ينفتح سؤال الجنس في تونس على مصراعيه أمام رامي (23 عامًا)، الذي يقول في حديثه مع الترا تونس: "اصطحبت صديقتي البارحة إلى السينما. شاهدنا الفيلم قليلًا وتبادلنا القبل كثيرًا. الأسبوع الماضي فعلنا ذلك وربّما السبت القادم أيضًا. لا أعرف متى سيتسنّى لنا أن نكون معًا في بيت ويغلق علينا باب واحد".
لا يقصد رامي، طالب الملتميديا، بقوله هذا التساؤل عن موعد زواجه، بل عن موعد إيجاد فضاء خاصّ يمكنه أن يلتقي صديقته فيه بعيدًا عن عين الرّقيب. فرامي لا يزال صغيرًا على الزواج كما أخبرنا، لكنّه كعدد كبير من الشباب التونسي يعيش واقع البحث المستمرّ عن "اللّوكال".
"اللّوكال إشاعة.. وإلي يلقاه يجيبهولي"
"لديّ أصدقاء يكترون شقّة في باردو وقد عرضوا عليّ مرّة أن أصطحب صديقتي إلى هناك عند خروجهم، لكنّ المنطقة الّتي يقطنون فيها شعبيّة وأخشى أن ينتبه الجيران إلى أمرنا"، يقول رامي لـ"الترا تونس"، قبل أن يضيف متسائلًا "ماذا لو قام أحد الجيران أو إحدى الجارات، بارك الله فيهم، بطلب الشرطة والتبليغ عنّا؟".
قبل أن يتعرّف رامي على صديقته الحالية، أقام بعض العلاقات العابرة مع صديقات في المعهد الثانوي وزميلات في الجامعة، غير أنّه يعتقد أنّ علاقته الحالية جادّة. "أنا أحبّها فعلًا فهي تشبهني في كثير من الأشياء وتجعلني أضحك كثيرًا. ولذلك أخاف عليها وأبحث بجدّية عن أستوديو أو شقّة للكراء كي نلتقي دون خوف من الناس ولا "الحاكم" (الشرطة)".
اتّصل رامي بعدد من "السّمسارة" (سماسرة) ليساعدوه على إيجاد أستوديو بسعر مناسب في "باردو" أو "منّوبة"، غير أنّه لم يوفّق في ذلك. ويرفض الطالب اصطحاب صديقته، وهي زميلته في الجامعة، إلى إحدى الشقق التي تعرض للكراء اليوميّ. "لا أحبّ اصطحاب حبيبتي إلى مثل تلك الشقق التي يتردّد عليها من هبّ ودبّ"، يضيف "رامي" ساخرًا، "اللّوكال إشاعة وإلي يلقاه يجيبهولي".
يستخدم التونسيون لفظ "لوكال" في وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة وذلك عادة للتعبير عن صعوبة إيجاد مكان لممارسة الحبّ
"اللّوكال استحقاق يا عصابة السرّاق"
"اللّوكال" لفظة دخيلة من اللغة الفرنسية (Le local) وتعني "الفضاء" والّذي يمكن أن يكون في هذا السّياق منزلًا أو شقّة أو غرفة في نزل إلخ.. ويستخدم التونسيون هذا اللفظ في وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة سواء للحديث عن صعوبة إيجاد مكان لممارسة الحبّ والجنس، أو للتنبير (السخرية) بتوظيفه في سياقات سياسية واقتصادية وغيرها. ومن أشهر العبارات المستخدمة في موقع فيسبوك "اللّوكال استحقاق يا عصابة السرّاق" المستوحاة من شعار "التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق".
وكانت جمعية "أنا يقظ" قد أطلقت هذا اللّفظ الدّارج لدى الشباب "اللّوكال" (elokal) على الفضاء الّذي بعثته لدعم الجمعيات الفتية والصحفيين والباعثين الشبّان حيث يمكنهم استخدام الفضاء مجّانًا للعمل.
اقرأ/ي أيضًأ: هل تؤدي القبلة في تونس إلى السجن؟
ريم (شابة تونسية): لو أنني أملك "اللّوكال" وصديقي لا يملكه لكنت أنا من يوفّر مكان اللّقاء
"أوّل سؤال تطرحه الفتاة على الشاب هو "عندك لوكال"؟
"جوّي باهي وماعندي حتّى مشكل"، هكذا يصف، سليم، 28 عامّا، في حديثه لـ"الترا تونس" علاقته بـ"اللّوكال". يبحث سليم، عادة عن فضاء للاجتماع بصديقته عن طريق موقع https://www.airbnb.fr/s/Tunisie . ويقول إنّ سعر كراء شقة أو غرفة لليلة الواحدة يكون بين 45 و90 دينارًا وأنّه يقوم بالدّفع إمّا بواسطة البطاقة البنكية الدّولية وإمّا نقدًا بعد التفاوض مع صاحب المكان. وإذا تعذّر عليه مرّة إيجاد مكان للكراء، يستعين سليم، موظف في القطاع الخاصّ، بأصدقائه ومعارفه.
"التونسي يهوّن برشة في حكاية اللّوكال، يستثمر مليح معناها"، يقول سليم ذلك، مؤكّدًا "حتّى عندما كنت طالبًا لم أكن أواجه مشكلًا في إيجاد "لوكال" فالأصدقاء يقدّمون خدمات لبعضهم البعض".
كلّ أحد، يتوجّه سليم إلى منتزه "سيدي بوسعيد"، لممارسة رياضة المشي. فيرى هناك عددًا من المحبّين الّذين يحاولون سرقة بعض لحظات الحبّ والوصال. "لديهم مشكلة لوكال"، يقول شارحًا. من جهته، لا يتردّد سليم على قاعات السّينما ولا على الحدائق العمومية بغرض التودّد إلى صديقته، لكنّه يحبّذ كثيرًا الاختلاء بها في سيّارته حيث "يكون الوصال أكثر متعة، لكنّه للأسف غير آمن".
"أوّل سؤال تطرحه الفتاة على الشاب هو "عندك لوكال"؟ (هل لديك لوكال؟) يبيّن سليم، مضيفًا "الشعور بالأمان نقطة مهمّة جدّا للفتاة وكذلك الحيّ الّذي يقع به اللّوكال نفسه". يتجنّب محدّثنا الأحياء الشعبية "خاطر فيها العينين". فهو يفضّل الشقق وسط العاصمة وأحياء كالمرسى والكرم وحلق الوادي، موضّحًا "حيّ النّصر سيطر عليه اللّيبيون والمنار مليء بالشرطة".
توفير "اللّوكال" لم يعد حكرًا على الرجل
تلتقي ريم، محاسبة في شركة خاصّة، 29 عامًا، صديقها في بيته ولا يعانيان بالتّالي من مشكل في "اللّوكال". غير أنّهما يفضّلان أحيانًا الذّهاب إلى إحدى النزل في "سوسة" أو "الحمّامات" أو مرافقة بعض الأصدقاء في رحلة تخييم (camping) ليقضيا نهاية عطلة الأسبوع متعانقين بين أحضان الطبيعة.
عندما كانت طالبة في إحدى المؤسسات الجامعية بضاحية "قمّرت"، كان لريم صديق حميم. "كنّا نلتقي في المقاهي أو في بيت أصدقائنا المشتركين"، وتضيف قائلة "لكن لم أكن أسمح له حتّى بتقبيلي. ربّما لأنّ ما بيننا وقتها لا يعدو أن يكون تقضية وقت مسلّ بين صديقين أي أنّني لم أكن أحبّه". "وجود فضاء خاصّ للالتقاء بعيدًا عن أعين النّاس من شأنه أن يمنح الحبيبين الشعور بالرّاحة والخصوصية"، تقول محدّثتنا.
لا تزال ريم تقطن في بيت عائلتها، لكنّها تشرح لـ"الترا تونس": "لو أنني أملك "اللّوكال" وصديقي لا يملكه لكنت أنا من يوفّر مكان اللّقاء". تعتبر ريم إذًا أنّ مسألة توفير "اللّوكال" لم تعد حكرًا على الرّجل حيث صار أمرًا عاديًّا أن تكتري المرأة "اللّوكال" أو تحجز الغرفة في الفندق للقاء صديقها.
اقرأ/ي أيضًا: الجنس في تونس.. سلطة الأخلاق وسطوة الغرائز
باحث في القانون: عادة ما تلجأ السلطات الأمنية إلى فصل الشابّة عن رفيقها ومساءلتها عمّا إذا كان هذا الأخير قد قدّم لها هدية قبل اللقاء والهدف محاولة إثبات حالة بغاء سري
ما يمنحه القانون باليمنى تستردّه السلطات الأمنية باليسرى
لا تعتبر العلاقة العاطفية والجنسية بين الرجل وحبيبته أو المرأة وحبيبها، أو ما يصطلح عليه بالمخادنة، جريمة في القانون التونسي إذ لا يوجد نصّ صريح في القانون الجزائي يجرّم هذه العلاقة. لكن يشترط في هذه الحالة ألاّ يكون أحد الطّرفين أو كلاهما متزوّجًا لأنّ ذلك يعدّ "زنا". كما لا يجب أن يكون هناك مقابل مادّي حتّى لا يعود الأمر "بغاء سرّيًا". مع ضرورة أن تكون العلاقة برضا المرأة حتّى لا تعتبر "مواقعة أنثى دون رضاها" وألاّ يقلّ عمرها عن العشرين عامًا.
ومع ذلك، وحتّى إن التقى الحبيبان في فضاء خاصّ واجتمعت فيهما الشروط المذكورة، فإنّه يمكن لاتّصال هاتفي من طرف ثالث أن يجعل الشرطة تسارع إلى مداهمة المكان وتوقيف الحبيبين ومن ثمّة توجيه تهمة لهما.
يبيّن الباحث في القانون وعضو جمعية الدّفاع عن الحريّات الفرديّة أحمد علوي خلال حديثه لـ"الترا تونس" أنّ القانون التونسي لا يتضمّن تعريفًا واضحًا للفضاء الخاصّ. فوجود رجل وامرأة في مكان معزول داخل سيّارة، يفترض أنّها فضاء خاصّ، يعرّض المعنيّين بالأمر إلى التوقيف بتهمة التجاهر بما ينافي الحياء أو الاعتداء على الأخلاق الحميدة أو القيام بفعل فاضح في الطريق العامّ.
ويضيف علوي: "نظريًا، وجود شخصين في "اللّوكال" بما هو فضاء مستقلّ وخاصّ وحرية فرديّة لا يمكن اعتباره خدشاً للحياء العامّ مثلًا، غير أنّ مجرّد قيام شخص بتبليغ السلطات الأمنية كاف لمداهمة هذه الأخيرة للمكان وتوقيف المعنيّين."
"وعادة ما تلجأ السلطات الأمنية إلى فصل الشابّة عن رفيقها ومساءلتها عمّا إذا كان هذا الأخير قد قدّم لها هدية قبل اللقاء أو دفع ثمن قهوتها أو أجرة التاكسي التي أوصلتها إلى "اللّوكال"، يقول الباحث في القانون موضّحًا "تهدف هذه الأسئلة إلى جرّ الفتاة إلى الإقرار بأنها تلقّت مبلغًا ماليًا من قبل رفيقها سواء نقدًا أو في شكل هدية كي يتمكّن الأمنيون من إلصاق تهمة البغاء السرّي بها." ويضيف "أنّهم لا يتوانون عن استعمال كلّ الطرق الملتوية لإثبات ذلك".
ويعتبر أحمد علوي أنّ التهم التي تطال المحبّين سواء في الشارع أو في "اللّوكال"، وعدا عن كونها اعتداء على حرياتهم الفردية، فضفاضة وخاضعة للسلطة التقديرية لرجل الأمن. ويشرح قائلًا "كأن يكون مسك شابّ لفتاة من يدها في تطاوين مثلًا تجاهرًا بما ينافي الحياء، بينما قد لا تعتبر قبلة بين صديق وصديقته في المرسى كذلك".
تعتبر الملاحقات الأمنية ومن ثمّة القضائية للعلاقات الجنسية الخاصّة التي تتمّ بين شخصين بالغين بالتراضي انتهاكًا للحقوق المتعلقة بالخصوصية وعدم التمييز التي يكفلها "العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية"، والّذي صادقت عليه تونس. وينصّ الفصل 24 من الدستور التونسي (2014) على أن تحمي الدولة الحق في الحياة الخاصة وحُرمة المسكن. كما يؤكّد الفصل 21 على أنّه "تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة وتهيّئ لهم أسباب العيش الكريم".
باحث في علم الاجتماع: كثير من العنف الّذي يمارسه الشباب هو ناتج عن رغبات جنسية غير ملبّاة
يجب توفير "اللوكال" للشباب التونسي في إطار محاربة التطرّف؟
"نشهد اليوم في تونس انفتاحًا كبيرًا في العلاقات بين الجنسين دون أن يقابل ذلك وجود ضمانات اقتصادية وقانونية من بينها وجود فضاء مستقلّ للتعبير عن الحبّ وممارسته". هكذا يشرح الباحث في علم الاجتماع فؤاد غربالي معضلة "اللّوكال" لـ"الترا تونس"، مضيفًا "لا يزال عديد الشبّان التونسيين الّذين تجاوز عمرهم الخامسة والثلاثين يعيشون مع عائلاتهم ولذلك تجدهم يبحثون دائمًا عن صديق يؤمّن لهم اللّوكال أو يلجأون إلى كراء شقق لليوم الواحد أو إلى حجز غرف في النزل".
ويوضحّ غربالي أنّ "الشباب التونسي دائم البحث عن استقلاليته غير أنّه يفتقد إلى الدعائم الضرورية لممارسة تلك الاستقلالية وبالتّالي التخلّص من الرقابة المجتمعية وسلطة رجال الأمن خاصّة في ظلّ تنامي ظاهرة البطالة لدى الشباب" ولذلك "يجد الذين يفتقرون إلى "اللّوكال" أنفسهم مضطرّين إلى الاختلاء بحبيباتهم في السيارة أو الحدائق العمومية".
وقد أدّى الوضع الاقتصادي والبطالة إلى تفاقم ظاهرة تأخّر سنّ الزواج لدى الجنسين، الأمر الّذي يجعل "رغبات الشباب غير ملبّاة ويفاقم من حدّة الأزمات الاجتماعية"، إذ يؤكّد الباحث في علم الاجتماع أنّ "كثيرًا من العنف الّذي يمارسه الشباب هو ناتج عن رغبات جنسية غير ملبّاة ".
ويرى فؤاد غربالي أنّ على الدولة مساعدة الشباب قانونيًا واقتصاديًا على توفير "اللّوكال" في إطار سياسة وطنية شاملة لتحقيق الاستقلالية الذاتية للشباب التونسي، إذ أنّ "محاربة الكبت ستؤدّي إلى محاربة العنف والتطرّف لديهم".