رغم تنوع مشاهدها الطبيعية وطقوسها وتضاريسها وتاريخها، إلا أن تونس اشتهرت أساسًا بـ"سياحة الشواطئ والنزل". لم يركز القائمون على السياحة في البلاد، منذ استقلالها وإلى سنوات قريبة، على استثمار ما تزخر به البلاد من آثار مختلفة أو مناظر طبيعية أو محطات استشفائية أو غير ذلك من المقومات الأخرى، إلا نادرًا.
تستور مدينة تونسية، تنام على ربوة في حوض مجردة، شمالي البلاد، وتستمد شهرتها تقليديًا من تاريخها الأندلسي
لكن تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد خلال السنوات التي تلت الثورة، وتأثير العمليات الإرهابية المتكررة على القطاع السياحي "التقليدي"، ساهم في انفتاح الفاعلين في القطاع على مناح سياحية أخرى، ومنها السياحة الجبلية أو سياحة التجوال، وهي كما يعتبرها البعض جزء من السياحة البيئية.
اقرأ/ي أيضًا: الاستغوار.. رياضة الفلسطيني في أرضه
جبال ومغاور ومياه ومناظر طبيعية خلابة، اجتمعت كلها في مدينة تستور التونسية ومكنتها من حظوة وشهرة، بشكل متسارع، عند جزء من التونسيين أولًا، وهي تطمح لمزيد من الانتشار والانفتاح فيما بعد، فالمدينة التي طالما عرفت بتاريخها الأندلسي، جامعها الشهير وموسيقى "المالوف"، صارت منذ أشهر قليلة وجهة لعشاق المغامرة في أعماق الجبال.
تعرف مدينة تستور، وهي إحدى مدن محافظة باجة، شمالي تونس وإحدى أعرق المدن الأندلسية في المغرب العربي، في نهاية كل أسبوع، حركة ملحوظة مقارنة بهدوئها المألوف. سيارات وحافلات متعددة الأحجام تطل على المدينة، من مختلف المحافظات التونسية، المجاورة والبعيدة نسبيًا، محملة برواد المسالك الجبلية وأحباء الطبيعة، يأتون في رحلات منظمة من قبل وكالات أسفار تونسية وبتنسيق مع جمعية "السياحة البيئية وتنمية المشاريع" في تستور.
تواصل "ألترا صوت" مع محمد الجويني، أحد مؤسسي الجمعية وهو من أبناء مدينة تستور، وقد حدثنا عن هذه التجربة: "تأسست جمعية السياحة البيئية وتنمية المشاريع في تستور في آيار/مايو الماضي، وهي تعنى بتثمين المخزون الطبيعي الهائل في المدينة والمتروك منذ زمن". ويوضح: "نستقبل ضيوفنا، نرحب بهم ونرافقهم في رحلة على امتداد جبال المنطقة وسدها، سد سيدي سالم، ثم تكون المغامرة الأهم في مغارة "غار كريز".
أطفال، شباب وكهول، بعضهم تجاوز السبعين، تلمحهم على أهبة الاستعداد لاكتشاف عالم "غار كريز". توفر لهم جمعية السياحة البيئية في تستور كل أجهزة السلامة التي يحتاجونها من خوذات وإنارة ضرورية ويرافقهم أعضاء من الجمعية في مغامرة تحت الأرض لمساعدتهم على تتبع المسالك الآمنة، "مغامرة تجمع بين الانبهار بالعالم الجديد والخوف والمتعة في آن"، كما صرحوا لـ"ألترا صوت".
وتستور مدينة تونسية، تنام على ربوة في حوض مجردة، شمالي البلاد. تبعد حوالي 80 كيلومترًا عن العاصمة التونسية وتستمد شهرتها تقليديًا من تاريخها الأندلسي، حيث يعود تأسيسها إلى أكثر من 400 سنة إلى الوراء من قبل الأندلسيين المهاجرين. سميت في العهد الروماني بـ"تيشيلا"، وتعني "العشب الأخضر"، وتعود التسمية حسب المؤرخين إلى "تجمع المياه حول مدينة تستور وانتشار السهول فيها".
اقرأ/ي أيضًا: ماجوريل المغرب.. حديقة مراكش الساحرة
ويقول بعض المختصين في تاريخ تستور إن تسميتها الحالية تعود إلى "الجبال المحيطة بها والتي تستر المدينة، فصار اسمها تستور". وهي المدينة المحاطة أيضًا بثلاثة أودية، هكذا فإن جمال الطبيعة وتنوع التضاريس ليس جديدًا في تستور، بل كانت الطبيعة مهد اسمها والحياة فيها منذ الأزل، لكنها أخيرًا تستثمر سياحيًا للتعريف بالمدينة والنهوض بها. ويذكر أن تستور تتميز بموقعها الجغرافي الملائم لتعاطي عديد الأنشطة الفلاحية وهو ما أهلها لتكون محل اهتمام عديد الحضارات على مر التاريخ.
جبال ومغاور ومياه ومناظر طبيعية خلابة، اجتمعت كلها في مدينة تستور التونسية لتكون إحدى وجهات السياحة الجبلية في البلاد
منذ زمن قريب، كانت الزيارات إلى تستور تقتصر على فترات من السنة ومنها أساسًا الفترة المتزامنة مع مهرجان المالوف، الغناء الأندلسي، الذي يميز المدينة، أو بشكل عابر قبل التحول إلى "دقة"، وهي منطقة أثرية مدرجة ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو منذ 1997، لكن وخلال الأشهر القليلة الماضية أخذت المدينة بعدًا آخر، وسجلتها شركات الأسفار ضمن مسالكها السياحية.
في هذا السياق، يقول محمد الجويني، أحد مؤسسي جمعية السياحة البيئية في مدينة تستور: "اعتمدنا على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لوجه آخر لتستور، إنها سياحة تعتمد على المشي والمغامرة والاكتشاف وحب الطبيعة والاسترخاء وهذا يجذب الكثيرين". ويضيف لـ"ألترا صوت": "مع نهاية كل أسبوع، يومي السبت والأحد، نستقطب ما بين 400 إلى 600 شخص، تجذبهم السياحة البيئية إلى مدينتنا الصغيرة".
وتنشط الحركة الاقتصادية تزامنًا مع هذه الرحلات، إذ تختم الرحلة إلى تستور عادة بجولة تسوق في المدينة لاقتناء بعض المنتجات المميزة للمدينة، ومنها مواد غذائية تشتهر في المنطقة كالجبن التستوري و"القوتة" والرمان، أو منتجات تقليدية في اللباس كـ"القشابية" وغير ذلك.
ويعول أهالي تستور على أن تدعم أطراف حكومية جهود المجتمع المدني في تستور، لتصير سياحة التجوال في الطبيعة والمغاور جزءًا من أنشطة المدينة الدائمة وتطور من حال أهلها ماديًا وتسلط الضوء على وجه آخر من جمال المدينة.
اقرأ/ي أيضًا: