11-مارس-2021

أزمة الصحف الورقية ألقت بضلالها أيضًا على عمل فناني الكاريكاتور (الصورة لفنان الكاريكاتور رشيد الرحموني)

 

يعدّ فن الكاريكاتير من الفنون القديمة التي برزت أكثر مع ظهور الصحف الورقية، لأنّه فن ارتبط أساسًا بمحاكاة قضايا وتحولات سياسية واجتماعية واقتصادية، عبر التعبير عن الوضع العام بطريقة هزلية، أو وصف ظاهرة ما أو قضايا إنسانية ما بطريقة ساخرة. وأصبح الكاريكاتور من بين أبرز الفنون الناقدة بأسلوب جريء لكن بطريقة مضحكة وبلهجة تهكمية. وببعض خطوط بسيطة، يمتلك فن الكاريكاتير القدرة على ترجمة مشاغل الناس بطريقة ساخرة، وعلى ممارسة النقد ببلاغة عالية تفوق أحيانًا الكلمات. 

ولرسومات فناني الكاريكاتور القدرة على التعبير والنقد بما يضاهي حتى أبرز وأقوى المقالات الصحفية وربما تختصر بعض رسوماتهم الكثير مما قد يقال في العديد من المقالات الصحفية لأنّه فن يعتمد أساسًا على مواهب الرسامين والمخزون الثقافي والمعرفي لكل فنان منهم، وعلى اطلاعهم على مشاغل الناس السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

كان فن الكاريكاتير في تونس حاضرًا بشكل كبير في العديد من الصحف التونسية، لكنّه كان مقيّدًا بخطوط حمراء مثلما قيّد نظام المخلوع بن علي كلّ أشكال التعبير الحرّة

وربّما عُرف الكاريكاتور في البداية بذلك الرسم الذي يغيّر ملامح الأشخاص ويُحرّف تفاصيلها دون أن يُفقد الشخصية خصائصها ومميزاتها ويقدّم بعض الشخصيات في صورة مضحكة ساخرة. أو ذلك الفنّ الذي يقدّم صورة مبالغة نوعًا ما هدفها تحريف بعض ملامح ومميزات شخص أو جسم ما، بغية السخرية أو نقد الشخصية في حدّ ذاتها. لكن الكاريكاتور تجاوز ذلك بكثير منذ سنوات وباتت لمبدعيه القدرة على النقد والتعبير عن العديد من القضايا بطريقة خاصة، وبفن هزلي يختصر أحياناً آلاف الكلمات. 

وقد استخدمت كلمة كاريكاتور لأول مرة في القرن السابع عشر، وبرز العديد من فناني الكاريكاتور في العالم، كسبوا شهرتهم خاصة عبر الصحف والمجلات تلك المحامل التي وجدوا فيها فضاء لنشر أفكارهم والتعبير عن قضايا بلدانهم واختزال الأخبار بطريقة ساخرة. وباتت الصحف بمثابة معرضهم الدائم الذي يعرضون فيه أفكارهم بشكل يومي أو أسبوعي.  

لكن واجه رسامو الكاريكاتور أيضًا الأنظمة القمعية التي لم تقمع فقط الكلمة الحرة بل حتى ريشة الفنانين والرسامين النقاد وواجهوا أيضًا السجن بسبب تعبيرهم عن القضايا السياسية ونقد أنظمة بلدانهم بطرق ساخرة. ولعل ناجي العلي بطبيعة الحال أشهر رسامي الكاريكاتور في العالم العربي الذي جسّد الطفل في شخصية حنظلة، ليعدّ من بين الرواد الذين سخروا هذا النوع من الفن في نقد الواقع والتعبير عن القضايا السياسية في العالم العربي بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص. 

اقرأ/ي أيضًا: صحفيو تونس.. صراع الحريات والإرهاب

كان فن الكاريكاتير في تونس حاضرًا بشكل كبير في العديد من الصحف التونسية، لكنّه كان مقيّدًا بخطوط حمراء مثلما قيّد نظام المخلوع بن علي كلّ أشكال التعبير الحرّة والنقدية ثم كان للثورة الأثر الكبير على رسّامي الكاريكاتير، ولا يزال العديد منهم يصرون على إكمال ما انطلق من خلال ثورة الياسمين، لكن بالريشة والألوان والأفكار الساخرة.

كان للثورة الأثر الكبير على رسّامي الكاريكاتير، ولا يزال العديد منهم يصرون على إكمال ما انطلق من خلال ثورة الياسمين، لكن بالريشة والألوان والأفكار الساخرة

ويعدّ رشيد الرحموني من بين أشهر رسامي الكاريكاتور في تونس. ولم يتقيد بنقد الأوضاع السياسية والاجتماعية في الصحف فقط، بل باتت مواقع التواصل الاجتماعي فضاء لنشر أفكاره بطرق ساخرة. 

يقول الرحموني لـ"ألترا تونس" إنّه اشتغل في فن الرسم الكاريكاتيري منذ كان عمره 23 سنة، في عدّة صحف قبل الثورة لكن المجال فُتح أكثر بعدها خاصة بعد اكتساب هامش كبير من حرية التعبير والقدرة على نقد جميع القضايا السياسية والاجتماعية دون قيود"، موضحًا أنّ "فنان الكاريكاتور قادر على اختزال موضوع واحد أو عدّة مواضيع في صورة واحدة، لاسيما وأنّ التونسي لم يعد يطالع كثيرًا الصحف أو يقرأ المقالات الطويلة، لكنّ الكاريكاتور يختزل آلاف الكلمات. وقد انتشر هذا الفنّ كثيرًا بعد الثورة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. وبحكم اطلاعنا على الوضع العام ومشاغل الناس نحن نترجم مشاغلهم وأفكارهم في صور ساخرة تعبّر عنهم". 

ويضيف الرحموني أنّ "العديد من صوره باتت تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعرض من قبل العديد من الجمعيات وفي عديد المعارض. كما شارك في 84 معرضًا بعد الثورة، آخرها نهاية السنة الماضية حول جائحة كورونا. وقد لقيت المعارض إقبالاً كبيرًا من قبل المواطنين وحتى بعض الفنانين والرّسامين"، وفق تقديره. 

رشيد الرحموني (فنان كاريكاتور) لـ"ألترا تونس": التونسي لم يعد يطالع كثيرًا لكنّ الكاريكاتور يختزل آلاف الكلمات وقد انتشر هذا الفنّ كثيرًا بعد الثورة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي

رسوم كاريكاتورية للفنان رشيد الرحموني

 

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "فنانو تونس".. محاولة أنطولوجية لرسم معالم الفنون التشكيلية التونسية

من جانب آخر، يشير رسام الكاريكاتور أسامة برداوي لـ"ألترا تونس" أنّ "رسام الكاريكاتور يمكن أن يختزل مقالاً كاملاً في صورة بسيطة. وبصورة واحدة يعالج قضية ويعبر عن مشاغل الناس بالرسم الساخر. لكن الناس أو معظمهم يعتبرون فن الكاريكاتور مجرّد مزحة".

ويوضح برداوي "حرية التعبير متوفرة اليوم بفضل الثورة واكتسبنا هامشًا كبيرًا من حرية التعبير، وباتت لدينا اليوم مساحة أكبر، لكنّها مساحة مقيّدة أيضًا ببعض الضوابط، فالعديد من المؤسسات الصحفية لديها توجهات أو ميول سياسية معينة قد تقيّد رسام الكاريكاتور،  ليجد نفسه في كثير من الأحيان غير قادر على التعبير عن فكرته كاملة". 

يقول فنان الكاريكاتور برداوي "نحن نعيش أيضًا في مجتمع عربي مقيّد كذلك ببعض الأفكار والعادات والتقاليد والأعراف ومخلفات دينية واجتماعية تسيطر على فكرنا لذا لا نملك حرية مطلقة ولا نستطيع التعبير عن أفكارنا بحرية تامة". 

على صعيد آخر، أشار أسامة إلى أنّ "رسام الكاريكاتور لا ينتمي إلى نقابة الصحفيين ولا نقابة الرسامين كما أنّ وسائل الإعلام تُغيّب رسام الكاريكاتور وغالباً يعرضون رسم الكاريكاتور دون الاهتمام بصاحب الرسمة، بل فقط بمضمونها"، كما أضاف أنّ "رسام الكاريكاتور في تونس لا يتمتع بأي منح أو دعم  على غرار الرسامين التشكيليين. كما أنّ الرسام قادر على بيع لوحاته في المعارض لكن رسام الكاريكاتور غير قادر على ذلك لأن الناس لا تُقبل غالبًا على شراء لوحة ساخرة".  

أسامة برداوي (فنان كاريكاتور) لـ"ألترا تونس":  البعض يعتبر فن الكاريكاتور مجرّد مزحة كما أن رسام الكاريكاتور لا ينتمي إلى نقابة الصحفيين ولا نقابة الرسامين والعديد من وسائل الإعلام تُغيّبه

من جهة أخرى، أشار محدث "ألترا تونس" إلى "وفاة العديد من رسامي الكاريكاتور دون الحديث عن وفاتهم أو عرض مسيرتهم الفنية أو حتى نشر خبر الوفاة في تجاهل تام لقيمتهم الإبداعية". 

ولارتباط هذا الفنّ أساسًا بالصحف والمجلات فإنّ أزمة الصحف الورقية ألقت بضلالها أيضًا على عمل فناني الكاريكاتور ممن وجدوا في الصحف فضاء لعرض رسوماتهم. وشكلت أزمة الصحافة الورقية عائقاً ونقلة نوعية في مصير رسامي الكاريكاتير، بين من لجأ إلى العمل في مهن أخرى وترك هذا الفنّ، وبين من استطاع نقله من الورقي إلى الإلكتروني والعمل في بعض الصحف الإلكترونية أو نشر صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

رسوم كاريكاتورية للفنان أسامة برداوي

 

اقرأ/ي أيضًا:

معرض المصّور زكرياء الشائبي.. في غفلة من الحياة تستبدّ الحركة بالفوتوغرافيا

مدرسة تونس للفنون التشكيلية.. علامة فارقة وتاريخ خالد