29-يناير-2019

هجمة إسرائيلية على الشطرنج التونسي (صورة تقريبية/ دونات سوروكين/ TASS)

 

 

لعبة الشطرنج تعتبر إحدى أقدم الممارسات الترفيهية التي عرفتها البشرية عبر التاريخ وأكثرها انتشارًا في العالم. وقد دخلت تونس منذ قرون عن طريق التبادل التجاري وزيارات الوفود الدبلوماسية الأجنبية وأسفار الطبقات الأرستقراطية لكنها لسنوات طويلة ظلّت لعبة الأعيان بالحواضر والمدن وعائلات الحكم والأغنياء ووسيلة ترفيه المثقفين والموظفين في المقاهي والأندية الخاصة بهذه اللعبة التي أخذت في الانتشار والتشكل في النصف الأول من القرن العشرين على غرار نادي دار الجلد. لكن رواجها الحقيقي تم بواسطة الجامعات والمدارس ورياض الأطفال عندما أصبح التعليم نظاميًا في تونس وأيضًا عن طريق مؤسسات دور الثقافة والشباب ليتحول إثر ذلك إلى رياضة واضحة المعالم سنة 1960 وهو تاريخ نشأة الاتحاد التونسي للشطرنج.

رياضة الشطرنج تثابر في صمت مع صعوبات عديدة تعاني منها أغلب الرياضات أمام هيمنة كرة القدم

اقرأ/ي أيضًا: حول استقبال إسرائيلية ببطولة العالم.. الجامعة التونسية للشطرنج توضح

هذه الرياضة لم ينقطع وصلها مع التونسيين إلى اليوم بالرغم من أنها تكاد تكون لا مرئية لضعف الرعاية الإعلامية التي تستحوذ عليها عادة الرياضات الجماعية الأخرى وخاصة رياضة كرة القدم. الشطرنج في تونس تدير أنشطته الآن الجامعة التونسية للشطرنج، فنجد له بطولات محلية وأندية جهوية وأندية نخبة لكل الأصناف. كما لهذه اللعبة تتويجاتها ونجومها ومشاركاتها القارية والإقليمية والدولية.

رياضة الشطرنج تثابر في صمت مع صعوبات مثيلة تعاني منها أغلب الرياضات أمام هيمنة كرة القدم لكن هذه الرياضة عادت إليها الأضواء قليلًا وعلى غير العادة طفى الشطرنج التونسي على السطح  بعد الهجمة الإعلامية الدولية التي تعرض لها من قبل إسرائيل التي سعت لتأليب الرأي العام الدولي ضد تونس وروجت أن بطلتها في صنف المدارس " لئيل ليفيتانا " منعت من المشاركة في بطولة العالم للمدارس، ثاني أهم تظاهرة شطرنجية في العالم بعد الأولمبياد الدولي للشطرنج، والتي كانت تونس ستحتضنها سنة 2016 وتم تأجيلها من قبل الاتحاد الدولي للشطرنج بسبب العملية الإرهابية التي جدت حينها بمدينة بسوسة.

وذهبت الأقلام التي أجرتها إسرائيل إلى حدّ تشويه تونس. وتعالت التصريحات السياسية الإسرائيلية المسيئة لتونس ودعت إلى حرمانها من تنظيم التظاهرة ودعوة الاتحاد الدولي للشطرنج إلى معاقبتها. وكان حينها المتحدث باسم رئاسة الحكومة الإسرائيلية قد استنكر منع الطفلة البطلة من دخول تونس والمشاركة في البطولة الدولية.

لكن بعد أخذ وردّ، قرر الاتحاد الدولي للشطرنج منذ سنة 2018 تحويل وجهة بطولة العالم للمدارس التي يشارك فيها عادة أكثر من 2500 تلميذ من أغلب دول العالم إلى دولة تركيا وإقرار تنظيمها خلال سنة 2019 وبذلك يتم حرمان تونس من تنظيمها، وهو ما اعتبر مسًّا من هيبة الدولة التونسية وانتصارًا رمزيًا لإسرائيل التي تسعى إلى أن تطبّع نفسها عنوة مع الدول العربية من خلال مثل هكذا تظاهرات رياضية أو ثقافية أو اقتصادية.

وعلى إثر هذا القرار الذي اتخذه الاتحاد الدولي للشطرنج فسّر الأمر على أنه حل دبلوماسي أقدمت عليه تونس حتى تتجنب مأزق المشاركة الإسرائيلية.

خالد عرفة (رئيس الجامعة التونسية للشطرنج) لـ"ألترا تونس": الاتحاد الدولي للشطرنج قرر منح تركيا شرف تنظيم التظاهرة لأسباب أمنية بدرجة أولى

أيضًا هناك من ذهب إلى أن تونس قادت حملة ترويجية داخل القارة الإفريقية ساندت من خلالها ترشح نائب رئيس الوزراء الروسي أركادي فوركوفيتش لرئاسة الاتحاد الدولي للشطرنج وفاز بها فعلًا وهو ما لم يرق لبعض الدول ومنها إسرائيل ومن أجل ذلك شنّت الحملة على تونس.

كل هذه التساؤلات وكل هذا الغموض حملها "ألترا تونس" لرئيس الجامعة التونسية للشطرنج المحامي خالد عرفة، الذي استغرب هذه التأويلات "لأحداث أقل ما يقال عنها أنها عادية جدًا"، حسب تعبيره.

وأوضح عرفة أن إسرائيل قامت بعملية استباقية مقابل عدم تسرع تونس والتزامها بقوانين الإتحاد الدولي للشطرنج حيث أن حملة التشويه التي طالت تونس هي مجانية وعمل لوبيات في إطار مصالح ذاتية ضيقة لتونسيين وأجانب أرادت إسرائيل الاستفادة منها وتوظيفها لصالحها، مضيفًا أن تونس لم تمنع الطفلة الإسرائيلية من القدوم  لأن باب الترشحات للبطولة الدولية لم يفتح أصلًا.

وبيّن رئيس الجامعة التونسية للشطرنج أن الاتحاد الدولي قرر منح تركيا شرف تنظيم التظاهرة لأسباب أمنية بدرجة أولى وتواصل التهديدات الارهابية وضعف الاعتمادات المادية المخصصة لاحتضان بطولة العالم للمدارس بدرجة ثانية، نافيًا أن تكون تونس ساندت الرئيس الحالي للاتحاد الدولي من خلال حملة ترويجية بالقارة الافريقية ومعتبرًا أن ذلك من باب الإشاعات المغرضة الهدف منها التشويه لا غير خاصة بعد تولي الطاهر بطّيخ رئيس الجامعة الأسبق لمهام نائب رئيس الاتحاد الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: الاتحاد التونسي للشطرنج يتعرض للضغط من أجل استقبال "إسرائيلية" في بطولة العالم

خالد عرفة لـ"ألترا تونس": استقالات مدربي النخبة للشطرنج كان في إطار فتح باب الترشح لتجديد الطواقم الفنية الخاصة بفرق النخبة

وردًا على سؤال "ألترا تونس" حول الاستقالات المتتالية لمدربي فرق النخبة ولأعضاء من المكتب الجامعي، بيّن خالد عرفة أن الاستقالات التي أقدم عليها بعض أعضاء المكتب الجامعي لم يتم النظر فيها بعد وأوعز أسبابها للجانب الشخصي.

وبخصوص استقالات مدربي النخبة، أوضح رئيس الجامعة التونسية للشطرنج أنها ليست استقالات وإنما هو فتح باب الترشح لتجديد الطواقم الفنية الخاصة بفرق النخبة الوطنية الشطرنجية.

إن رياضة الشطرنج في تونس تعيش اليوم بفضل عزيمة الشطرنجيين أنفسهم وشغفهم والتفافهم العفوي حول هذه اللعبة العريقة والعتيقة وتحقيقهم للعديد من التتويجات القارية والإقليمية والدولية التي تفخر بها تونس أبد الدهر، ولكي لا يقال إن هذه اللعبة النبيلة في وضعية " كش مات"، وذلك بالنظر لإمكانياتها المادية المحدودة، فإن وزارة شؤون الشباب والرياضة مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تدعم الشطرنج وتساعده بسخاء. كما أن الإعلام التونسي الذي لم يخض المعركة مع اللوبيات الإعلامية الإسرائيلية في الهجمة الأخيرة التي تعرض لها الشطرنج التونسي مطالب هو الآخر بالتفاتة ومساندة إعلامية كلما اقتضى الأمر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الخربقة.. لعبة أجداد التونسيين للتسلية والتفكير

لعبة "البلانات".. الإدمان الخفيّ من أجل الربح السريع