4 جويلية/ تموز الجاري لإذاعة "جوهرة أف أم" أن "النيابة العمومية بالمنستير أصدرت الأربعاء بطاقات إيداع بالسجن ضدّ 3 أشخاص، منهم جريح الثورة مسلم قصد الله، من أجل تهم تتعلّق بالتهديد وإحداث الهرج والتشويش ومحاولة الاعتداء على شبه موظف عمومي أثناء مباشرته لوظيفه"، وذلك إثر الاحتجاجات التي رافقت تنصيب المجلس البلدي بالوردانين. وسيبقى المتهمون في حالة إيقاف حتى الأربعاء القادم من أجل مقاضاتهم بخصوص أجل التهم المنسوبة إليهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شهداء ثورة تونس وجرحاها.. تهميش وتوظيف

وفاة محمد الحنشي.. انتكاسة أخرى للثورة التونسية