الترا تونس - فريق التحرير
انطلق الإنتاج الدرامي التلفزي في تونس مع نشأة التلفزيون العمومي في السيتينيات، ولكن ظل الإنتاج محدودًا عدديًا ومتفاوتًا في القيمة الفنية. لكن عرفت الدراما في تونس انطلاقتها الحقيقية عام 1991 ليبدأ من وقتها الإنتاج السنوي للمسلسلات إلى غاية اليوم، ولا يزال يرتبط هذا الإنتاج بالموسم الرمضاني حصرًا تقريبًا.
كيف نشأت الدراما التلفزية التونسية؟ أي وضعية تعرفها اليوم؟ ما معوقاتها ورهاناتها؟ هي أسئلة طرحها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-فرع تونس في دائرة مستديرة بمشاركة المخرج والمدير السابق للتلفزة التونسية حمادي عرافة، والممثل القدير فتحي الهداوي، وأستاذ التاريخ المعاصر عدنان منصر، وأستاذ علم الاجتماع والروائي نورالدين العلوي، في مناقشة أدارها مدير فرع المركز أستاذ علم الاجتماع المهدي مبروك.
اقرأ/ي أيضًا: 6 أسباب تفسّر: لم لا نتوقف عن مشاهدة مسلسل "شوفلي حل"؟
حمادي عرافة: اللهجة من معوقات انتشار الدراما التونسية
ينطلق المخرج والمدير السابق للتلفزة التونسية حمادي عرافة بالإشارة إلى أن التلفزيون التونسي أنتج أعمالًا درامية في فترة الستينيات والسبعينيات على غرار مسلسل "سارة" سنة 1972 من بطولة شافية رشدي ومسلسل "أمي تراكي"، وذلك بفضل جيل من المخرجين مثل عبد الرزاق الحمامي ورشيد فرشيو ومنصف لطيف ومحمد الحاج سليمان وغيرهم.
حمادي عرافة: مسلسل "الناس حكاية" عام 1991 مثل انطلاقة جديدة للدراما التلفزية في تونس بفضل اعتماد آلية المنتج المنفذ لأول مرة
وأوضح أن المشاهد التونسي بدأ بالتعرّف على الدراما السورية بفضل مسلسل "غوار الطوشة" سنة 1978، ثم توفر المجال للالتقاء بين المخرجين والمنتجين العرب بفضل اتحادات إذاعات الدول العربية.
وقال عرافة إن مسلسل "الناس حكاية" عام 1991 مثل انطلاقة جديدة للدراما التلفزية في تونس بفضل اعتماد آلية المنتج المنفذ لأول مرة وهو المسلسل الذي أنتجه أحمد بهاء الدين عطية، مبينًا أن هذه التجربة تكررت لاحقًا مع مسلسلات "الدوار" و"وردة" و"غادة". واعتبر أن هذه الآلية مكنت من تجاوز معوقات التصرف في المال العام الذي أعاق الإنتاج الدرامي.
وتحدث المخرج التونسي عن طفرة في الإنتاج الدرامي التلفزي من سنة 1990 إلى غاية 2007 تاريخ إلغاء الوكالة الوطنية للنهوض بالقطاع السمعي البصري، مشيرًا إلى أن الدراما عرفت أسماء كتاب بارزين مثل علي اللواتي ورضا قحام وعبد القادر الحاج نصر ثم في فترة لاحقة رفيقة بوجدي وهم كتاب سيناريو أعطوا دمًا جديدًا للتفزة التونسية.
وانتقد عرافة إلغاء الوكالة الوطنية للنهوض بالقطاع السمعي البصري بسبب وجود سوء تصرّف داخلها، مشيرًا إلى أنه كان من الأفضل إصلاحها بدل إلغائها.
ويتحدث أن من مشاكل الدراما التلفزية في تونس هو ضيق السوق بسبب قلة القنوات وثم بسبب عدم توفر الوسائل الإنتاجية رغم تعدد القنوات بعد الثورة، مشيرًا أيضًا إلى مشكل اللهجة لأنه لم يعط البعد الضروري لانتشار الإنتاج التونسي وفق تأكيده.
فتحي الهداوي: التمثيل ليس مهنة في تونس
الفنان القدير فتحي الهداوي، الذي يُعتبر أكثر ممثلي الدراما التلفزية جماهيرية طيلة المواسم الأخيرة، تحدث، في مداخلته، عن قطيعة بين المسرح والسينما من جهة والتلفزيون من جهة أخرى الذي توجه له نظرة دونية وذلك إلى غاية التلاقي بين الطبقة المثقفة في المسرح والسينما في التلفزيون في مسلسل "الناس حكاية" عام 1991 الذي حقق مصالحة بتجربة جديدة في آليات الإنتاج.
اقرأ/ي أيضًا: الأدوار النمطية في المسلسلات التونسية.. قولبة وتكرار
ويربط الهداوي بين صعود نظام بن علي بعد انقلاب 87 وانتشار الدراما التلفزية، مبينًا أن الدراما هي من الآليات الخطيرة والنافذة لتغيير عقليات الشعوب. وأكد على سعي السلطة للاستفادة من الدراما لإيصال فكرة أيديولوجية أو سياسية.
وبيّن أن الوكالة الوطنية للنهوض بالقطاع السمعي البصري تحولّت من جزء من الحل إلى مشكل بسبب شبهات الفساد ما أدى إلى إلغائها عام 2007 وبالتتابع انهيار الإنتاج الدرامي وتخبّط التلفزة العمومية، معتبرًا أن السلطة وقتها رأت أنها سيطرت على الحكم ولم تعد بحاجة للدراما كما السابق.
يربط فتحي الهداوي بين صعود نظام بن علي بعد انقلاب 87 وانتشار الدراما التلفزية
وتحدث عن انتشار الإنتاج الخاص بعد الثورة ولكن عبر منتجين ليست لهم أي دراية بالإنتاج، مشيرًا إلى ظاهرة الانطلاق في تصوير أعمال دون اكتمال كتابة السيناريو.
وقال فتحي الهداوي إنه لا يعتبر التمثيل مهنة في تونس، على خلاف سوريا حيث كان ينشط وذلك بتعدّد الإنتاجات بمعدل 60 مسلسلًا كل عام.
وفي هذا الإطار، تحدث عن انطلاقة الدراما بعد حرب الخليج عام 1990، مبينًا أن الأردن عوقبت لموقفها الداعم للنظام العراقي وقتها، وتحولت قنوات التمويل إلى سوريا مشيرًا إلى تكوين شركة "سوريا الشام الدولية" التي كانت على ملك أحد رجال النظام السوري عبد الحليم الخدام.
واعتبر الهداوي أن تونس يمكن أن تصبح قطبًا دراميًا بدون تعقيدات أيديولوجية وذلك عبر الفكر الإبداعي مؤكدًا على دور الدولة في هذا الجانب خاصة في علاقة بتجميع الأطراف المعنية وإصدار القوانين.
عدنان منصر: لا يوجد مشروع ثقافي في تونس
اعتبر أستاذ التاريخ المعاصر عدنان منصر أنه يوجد ارتباط بين الثقافة وبناء المشروع السياسي القومي، مبينًا أن المسرحيات في تونس في فترة الثلاثينيات والأربعينيات المتزامنة مع صعود الحركة الوطنية تضمنت رسائل وقيم تخدم المشروع السياسي.
وأشار إلى أن الرئيس السابق الحبيب بورقيبة كان ممثلًا مسرحيًا، كما كانت عدة قيادات وطنية مهتمة بالمسرح والأدب عمومًا، مشيرًا إلى أن الدولة أنفقت بعد الاستقلال في إنتاجات مثل "الفلاقة" و"الفجر".
عدنان منصر: لا توجد سياسة ثقافية في تونس اليوم مع استقالة الدولة عن الشأن الثقافي
وتحدث منصر عن غياب سياسة ثقافية في تونس اليوم مع استقالة الدولة عن الشأن الثقافي، مؤكدًا أن النخبة الصاعدة بعد الثورة لم تهتم أيضًا بصياغة مشروع ثقافي.
ولاحظ أستاذ التاريخ المعاصر اهتمامًا من التونسيين بتاريخ الحركة الوطنية بمناسبة متابعة مسلسل "قلب الذيب"، محذرًا مما وصفها بالشعبوية الثقافية داعيًا إلى الحذر في كتابة الدراما بضرورة المحافظة على ثوابت الأحداث التاريخية.
وتحدث منصر، في جانب متصل، أنه توجد عدة شخصيات تاريخية تستحق أعمالًا درامية حولها مثل ابن خلدون وعليسة وأسد بن فرات وغيرهم.
العلوي: تمايز بين السيناريو والكتابة الأدبية
من جانبه، ركّز الروائي وأستاذ علم الاجتماع عبد اللطيف العلوي على ضرورة التمايز بين الكتابة الروائية والقصصية من جهة وكتابة نص السيناريو من جهة أخرى، مشيرًا مثلًا إلى أن الروائي محمود المسعودي لم يتعرّف على روايته "حدث أبو هريرة قال" حينما أعاد تقديمها محمد إدريس في شكل مسرحية.
وقال إن الروائي يطرح في مسألة تحويل الرواية إلى عمل درامي رهانين، يتعلق الأول بمدى المحافظة على النص والثاني يتعلق بالمقابل المادي. ودعا العلوي إلى صياغة سياسية ثقافية في تونس بجمع كل المبدعين حول هذا الوطن وفق تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا: