"زواج العمر تحبلو تدبير السنين"، هو أحد الأمثال الشعبية التونسيّة التي تعبّر عن أهميّة التخطيط للزواج عند التونسيين منذ القدم. ولئن تعدّدت مراحل هذا "التدبير" وتعقّدت تفاصيله إلّا أنّ اختيار الموعد المناسب يعتبر مفصليًّا لارتباطه الوثيق بمواعيد قاعات الأفراح وتوفّر مراكز التجميل، بالإضافة إلى بعض التفاصيل الشخصيّة للعائلتين.
ويعتبر فصل الصيف وفصل الربيع من الأوقات التي عادة ما يحبّذ الجميع الارتباط بهم. ومع ذلك فإنّه في السنوات الأخيرة برزت ظاهرة جديدة وهي اختيار فصل الشتاء للزواج رغم برودة الطقس وعدم تفرّغ جزء واسع من الأقرباء. فلماذا يلجأ بعض الشباب لاختيار هذا الموعد؟ وما مدى تناسب فصل الشتاء مع طقوس العائلات التونسيّة في أفراحها؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.
سامي (تونسي مقبل على الزواج) لـ"ألترا تونس": الخدمات رديئة في فصل الصيف بسبب كثرة الإقبال مما يجعل الجميع في ضغط ولا يقدّمون الأفضل لحرفائهم
رغم الأجواء الممطرة، وإلزاميّة إقامة الحفل في قاعات مغطّاة وبعض المشاكل التي قد تواجه الحضور، إلا أنّ العديد من الشباب يصرّون على اختيار فصل الشتاء لدخول القفص الذهبي. وتختلف الأسباب بين العروض الماديّة المغرية وإمكانية توفير عدد من المصاريف التي عادة ما تكون مشطّة في فصل الصيف.
وهناك من يرتبط زواجه بمواعيد سفر أو مواعيد عمل ممّا يجعل الأمر إلزاميًا وليس اختياريًا، على غرار الشاب سامي.ش الذي حدّد موعد زواجه في فيفري/ شباط 2020 بعد أن أجّله لمدّة سنتين بسبب ارتفاع المصاريف. ويتحدّث عن الأمر قائلًا "هذه المرّة الثالثة التي أحدّد فيها موعد زواجي. فقد اخترت فصل الصيف في المرتين الماضيتين لكن ولأسباب مختلفة وقع التأجيل ومن بينها أنّني وجدت التكاليف أقلّ بـ 30 في المائة من فصل الصيف وهذا ما شجّعني أنا وخطيبتي على اختيار هذا الموعد".
وأضاف سامي، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أنّه إلى جانب الأسعار، فإنّ الخدمات رديئة في فصل الصيف بسبب كثرة الإقبال مما يجعل الجميع في ضغط ولا يقدّمون الأفضل لحرفائهم، على حدّ تعبيره. وأكّد أنّ من أهم الأسباب لاختياره هذا الموعد هو تخفيضات وكالات الأسفار التي مكّنته من أن يحقق حلمه واختيار الوجهة التي يريد أن يقضي فيها شهر العسل بتكاليف أقل، وفق قوله.
وعن موقف عائلته من هذا الموعد، قال رامي إنّ عائلة خطيبته قد رفضت المبدأ في البداية لكنّه فرض الأمر عليهم "هو عرسي أنا موش عرس العائلة والي يحب يجي مرحبا والي يجب يتغطى ويتفرج في التلفزة مرحبا زادة".
أحمد غديرة (متعهد حفلات) لـ"ألترا تونس": تكاليف الزواج في الشتاء تقلّ بنسبة 15 في المائة إلى 20 في المائة مقارنة بتكاليف "عرس الصيف"
وفي نفس الإطار، يؤكد متعهّد الحفلات أحمد غديرة لـ"ألترا تونس" أنّ الإقبال على الزواج في فصل الشتاء في الماضي كان شبه منعدم ولكنّ هذه الظاهرة بدأت بالظهور منذ خمس سنوات، مضيفًا أنّ هناك العديد من العوامل ساهمت في ذلك من بينها موعد شهر رمضان والذي، منذ أصبح في فصل الصيف، بدأت العديد من العائلات باللجوء لأشهر الشتاء للاحتفال بمثل هذه المناسبات (أكتوبر/ تشرين الأول،رأس السنة الميلادية،عيد الحب..). وأكّد غديرة أنّهم يختارون موعد العطل المدرسية أو في عطلة نهاية الأسبوع.
وأضاف محدّثنا أن تكاليف الزواج في الشتاء تقلّ بنسبة 15 في المائة إلى 20 في المائة مقارنة بتكاليف عرس الصيف، مبينًا أنّ الأسعار المعروضة في مواسم الذروة هي أسعار فيها كثير من الاستغلال للحرفاء عكس أسعار موسم الشتاء والتي غالبًا ما تكون الأسعار الحقيقيّة، على حدّ تعبيره.
ومن جهة أخرى، قال أحمد غديرة إنّ سهرات الشتاء هي سهرات إشهارية تمهيدية للصيف لذلك لا يكون فيها الربح وفيرًا لأنّ الهدف منها جلب الحرفاء فيعنيه الظهور أكثر من الربح. وشدّد متعهّد الحفلات على ضرورة أن ينتبه العروسان لنوعيّة الخدمات المقدّمة في فصل الشتاء من قبل بعض الذين يخفّضون الأسعار مقابل خدمات ذات جودة أقل أو خدمات مغشوشة على غرار الفرق الموسيقيّة التي ينخفض عدد العازفين المحترفين فيها ويعوضونهم وبهواة. ويضيف "من المفروض أن تكون الخدمات أفضل في المواسم الأقل ذروة لأنّ الإقبال أقل".
معاذ بن نصير (باحث في علم الاجتماع) لـ"ألترا تونس": ينجذب بعض التونسيين للدراما الغربية وخاصة التركية منها التي تروج لمراسم الزواج خاصة في فصل الشتاء
من جهته، يرجع الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير تنامي ظاهرة الزواج في الشتاء مؤخرًا لعدة أسباب من بينها الجانب المادي، موضحًا أن هذا الفصل لا يعتبر ذروة موسم الزواج مقارنة بالصيف لذا تنخفض الأسعار بدرجة كبيرة كثمن اكتراء قاعة الأفراح واللباس والفرقة الموسيقية، وهو ما من شأنه أن يكون سببًا مباشرًا واستراتيجية خاصة بالزوجين تفاديًا للتكاليف الباهظة، على حدّ قوله.
ويؤكّد بن نصير لـ"ألترا تونس" أنّ البعض يحبذ أن لا يأتي الكثير من الحضور لحفل زواجهم ففصل الشتاء الذي يُعرف بتقلب المناخ والأمطار، لذا قد يكون عدد المستدعيين ضعيفًا جدًا، مضيفًا أنّ الزوجين يختاران هذا الفصل تفاديًا لزحمة النزل التي نجدها خلال الصيف والأسعار جد المرتفعة وبذلك يصبح بمقدورهما الاستمتاع بشهر العسل لفترة زمنية أطول.
ويقول الباحث في علم الاجتماع إنّه وفي إطار ثنائية التأثر والتأثير، ينجذب بعض التونسيين للدراما الغربية وخاصة التركية منها التي تروج لمراسم الزواج خاصة في فصل الشتاء وما يصاحبه هذا الفصل من وسائل ترفيه طبيعية ومناظر خلابة قد يستغلها الزوجان في شهل العسل مثل الثلوج والأمطار والمشهد اللندني الضبابي.
ويؤكد بن نصير أن عامل الخوف من الجرائم والعنف في فصل الصيف يلعب دورًا هامًا في هروب الطرفين من الزواج خلال تلك الفترة، فالصيف عُرف بارتفاع منسوب الجريمة، هكذا يختار الزوجين الشتاء الذي يُصنف كفصل الاستقرار الأمني والاجتماعي خاصة في تونس ما بعد ثورة 2011، وفق تصريحاته.