"حقيقةً تكلفة المعيشة في تونس أصبحت مرتفعة جدًّا خصوصًا في السنوات الأخيرة، الأسعار في ارتفاع مستمرّ وبعض المواد الأساسيّة مفقودة أو متوفرة بكميات قليلة"، بهذه الكلمات تحدثت لطيفة، عن تأثرها بتَبعات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادها.
تعمل لطيفة (55 عامًا)، في محلٍّ لبيع الخبز التقليدي (الطابونة) في العاصمة، وتتقاضى أجرًا يوميًا في حدود 20 دينار، إلا أنها اضطرت في أكثر من مناسبة للبقاء دون عمل بسبب انقطاع مادتي السميد و"الفارينة" لأشهر طويلة.
لطيفة (55 عامًا): تكلفة المعيشة في تونس أصبحت مرتفعة جدّا خصوصًا في السنوات الأخيرة، الأسعار في ارتفاع مستمرّ وبعض المواد الأساسيّة مفقودة أو متوفرة بكميات قليلة
تقول لطيفة، (تُعيل نفسها وابنها المتزوج)، إنها تعيش ظروفًا صعبة وإن المبلغ الذي تتقاضاه يوميًا لا يكفيها لتوفير احتياجاتها الضرورية من غذاء ودواء وفواتير، خصوصًا وأنها تُساعد ابنها المتزوج على توفير مصاريف أطفاله الثلاثة وخلاص ديونه.
تضيف "لا أخفيكِ أنني اضطررت منذ سنتين لاتباع سياسة تقشّف وتخليت عن شراء الخضر الطازجة واللحوم بجميع أنواعها وأصبحت أكتفي بشراء بقايا الخضر التي تُباع في السوق الأسبوعية بأسعار زهيدة".
تضطر لطيفة للبقاء دون عمل بسبب انقطاع مادتي السميد والفارينة لفترات في تونس مؤخرًا (صورة الشاذلي بن ابراهيم / NurPhoto)
ولطيفة هي واحدة من آلاف التونسيين الذين ينتمون إلى الطبقة الفقيرة، وتأثّر نمَط عيشهم بشكل لافت بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادهم، والذي نتج عنها تراجع في قيمة الدينار وارتفاع أسعار المواد الغذائية واختفاء بعض المواد الأخرى من الأسواق.
وكشف المعهد الوطني للإحصاء، في تقريره بخصوص نتائج المسح الوطني حول الإنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر لسنة 2021، أن نسبة الفقر ارتفعت إلى 16.6% سنة 2021، مقابل 15.2% سنة 2015 في آخر مسح وطني، وأنه "يُعتبر فقيراً كل شخص لم يتجاوز إنفاقه الاستهلاكي السنوي 2536 ديناراً سنة 2021".
- تكلفة المعيشة في تونس.. التطبيع مع غلاء الأسعار
لا تختلف وضعية هيثم عن الوضعية التي تعيشها لطيفة، رغم أنه يعمل في شركة خاصة ويتقاضى راتبًا شهريًا محترمًا، فحياته هو الآخر تأثرت بارتفاع تكلفة المعيشة في تونس. يقول هيثم في حديثه مع "الترا تونس"، إنه طبّع مع الارتفاع اليومي والمستمرّ في أسعار المواد الأساسية، مشيرًا إلى أن "بعض المواد زادت أسعارها بنسبة 60 أو 70 في المائة".
يقول هيثم لـ "الترا تونس"، إنه طبّع مع الارتفاع اليومي والمستمرّ في أسعار المواد الأساسية في تونس
وأضاف هيثم "أنه وصل لمرحلة عدم التركيز مع الأسعار بل يركز أكثر عمّا إذا كانت المواد الضرورية متوفرة في الأسواق أم لا"، لكنه أشار في المقابل إلى أن ارتفاع تكلفة المعيشة في تونس أثر بشكل لافت على حياة جميع الفئات الاجتماعية دون استثناء".
وأكد محدثنا في ذات السياق على أن 'المقدرة الشرائية للعائلات التونسية تأثرت بشكل كبير وأن أزمة ارتفاع الأسعار تشتدّ سنة تلوى الأخرى مع تواصل ارتفاع التضخّم".
يؤكد هيثم أن جميع الفئات الاجتماعية تأثرت بارتفاع تكلفة المعيشة في تونس (صورة توضيحية/ فتحي بلعيد / أ ف ب)
- المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك.. زيادة سنوية في الأسعار
يقول لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، إن العائلة المتكونة من 4 أفراد تحتاج إلى أكثر من ألفي دينار شهريًا لعيش حياة عادية، بمعدل 50 دينار في اليوم إضافة إلى دفع معاليم الكراء. ويضيف الرياحي في حديث مع "الترا تونس"، أن هذه المصاريف تحتاجها العائلة التونسية المتكونة من 4 أفراد دون احتساب بقية المصاريف الضرورية مثل الصحة والتعليم وخلاص الفواتير".
رئيس منظمة إرشاد المستهلك لـ "الترا تونس": تونس تسجل سنويًا زيادة في أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة والعائلة المتكونة من 4 أفراد تحتاج إلى أكثر من ألفي دينار شهريًا لعيش حياة عادية
وتوقع الرياحي، أن تشهد الأسعار ارتفاعًا جديدًا مع بداية سنة 2024، وذلك بسبب ما جاء في قانون المالية الجديد الذي أقرّ زيادات في بعض المواد مثل السكر، إضافة إلى إقرار معاليم على أرباح المؤسسات المالية في تونس، وفق قوله.
وأكد الرياحي أن تونس تسجل سنويًا زيادة في أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة، مشيرًا إلى وجود تضخم مصطنع بسبب الفرق بين الأسعار المهيكلة والأسعار الحرة.
- ارتفاع أسعار المواد الغذائية في تونس
كما أظهرت بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء، تسجيل تراجعٍ طفيف في نسبة التضخم من 9 في المائة خلال شهر سبتمبر/ أيلول 2023 إلى 8,6 في المائة، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت.
ويعود هذا التراجع، حسب بيانات المعهد، إلى تقلص نسق الزيادة في الأسعار بين شهري أكتوبر/ تشرين الأول وسبتمبر/ أيلول 2023، المقارنة مع نفس الفترة من السنة الفارطة حيث شهد نسق تطور أسعار مجموعة المواد الغذائية تراجعا من 13,9% إلى 13,1%.
في المقابل، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 13,1%، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار القهوة بنسبة 35% وأسعار لحم الضأن بنسبة 29,8% وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 28% وأسعار البيض 20,2% وأسعار لحم البقر بنسبة 18,3% وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 14,6في المائة.
المعهد الوطني للإحصاء: ارتفاع أسعار المواد الغذائية في شهر أكتوبر 2023
كما أظهر استطلاع رأي ، أنجزته "سيغما كونساي" في شهر أوت/ أغسطس 2023، أن أكثر من 60 بالمئة من التونسيين يرون أن الأوضاع المالية والمعيشية لأسرهم باتت أسوأ مما كانت عليه خلال العام الماضي.
ويعتقد أكثر من ثلث المستجوبين (33.5 بالمائة) حسب الاستطلاع ذاته أن الأوضاع باتت أسوأ بكثير مقارنة بالعام الماضي.
من جهته، وصف البنك الدولي تونس بكونها بلد المفارقات، قائلاً "إنه في حين أحرزت تونس تقدُّمًا مهمًا على صعيد التحوُّل السياسي إلى نظام حكم منفتح وديمقراطي، لم يواكب ذلك إجراء تحوُّل اقتصادي مماثل خلال السنوات الماضية".
البنك الدولي: تونس حققت تحولات سياسية لكنها لم تحقق أي تحوّل اقتصادي خلال السنوات الماضية (الشاذلي بن ابراهيم/ NurPhoto)
وقال البنك الدولي في تقرير له، تم نشره في ماي / آيار 2023، إن الضغوط التضخمية ارتفعت بشكل كبير، لاسيما الناشئة من الأسواق العالمية وارتفاع الأسعار.
البنك الدولي: تونس بلد المفارقات ففي حين أنها أحرزت تقدمًا عل الصعيد السياسي خلال السنوات الماضية فإن هذا التقدم لم يُواكب التحولات الاقتصادية
وقال إن معدل التضخم ارتفع في شهر فيفري/ شباط 2023، ليصل إلى 10.4 بالمائة، وهو أعلى معدل يتمُّ تسجيلهُ منذ ديسمبر/ كانون الأول 1984. ودفع ارتفاع معدل التضخم، البنك المركزي إلى رفع معدل أسعار الفائدة، بمقدار 175 نقطة أساس تراكمية، خلال عام 2022 إلى 8 بالمائة.
