26-فبراير-2019

برنامج الأمان الاجتماعي يحيّن سجل الفقر في تونس (تيري ترونيل/Getty)

 

يعتمد المعهد الوطني للإحصاء في حساب نسبة الفقر على منهجية معينة تقوم على مرتكزات بعضها ثابت وبعضها متغير مثل حد الإنفاق، وتُحتسب نسبة الفقر كل 5 سنوات بحكم هذه المتغيرات. ووفق هذه المنهجية، يعتبر فقيرًا في تونس كل شخص ينفق 1085 دينار سنويًا في المدن الكبرى و1050 دينار في الوسط البلدي و952 دينار في الوسط غير البلدي.

وقد بلغ عدد الفقراء بعد تطبيق المنهجية سنة 2015 ما يقارب مليون و694 ألف فقير وهي نسبة مرتفعة، لكن من الفقراء من هم الأشد فقرًا والأكثر خصاصة وهو ما يدفع الدولة كل سنة في قانون المالية إلى رصد اعتمادات بعنوان مساعدات للعائلات المعوزة.

فيما صادق البرلمان، في الأثناء بتاريخ 16 جانفي/كانون الثاني 2019، على القانون الأساسي المتعلق بإحداث برنامج الأمان الاجتماعي وهو يهدف، وفق الحكومة، للنهوض بالفئات الفقيرة ومحدودة الدخل.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. المنظومة الصحية تنهار والإصلاح الجذري مفقود

ماذا يحمل قانون الأمان الاجتماعي؟

يعرّف القانون في بدايته الفئات الفقيرة أو محدودة الدخل بـ"الأفراد أو الأسر التي تشكو حرمانًا متعدد الأبعاد يمس الدخل والصحة والتعليم والسكن والنفاذ إلى الخدمات العمومية وظروف العيش". ويوكل للوزارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية وضع أنموذج تنقيط يعتمد أبعاد الحرمان المُشار إليها لتحديد الفئات المنتفعة ببرنامج الأمان الاجتماعي وتصنيفها إلى فئات فقيرة وفئات محدودة الدّخل.

ويأتي هذا البرنامج بعد إقرار وزارة الشؤون الاجتماعية أن سجل الفقر المعمول به منذ 1986 لم يعد صالحًا، ولذلك بات من الواجب تغييره، عدا عن تضمنه لعائلات لا تحتاج لمساعدات.

يأتي قانون الأمان الاجتماعي للفئات الفقيرة ومحدودة الدخل لتعويض سجل الفقر المعمول به منذ 1986

وقد خصصت ميزانية الدولة، لتنفيذ البرنامج الجديد، ما قيمته 687.9 مليون دينار أي ما يناهز 0.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام و 1.7 بالمائة من ميزانية الدولة لبرنامج الأمان الاجتماعي، كما رصد البرنامج 14 مليون دينار مخصصة للسنة الدراسية 2020/2019.

وقال رئيس الحكومة، في كلمة أمام مجلس نواب الشعب، إن برنامج الأمان الاجتماعي يقوم على ثلاثة محاور أساسية وهي دخل أدنى لكل عائلة تونسية، وتغطية صحية شاملة والمساعدة على توفير السكن اللائق. ويعتمد القانون في تطبيقه على تحيين سجلات الفقر، وقد تكفل بهذه المهمة، وفق وزارة الشؤون الاجتماعية، أكثر من 1500 أخصائي إجتماعي محلف تمكنوا من تسجيل أكثر من 540 ألف عائلة حتى الآن من جملة 900 ألف عائلة فقيرة ومحدودة في الدخل في تونس.

سجّل برنامج الأمان الاجتماعي إلى حدّ الآن 540 ألف عائلة من جملة 900 ألف عائلة فقيرة ومحدودة الدخل في تونس

لطفي الهذيلي، المكلف بمهمة في وزارة الشؤون الاجتماعية، أكد في تصريح إذاعي مؤخرًا أنه في تصريحه يوجد اليوم أكثر من 285 ألف عائلة تونسية تتمتع بالمنحة القارة (180 دينار شهريًا) وبالعلاج المجاني (البطاقة البيضاء والبطاقة الصفراء)، وذلك إضافة لأكثر من 622 ألف عائلة محدودة الدخل تتمتع بالعلاج بالتعريفة المنخفضة، مشيرًا إلى أن برنامج الأمان الاجتماعي يعطي الأولوية لهذه الفئات في عدد من الخدمات الأساسية.

وتتمثل هذه الخدمات بالخصوص في برنامج تحسين السكن، والمساعدات المدرسية في بداية كل سنة، والأولوية في التكوين المهني في إطار التمييز الإيجابي، والأولوية في برنامج التشغيل، وفي خدمات أخرى أخرى عدا أن البرنامج يقدم منحًا للعائلات المعوزة تتراوح ما بين 180 و240 دينار وتضاف 10 دنانير على كل طفل و20 دينار على كل طفل من ذوي الاحتياجات الخصوصية وذلك بالإضافة إلى المساعدات الموسمية.

توزيع المنتفعين ببرنامج الأمان الاجتماعي حسب نوع الخدمة المقدّمة

وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي قال إن قانون الأمان الاجتماعي يهدف إلى حماية الفقراء ومحدودي من النقص الذي يشوب المنظومة القانونية في تعريفها للفقر والآليات اللازمة لمقاومته، ووصف القانون بأنه "ثوري إذ يضبط حقوق الفقراء عبر خلق ثروة وإتاحة الفرصة لهم لرفع دخلهم بدلًا من تقديم معونات مالية لا تساهم في النهوض بأوضاعهم". وأشار أنه أصبح للفقراء مرجعية قانونية للمطالبة بحقوقهم وبات يتمتعون بالحق في مقاضاة الدولة لنيل تلك الحقوق.

ومن المنتظر أن يتم بعد الانتهاء من عمليات تحيين سجل الفقر، الشروع في توزيع بطاقات إلكترونية علاجية بداية من أفريل/نيسان القادم لتدخل المنظومة حيز النفاذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

اقرأ/ي أيضًا: باعة المشموم.. عندما يتحوّل الياسمين إلى خبز

تحفّظات على القانون.. هل هو مقدّمة لرفع الدعم؟

أثار قانون الأمان الاجتماعي، من جانب آخر، جدلًا في أوساط المعارضة والمجتمع المدني. رمضان بن عمر، المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يقول لـ"الترا تونس" إن برنامج الأمان الاجتماعي "هو خطوة أخرى في اتجاه سياسة رفع الدعم وتأبيد الفقر لدى عديد الفئات رغم النصوص المبهمة عن الاندماج والتمكين الاقتصادي وهو استجابة لسياسات المانحين الدوليين".

وأضاف قائلًا: "عوض معالجة الأسباب، يتجه هذا القانون لمعالجة النتائج ويلقي بأزمة الفقر على الفقراء ويرهن خروجهم من دائرة التهميش على عاتقهم" معتبرًا أن الفقراء والمهمشين في حاجة إلى سياسات عادلة تكرّس حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وتدمجهم وتجعل منهم قوة ازدهار وتطور، على حد تعبيره.

رمضان بن عمر (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية): قانون الأمان الاجتماعي خطوة أخرى في اتجاه سياسة رفع الدعم وتأبيد الفقر

حديث النائب عن الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي لا يختلف كثيرًا عن موقف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الهمامي أكد، في تصريحات سابقة، أن برنامج الأمان الاجتماعي "ليس إلا إملاءً جديدًا من صندوق النقد الدولي".

وأكد أن القانون ليس إلا مقدمة لرفع الدعم عن الفئات الفقيرة من أجل أن تستفيد منه الفئات الميسورة وفق قوله، كما استنكر النائب مبالغ المساعدات معتبرًا أنها لا تغطي حاجيات العائلات من المواد الأساسية ما يعني أنه لن تحصل استفادة كبرى في حال تم تطبيق القانون.

نواب معارضون أخرون أكدوا خلال جلسة المصادقة على القانون أنهم يرفضون القانون باعتباره تنفيذًا أيضًا لإملاءات صندوق النقد الدولي، وتمهيدًا لقطع الدعم عن الأسر الفقيرة، كما يفتح الباب أمام الفساد، إذ لا توجد قاعدة بيانات واضحة، ما يجعل إدراج المشمولين بالقانون مسألة تعود للأمزجة السياسية والمحاصصات، وفق قولهم. وقد اعتبر أحد هؤلاء النواب المصادقة على القانون بأنه "تمرير ناعم لرفع الدعم".

 هل يمكن القول إن قانون الأمان الاجتماعي بات يمثل مرجعية قانونية تسمح للفقراء بمطالبة الدولة بحقوقهم أمام القضاء؟

يمثل برنامج الأمان الاجتماعي فرصة لتحيين سجل الفقر للدولة التونسية وتحديث الإحصائيات الخاصة بالعائلات الفقيرة والمعوزة، وهو يهدف، مبدئيًا، إلى تحرير الفقر من المقاربة النقدية الضيقة ليرتقي به إلى الفقر متعدد الأبعاد باعتماد مؤشرات متعددة. ولكن هذا القانون لاقى انتقادات عدة تولد منها اتهامًا للدولة بالتخطيط لرفع الدعم. ويظل السؤال، في نهاية المطاف، هل يمكن القول إن قانون الأمان الاجتماعي بات يمثل فعلًا مرجعية قانونية تسمح للفقراء لمطالبة الدولة بحقوقهم أمام القضاء؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أحياء الآجر على ضفاف المدينة.. بوصلة الفقر في سوسة

آخر سكّان "الوكايل"... انتظار الموت تحت سقف متداعي؟!