توفيت طفلتان (توأم) حديثتا الولادة يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2019، في مستشفى ابن الجزار بالقيروان، بعد أن أقدمت عائلة الطفلتين على "تشليطهما" بواسطة شفرة حلاقة بهدف العلاج. وقد أذنت مندوبية حماية الطفولة بالجهة بفتح تحقيق وإعلام النيابة العمومية بهذه الجريمة التي أودت بحياة التوأم.
كما بيّن عمارة الجملي، مدير الصحة الوقائية بالمندوبية الجهوية للصحة بالقيروان، في تصريحات إعلامية أنّ "المستشفى المحلي بالعلا تلقى توأمًا في حالة حرجة، وقد تم إسعاف الرضيعة الأولى إلا أنها توفيت على عين المكان، فيما تم تحويل الرضيعة الثانية إلى مستشفى ابن الجزار بالقيروان، أين أجريت لها الاسعافات الضرورية لكنها لفظت أنفاسها الأخيرة هي الأخرى. وقد تمّ تحويل جثتي التوأم إلى قسم الطب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة". وأشار إلى أنّ الندبات التي تحملانها ليست في حالة تعفن، فيما كانت الطفلتان تعانيان من سوء التغذية نتيجة عجز الأم عن إرضاعهما لافتقارها للحليب.
اقرأ/ي أيضًا: الزواج في تونس: الشتاء وبرده أهون من الصيف ولهيب تكاليفه!
وقد أثبتت النتائج الأولية لتقرير الطب الشرعي أنّ وفاة التوأم ليست لها علاقة بعملية "التشليط" التي قامت بها أمهما بنية علاج تعكر حالتهما الصحية، إنما بسبب هبوط حاد في درجة الحرارة وهبوط السكري وسوء التغذية. إلا أنّ العديد تساءلوا عن سبب إقدام العائلة على مثل ذلك الفعل، وعن الهدف من عملية "التشليط" تلك، وما إذا كانت بالفعل نافعة للعلاج.
كان "التشليط" يستخدم سابقًا في عدّة علاجات على غرار التخفيض من ارتفاع ضغط الدم
وفاة الرضيعتين وما أثارته عملية "التشليط" ليست الحادثة الأولى من نوعها في تونس، فقد تكرّرت تلك الحالات التي استعملت فيها العائلات أنواعًا من العلاجات الغريبة على غرار ما حصل سنة 2017، إذ أقدمت عائلة من منطقة القيروان أيضًا على علاج طفل يبلغ من العمر 11 يومًا بواسطة شفرة حلاقة. وقد أكد خالد هلال طبيب اطفال ورئيس قسم الأطفال بمستشفى ابن الجزار بالقيروان أنّ الطفل كان يشكو من صعوبة في التنفس وعند إخضاعه للكشف تبين وجود أثار "تشليط" بشفرة حلاقة في كامل صدره و ظهره، مبرزًا أنّ "التشليط" عادة تستعملها العائلات في المناطق الريفية لعلاج الأطفال الذين يعانون من توعك صحي.
فهل يعرف أغلب التونسيون العادات الغريبة في العلاجات القديمة التي كانت تستخدم في بعض المناطق خاصة الريفية منها لعلاج عدّة أمراض؟ وهل لهم دراية فعلًا باستمرار اتباع بعض تلك الطرق في عدّة جهات نتيجة نقص الرعاية الصحية؟
كان "التشليط" يستخدم سابقًا في عدّة علاجات، على غرار التخفيض من ارتفاع ضغط الدم، إذ يقع تشليط منطقة الجبين بواسطة شفرة حلاقة، لخروج الدم والتخفيف من ارتفاع ضغط المريض، فيما استعمل التشليط أيضًا للتخفيض من درجة الحرارة أو علاج سوء التغذية لدى الأطفال خاصة. ويعتبر كعلاج مشابه للوخز بالإبر أو "الحجامة"، وفق ما تبيّنه لـ"ألترا تونس" فاطمة حاج علي (65 سنة) من منطقة سليانة، والتي كانت سابقًا تعالج بتلك الطريقة التي تقول إنّها غير قاتلة ولا تأثيرات سلبية لها. وتضيف أنه "لعلاج مرض ما يتمّ تشليط المكان المخصص لعلاج تلك العلّة. فسوء التغذية والخمول تتطلب تشليط الطفل في ظهره أو بطنه لتنشيط الدورة الدموية بالأساس". وأشارت إلى أنّ "سكان العديد من المناطق الريفية مازالوا يستعملون تلك الطريقة لعدّة علاجات نظرًا لغياب المؤسسات الصحية بالجهات الداخلية".
اقرأ/ي أيضًا: حالة "محسن" في سوسة.. وفاة دماغية أربكت الإطار الطبي
سوق العطارين.. بوابة العلاجات القديمة
سوق العطارين هو سوق ضارب في القدم، في بعض أزقة المدينة العتيقة بالعاصمة التونسية. يعتبر من بين أكبر وأشهر أسواق الأعشاب الطبية والعقاقير. يقدّم فيها البائع البضائع والنصائح وطرق العلاج. لن نتحدّث عن تلك الأعشاب التي تستعمل في العلاجات التقليدية، بل عن بعض تلك المواد التي تستعمل في بعض العلاجات المشابهة للحجامة على غرار بيع قرون الثيران أو أشجار البامبو التي تكون أغصانها جوفاء، لاستعمالها مكان الأواني الزجاجية التي تستعمل في الحجامة، إذ يقع تشليط بعض المناطق في الجسم ووضع قرون الثيران أو غصن أجوف عليها لشفط الدماء من تلك المنطقة، أو عن طريق حرق قطعة من القطن أو الصوف أو الورق داخل الكأس وضوعه فوق المنطقة التي تمّ تشليطها.
وتختلف مواضع التشليط باختلاف الهدف منها، فمثلًا التشليط تحت الذقن يكون بهدف علاج أمراض اللثة ووجع الأسنان، وفي الرأس لعلاج رمد العين وحمرتها، أو آلام الرأس، أو على مستوى عضلة الساق لعلاج آلام المفاصل، وغالبًا يقوم بتلك الطرق العلاجية كبار المنطقة من العجائز أو الشيوخ ممن يقال إنّهم أصحاب خبرة وتجربة.
ربح (مواطنة تونسية) لـ"ألترا تونس": يُعالج من تعرض إلى صدمة نفسية أو موقف مرعب يجعله دائمًا يشعر بالخوف بالكي على مستوى الكتف
تبدو الطريقة مؤلمة وغريبة، وقد تكون بالفعل ذات نفع. ولكن استخدمت أيضًا طرق أخرى أكثر ألمًا على غرار الكي بواسطة قضيب حديدي مسطح يقع غالبًا تسخينه على الحطب وكي بعض مناطق من جسد المريض بهدف العلاج من آلام المفاصل أو لعلاج البرد أو علاج عرق النسا.
ولكن حتى بعض الذين عانوا صدمة نفسية أو موقف مرعب، يقومون بكيه خاصة على مستوى الكتف للحد من تأثير تلك الصدمة. وتوضح ربح (72 سنة) من منطقة الروحية، لـ"ألترا تونس"، أنه بالفعل يُعالج من تعرض إلى صدمة نفسية أو موقف مرعب يجعله دائمًا يشعر بالخوف، بالكي على مستوى الكتف بواسطة قضيب حديدي يقع تسخينه جيدًا على الفحم أو الحطب، مضيفة أنّ هذه الطريقة مازالت تستخدم اليوم في العديد من المناطق حتى الحضرية.
وتضيف محدثتنا أنّ "التشليط" يستخدم لعلاج أغلب الأمراض، إذ يمكن علاج الصلع عبر تشليط فروة الرأس وطلائه بدماء القنفد بعد ذبحه أو بحرق جلد وأشواك القنفد ورش رماده على فروة الرأس بعد تشلطيها، إلى جانب علاج آلام الرأس عبر لف حبال على الرأس وتدويرها بطرقة مؤلمة على الرأس طيلة يومين، مؤكدة أنها طرق تستعمل إلى اليوم ولا آثار سلبية لها، تصيب أحيانًا في علاج بعض المرضى وتفشل أحيانًا أخرى، حسب تعبيرها.
ورغم تطور الطب في تونس، لا يزال الكثير من التونسيين يلجؤون إلى الطب الرعواني بحثًا عما يعتقدون أن الطب عاجز عن تقديمه لهم أو ربما عن سبل علاج تكاليفها أقل من العلاج في المصحات والمستشفيات، خصوصًا في ظل ما يعانيه قطاع الصحة العمومية في تونس، الأمر الذي قد يجعلهم لتداعيات صحية خطيرة يمكن أن تؤدي في بعض الحالات إلى وفاتهم.
اقرأ/ي أيضًا: