23-يونيو-2023
فضلات منزلية ونفايات ملقاة في الشارع تونس

 مريم الحامدي لـ"الترا تونس": ما دفعني للاحتجاج بهذه الطريقة هو الوضع الكارثي بالمنطقة (صورة أرشيفية/توضيحية/ياسين محجوب/Nurphoto)

 

في حركة احتجاجية استثنائية، تعمد مريم الحامدي وهي شابة ثلاثينية قاطنة بمنطقة نعسان التابعة لولاية بن عروس إلى رمي فضلاتها المنزلية داخل مقر البلدية بالمنطقة بعد أن تخلت هذه الأخيرة عن دورها في جمع الفضلات وتوفير حاويات خاصة بالنفايات في أحياء وأنهج الجهة منذ مدة طويلة، الأمر الذي تسبب في انتشار أطنان من الفضلات بكامل جهات المنطقة، وفقها.

مريم الحامدي، من متساكني نعسان، لـ"الترا تونس": "منطقتنا كانت تحتوي على العديد من الحاويات المعدة لتجميع الفضلات ولكنها اختفت لاحقًا ولم نعد نجد مكانًا مخصصًا للغرض مع انتشار الفضلات المنزلية في الشوارع"

تقول الحامدي خلال حديثها لـ"ألترا تونس" إن "منطقة نعسان كانت تحتوي على العديد من الحاويات المعدة لتجميع الفضلات خاصة في الفترة التي تم فيها تفعيل مجلة الجماعات المحلية وازدهرت فيها ميزانيات البلديات فتم شراء الحاويات بالتالي كان الأهالي يتخلصون من النفايات المنزلية في مكان يحترم شروط السلامة وخصوصية المتساكنين  في الأحياء المجاورة لكن هذه الحاويات اختفت فجأة من جميع أنهج المنطقة"، مشيرة إلى أنها تساءلت عبر موقع فيسبوك في "مجموعة متساكني نعسان" عن المكان الذي يمكنها فيه التخلص من فضلاتها المنزلية خاصة وأن جميع شوارع المنطقة تحولت لمصبات عشوائية فتم إعلامها أن جميع الحاويات اختفت ولا وجود لأي مكان مخصص في الغرض ما عدا حاويات في البلدية".

وأضافت المتحدثة "تحركت بشكل عفوي وقررت التخلص من الفضلات في مقر البلدية احتجاجًا على الوضع البيئي المتردي بالمنطقة فما راعني إلا أن البلدية علمت بتحركي وأوصدت بابها في وجهي ووجه جميع المتساكنين وفي اليوم الثاني تمكنت من الدخول للمقر واصطحبت كيس الفضلات الذي كتبت عليه شعار "هزوني راني خنقتهم" وأعلمتهم بأني سأكرر العملية بشكل يومي كحركة احتجاجية حتى إيجاد حل جذري لهذه المعضلة لكن أحد العاملين بالبلدية منعني ورغم ذلك أصر على إعادة الكرة يوميًا".

 

النفايات المنزلية

الحامدي: "اصطحبت كيس الفضلات الذي كتبت عليه "هزوني راني خنقتهم" وأعلمتهم بأني سأكرر العملية بشكل يومي كحركة احتجاجية حتى إيجاد حل جذري"

 

 

وبينت الحامدي أن ما دفعها للاحتجاج هو الوضع الكارثي بالمنطقة وإحساسها بالذنب عند التخلص من الفضلات أمام المنازل والمحلات والأماكن التي يلعب فيها الأطفال خاصة وأن الفضلات المنزلية يمكن أن تشكل خطرًا إذا ما احتوت على أدوية أو ما شابه، مبينة أن أهالي المنطقة يعمدون إلى سياسة "الرمي والفر" لأن المتساكنين المتضررين من أكداس الفضلات يحتجون دائمًا على تحويل واجهة منازلهم إلى مصبات عشوائية. 

مريم الحامدي، من متساكني نعسان، لـ"الترا تونس": ما دفعني للاحتجاج بهذه الطريقة هو الوضع الكارثي بالمنطقة والإحساس بالذنب عند التخلص من الفضلات أمام المنازل والمحلات والأماكن التي يلعب فيها الأطفال

ولفتت المتحدثة إلى أن منطقة نعسان تنقسم إلى جزأين، جزء تابع لبلدية نعسان والآخر لبلدية المروج الثالث ومع ذلك عجزت البلدتين عن احتواء فضلات المنطقة رغم تمتعهما بالضرائب ومعاليم "الزبلة والخروبة" كما تم التخلي عن حملة "جهر البالوعات" التي تسبق عيد الأضحى لتفادي السيناريو الكارثي لانسدادها مشددة على أن البلدية متخاذلة في القيام بدورها على جميع الأصعدة حتى في مجال الإنارة العمومية. 

وختمت مريم الحامدي بالتأكيد أن المعلومات التي استقتها تفيد أنه تم بيع الحاويات للمصانع كما أشارت إلى أنها لم تتلق أي رد أو تفاعل من البلدية وأنها مواصلة في تحركها الاحتجاجي ومن المنتظر أن تعمل على استبيان يبين بالأرقام عدد المواطنين الذين يتخلصون من فضلاتهم في مصبات عشوائية بالمنطقة، داعية جميع أهالي المنطقة إلى تبني الحركة الاحتجاجية والمطالبة بحقوقهم في بيئة نظيفة. 

مريم الحامدي، من متساكني نعسان، لـ"الترا تونس":  علمت أنه تم بيع الحاويات للمصانع ولم أتلق أي رد أو تفاعل من البلدية وسأواصل تحركي الاحتجاجي

 

فضلات منزلية

مواطنة من نعسان: أدعو جميع أهالي المنطقة إلى تبني الحركة الاحتجاجية والمطالبة بحقوقهم في بيئة نظيفة. 

 

  • تكدس الفضلات.. معضلة تؤرق التونسيين 

تشهد كل المدن التونسية تقريباً إشكالاً بيئيًا خطيرًا يتمثل في تكدس الفضلات الصلبة في كل مكان وانتشار المصبات العشوائية داخل الأحياء الشعبية وأمام المنازل والمحلات مما يتسبب في انبعاث روائح كريهة وانتشار الديدان والبعوض علاوة على أن أكداس النفايات تستقطب الحيوانات السائبة كالكلاب وحتى الخنازير في بعض المناطق المحاذية للجبال مما يمثل خطرًا على سلامة المواطنين.

وفي ظل عجز معظم البلديات عن مجابهة هذه المعضلة، يضطر التونسيون إلى التخلص من النفايات عن طريق الحرق وذلك بهدف وضع حد للروائح المنبعثة منها وهو ما يضعنا أمام إشكال آخر أكثر تعقيدًا يتمثل في انتشار الغازات السامة التي تضر بصحة كل من يستنشقها وكذلك توسع رقعة الحريق في كثير من الأحيان ليطال حتى الممتلكات الخاصة. 

يضطر التونسيون إلى التخلص من النفايات عن طريق الحرق وذلك بهدف وضع حد للروائح المنبعثة منها وهو ما يضعنا أمام إشكال آخر أكثر تعقيدًا

وترزح تونس تحت وقع أزمة رفع الفضلات منذ سنوات وقد تعددت وتشعبت أسبابها ولعل أبرزها ضعف سياسة إدارة النفايات والاقتصار على الحلول التقليدية المتمثلة في التخلص من النفايات عبر الردم وعدم استغلالها في التثمين والتدوير علاوة على أن أغلب المصبات المراقبة بلغت طاقتها القصوى ولم تعد قادرة على احتواء المزيد من النفايات. في المقابل، تشكو بلديات عدة من ضعف الميزانيات المرصودة لعمليات الجهر والتنظيف وافتقارها للمعدات اللازمة والكافية لرفع النفايات من المجال البلدي التابع لها.    

إن اجتياح النفايات للمدن وغرق الأحياء السكنية في الفضلات المنزلية كانا السبب الرئيسي في تحريك الاحتجاجات في العديد من المدن ولعل أبرزها تلك التي شهدتها محافظة صفاقس عقب استنفاد المصبات بالمنطقة طاقة استيعابها القصوى وانتشار الفضلات في كامل المدينة وكذلك رفض أهالي المحافظة تحويل مدنهم إلى مكبات نفايات مخافة تلوث الهواء والماء والتربة. 

 

 

ورغم إحداث تونس للوكالة التونسية للتصرف في النفايات سنة 2005 بغية التحكم في جميع أنواع النفايات سواء المنزلية أو الصناعية وحتى الطبية وسنها لترسانة من القوانين والبرامج المتعلقة بمراقبة النفايات والتصرف فيها فإن تنامي إنتاج تونس من النفايات وعدم تثمينها ظلا عائقين رئيسيين أمام نجاعة الخطط المرصودة في مجال النفايات.

اجتياح النفايات للمدن وغرق الأحياء السكنية في الفضلات المنزلية كانا السبب الرئيسي في تحريك الاحتجاجات في العديد من المدن ولعل أبرزها تلك التي شهدتها صفاقس

وتتعمق معاناة التونسي مع تكدس الفضلات خاصة في فصل الصيف الذي تساهم حرارته في سرعة تعفن النفايات ويكثر فيه انتشار البعوض والزواحف كما تتضاعف الإشكاليات المتعلقة بعدم رفع الفضلات في الأعياد والمناسبات لعل أبرزها عيد الأضحى الذي تتضاعف فيه الفضلات عشر مرات.

ويضطر التونسيون في هذا العيد إلى التخلص من النفايات المنزلية التي تتغير تركيبتها فتصبح متكونة من جلود الخرفان وفضلات المواشي وغيرها وهي مواد سريعة التعفن وعدم رفعها في الحين يشكل خطورة على البيئة والصحة وهو ما تنبه له وزارة الصحة بصفة دورية والتي تدعو في كل مرة المواطنين إلى عدم إلقاء فضلات عيد الأضحى بطريقة عشوائية.  

  • النفايات في تونس ثروة مقبورة

تُوجه انتقادات عدة لسياسات تونس في التعامل مع النفايات المنزلية التي يتم التخلص من أغلبها عن طريق الطمر في باطن الأرض وهو ما يؤثر سلبًا على المياه الجوفية وجودة التربة في حين أن جل البلدان الأوروبية وحتى المجاورة قطعت أشواطًا هامة في مجال تثمين النفايات وتدويرها.

تُوجه انتقادات عدة لسياسات تونس في التعامل مع النفايات المنزلية التي يتم التخلص من أغلبها عن طريق الطمر في باطن الأرض وهو ما يؤثر سلبًا على المياه الجوفية وجودة التربة

وقد اعتبر الخبير البيئي عادل الهنتاتي أن النفايات تتكون من مواد عضوية وبلاستيكية وحديدية وقرطاسية ونسيج ومعادن ونفايات بناء ونفايات مستشفيات بالإمكان رسكلتها وتثمينها في إطار الاقتصاد الدائري لكن في تونس يتم خلطها في حاويات وترفعها البلديات للتخلص منها في المصبات والتي يبلغ عددها 13  مصبًا وتكلفت ميزانية إنشائها على البلاد  100 مليون دينار. 

ولفت الهنتاتي في حديثه لـ"الترا تونس" إلى أن هذه المصبات ليست الطريقة المثلى للتخلص من النفايات لأن عملية التثمين تستوجب فرز كل مادة لتثمينها بالطريقة التي تلائمها وقد عمدت العديد من الدول على غرار أمريكا واليابان وألمانيا إلى القيام بعملية الفرز في المنازل لتسهيل عملية التثمين.

الخبير البيئي عادل الهنتاتي لـ"الترا تونس": المصبات ليست الطريقة المثلى للتخلص من النفايات لأن عملية التثمين تستوجب فرز كل مادة لتثمينها بالطريقة التي تلائمها

وبيّن المتحدث أن حوالي 65 أو 75 بالمائة من النفايات التونسية هي عضوية وهي مواد سهلة التثمين وتم القيام بتجارب في مشاريع نموذجية لتحويلها لسماد يستعمل في الأراضي السقوية واستخرجت منها الطاقة أيضًا ورغم نجاح هذه التجارب لم يتم تطبيقها، مضيفًا "حتى الفرز الانتقائي في المنزل كنا قد قمنا بتطبيقه سنة 1994 في منطقة حي الخضراء وتم تسخير 3 حاويات في كل منطقة للمواد العضوية والبلاستيكية والمواد الأخرى وانخرط المواطن التونسي في جهود الفرز إلا أن البلدية عند رفعها لهذه الحاويات تقوم بخلطها في مصب برج شاكير وبالتالي ضاعت كل الجهود لأن المصب يستقبل أطنانًا من الفضلات يوميًا ويتم ردمها تحت الأرض الشيء الذي يتسبب في انبعاث روائح كريهة ويضر بالمائدة المائية والتربة".

وأكد عادل الهنتاتي، خلال حديثه لـ"الترا تونس"، أنه بعد 15 سنة من إنشاء هذه المصبات التي تنتهج سياسة الردم الأعمى باستحالة التثمين، أصبحت مصدر إزعاج للسكان المحاذين الذين يطالبون بإغلاقها، مشيرًا إلى أن النفايات المنزلية أصبحت مشكلًا كبيرًا في تونس والسبيل الوحيد لاحتوائها هو إنشاء مراكز تثمين نفايات مع انتهاج سياسة الفرز المنزلي.  

الخبير البيئي عادل الهنتاتي لـ"الترا تونس": النفايات المنزلية أصبحت مشكلًا كبيرًا في تونس والسبيل الوحيد لاحتوائها هو إنشاء مراكز تثمين نفايات مع انتهاج سياسة الفرز المنزلي

ولفت الخبير عادل الهنتاتي إلى أن جميع مناطق البلاد ما عدا محيط قصر قرطاج أصبحت مصبات عشوائية والحال أن إمكانيات البلديات في جمع النفايات من الأحياء ضعيفة جدًا.

جدير بالذكر أن أكداس النفايات أصبحت ملاذ العديد من العائلات محدودة الدخل التي اتخذت منها مصدر رزق يتمثل في تجميع المواد البلاستيكية أو المعدنية وبيعها للمصانع لكن هذه المهنة تظل محفوفة بالمخاطر لأن العاملين في هذا المجال والملقبون بـ "البرباشة" يتواجدون في أماكن يمكن أن تحتوي مواد خطرة دون أي حماية أو رقابة.