الترا تونس - فريق التحرير
تحتفل بتاريخ 25 جويلية/يوليو من كل سنة بعيد الجمهورية وذلك حينما أعلن المجلس القومي التأسيسي في مثل هذا التاريخ من سنة 1957 تبنيّ النظام الجمهوري بدل النظام الملكي الذي كانت تديره الأسرة الحسينية. وقد جاء إعلان الجمهورية وقتها بعد سنة وبضعة أشهر من إعلان الاستقلال في مارس/آذار 1956 وخلال فترة إعداد دستور البلاد الذي صدر لاحقًا في جوان/يونيو 1959.
وقد تضمّن إعلان الجمهورية 4 أحكام متتابعة أولّها إنهاء النظام الملكي، وثانيها إعلان أن تونس "دولة جمهورية"، وثالثها تكليف رئيس الحكومة حينها الحبيب بورقيبة بمهام رئيس الدولة، ورابعًا تكليف الحكومة بـ"اتخاذ التدابير اللازمة لصيانة النظام الجمهوري". وقد حمل الإعلان إمضاء رئيس المجلس القومي التأسيسي جلولي فارس.
تبنّت تونس النظام الجمهوري بموجب قرار صادر عن المجلس القومي التأسيسي بتاريخ 25 جويلية 1957 وتم حينها تكليف رئيس الحكومة الحبيب بورقيبة برئاسة البلاد
وخلال فترة إعداد الدستور، تم إعداد مسودة مؤرخة في 9 جانفي/يناير 1957 جاء في فصلها الرابع أن "الدولة التونسية دولة ملكية دستورية" ولكن تمّ التخلّي عنها تباعًا، ولم تنتظر الحكومة التونسية وقتها إتمام إعداد الدستور لتعلن إعلان النظام الجمهوري، ويذهب بعض الدارسين لتوصيف الفترة الفاصلة بين إعلان الاستقلال والثورة بـ"الجمهورية الأولى" واعتبار دستور 2014 نقطة مفصلية لانطلاق "الجمهورية الثانية"، وهي توصيفات أسوة بتلك الدارجة في فرنسا التي عرفت حتى الآن خمس جمهوريات منذ ثورتها.
اقرأ/ي أيضًا: ذكرى اتفاقيات الاستقلال الداخلي.. الجدل لم ينته
وقد كان إعلان الجمهورية في تونس وليدًا لسياق التحرر والخروج من براثن الاستعمار، حيث تبنت النخبة السياسية حينها وتحديدًا الحزب الحر الدستوري الدعوة لإنهاء الملكية الذي اجتمع مكتبه السياسي بتاريخ 23 جويلية/يوليو ليفصل نهائيًا في موقفه ويقرّر المضي قدمًا في مسار تبنّي النظام الجمهوري، وقد تكوّن يومها وفد للمكتب السياسي للحزب لإعلام الأمين الباي بالقرار.
وقد أعد، في الأثناء، أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية فتحي ليسير دراسة تاريخية حول خلفيات إعلان الجمهورية في تونس. وتشير هذه الدراسة أن رئيس الحكومة وقتها الحبيب بورقيبة عمل على ملاينة العائلة الحسينية بين نهاية 1955 و1956 أي في خضم الصراع البورقيبي اليوسفي، ولكن سرعان ما كان يتعامل بصلابة وحزم لاحقًا. وتنقل الدراسة مثالًا ذكره بورقيبة بنفسه بأنه توجه ذات مرة باللوم إلى زوجة الباي خلال دخوله للقصر الملكي وقال لها "عندما يدخل رئيس الحكومة على كل الموجودين الدخول لتحيته" وهو ما جعلها تهرع لتحيته.
قدّم أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية فتحي ليسير دراسة تاريخية حول خلفيات إعلان الجمهورية أشارت لوجود تمهيدات منذ الاستقلال لإسقاط العائلة الحسينية
وأفادت الدراسة أن بورقيبة كان ينوي منذ الاستقلال إسقاط الأمين الباي ومن ذلك جعل الإدارة الخاصة بشؤون الباي والعائلة الحسينية على ذمة وزارة المال منذ أفريل/أبريل 1956 أي بعد شهر واحد من الاستقلال وذلك مع التخفيض في ميزانيتها بنسبة تصل لـ80 في المائة. كما صدر أمر في شهر من نفس السنة بحذف جميع الإمتيازات والإعفاءات والحصانات التي كان يتمتع بها أفراد العائلة الملكية. وقد تواصل مسلسل محاصرة العائلة إلى غاية إعلان الجمهورية. وقد ذكرت الدراسة أن الحبيب البورقيبة أعلم قبل يومين من إعلان الجمهورية سفراء بعض الدول على غرار فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا ومصر والمغرب بعزمه خلع الباي.
كما نقلت الدراسة شهادات تفيد بأن الأمين الباي لم يتأثر ظاهريًا بقرار خلعه، وقد توجه لاحقًا مع أفراد عائلته للإقامة بقصر الهامشي في منوبة وذلك بموجب قرار بالإقامة الجبرية لأفراد العائلة الملكية التي تحدث بعض أفرادها، خاصة بعد الثورة، عن معاملة سيئة ومذلّة تلقتها من الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وبعض أفراد محيطه .
الأمل أن يقترن النظام الجمهوري بعد الثورة بمبادئ السيادة الشعبية والديمقراطية والمواطنة بحقّ بدل الادعاءات الزائفة طيلة العقود الماضية
وعمومًا يظلّ إعلان الجمهورية حدثًا بارزًا في تاريخ تونس المعاصر، وإن يبقى الحديث دائمًا عن عدم تفعيل مقتضيات النظام الجمهوري وبالخصوص تكريس السيادة للشعب طيلة أكثر من نصف قرن سواء زمن الرئيس السابق الحبيب بورقيبة أو زمن المخلوع زين العابدين بن علي، وذلك قبل أن تمثل الثورة لاحقًا بوابة لإعادة إحياء النظام الجمهوري وفق مبادئه الأساسية وتكريسه على أرض الواقع. ولذلك، يفضّل العديد اليوم التأكيد أن تونس فتحت صفحة جديدة في تاريخها المعاصر عبر إرساء الجمهورية الثانية بمقتضى دستور 2014، وذلك على أمل أن تقترن هذه الجمهورية الجديدة بمبادئ السيادة الشعبية والديمقراطية والمواطنة على خلاف الجمهورية الأولى التي كانت عنوانًا للديكتاتورية وقهر الشعب.
اقرأ/ي أيضًا: