يخضع نمط عيش العائلة التونسية إلى عديد التغيّرات على مدار السنة، فيختلف حسب الفصل والفئة الاجتماعية والسن ومكان الإقامة وجملة من المعايير الأخرى.. على أنّ ما لا يختلف فيه اثنان هي تلك الأجواء من التوتر والضغط النفسي الذي يسبّبه "غول الامتحانات" داخل العائلة، فيشمل كل أفرادها حتى غير المعنيين باجتيازها.
وقد بات من البديهي أن نكون على موعد مع عدة ظواهر ترافق هذه الفترة، من خوف وقلق واكتئاب حتى، ما دفع "الترا تونس" إلى التوجه ببعض الأسئلة إلى المختص في الشأن التربوي محمد أبو شرخ، صاحب برنامج التربية الذكية.
المختص في الشأن التربوي محمد أبو شرخ لـ"الترا تونس": أول مشكلة تواجه التلميذ هي اعتبار الامتحان مسألة حياة أو موت، وهو ما يخلق ضغطًا كبيرًا جدًا عليه لأن الدماغ سيتعامل مع الامتحان على أنه تهديد
وتحدّث أبو شرخ في تصريح لـ"الترا تونس" أن أول مشكلة تواجه التلميذ هي اعتبار الامتحان مسألة حياة أو موت، وهو ما يخلق ضغطًا كبيرًا جدًا عليه لأن الدماغ سيتعامل مع الامتحان على أنه تهديد، فتأتي علوم الدماغ لتخبرنا بأنه عندما يتعامل الإنسان مع أي ملف على أنه تهديد "حياة أو موت"، فإن من يدير هذا الأمر داخل دماغه هي المناطق الأكثر بدائية والبعيدة عن المنطق والتي تعتمد على مبدأ "المواجهة أو الهروب أو التجمّد".
ويتابع أبو شرخ بقوله: "ولهذا نجد كثيرًا من الطلبة أثناء الامتحانات يفقدون الكثير من قدراتهم الذهنية، كفقدان جزء من تحصيلهم الدراسي، أو جزء من قدرتهم على تحمل الضغوط ومواجهة الأزمات، أو الدخول في مشكلات مرضية، كما نعرف حالات ترفض حتى الدخول للامتحان، وبالتأكيد كلنا رأينا حالات انهيار البعض أمام ورقة الامتحان" وفق وصفه.
اقرأ/ي أيضًا: يخضع لها 146 ألف مترشح.. انطلاق الدورة الرئيسية للبكالوريا
ويضيف محدّثنا أنّ كل هذا سببه الرئيسي أننا نعطي للامتحانات ما هو أكبر من حجمها، فامتحان البكالوريا مثلًا إنما هو جسر بين مرحلتين، إذ ينبغي ألا نبالغ في تضخيم أهمية الامتحان وربط تقييم ذواتنا بنجاحنا فيه من عدمه، كما يجب أن نحدّد الاحتياجات من هذا الامتحان، وأن نسأل: "ماذا أريد بعد البكالوريا؟".
- كيف تؤثر بيولوجيا جسم الإنسان على قدرته المعرفية؟
ولعلّ علماء أبحاث الدماغ قد أجمعوا على أنه "لا يقدر أيّ امتحان مهما كانت جودته على تقييم إنسان ما" وفق ما أكده محدّثنا، متابعًا: "الإنسان نفسه تختلف قدراته الذهنية على مستوى النهار الواحد بما يطلق عليها الدورات البيولوجية المعرفية، فأدائي في امتحان الرياضيات بعد الظهر مثلًا سيكون أقل مما لو اجتزته صباحًا.. والشيء نفسه ينطبق على أدائي الذي سيكون أفضل لو كانت درجة الحرارة في حدود 22 درجة مئوية على سبيل المثال بدل 30 درجة. تمامًا مثلما يختلف الدخول إلى الامتحان وأنا عطش عما إذا كنت أملك ماءً.. إذن، لا يوجد امتحان يقيّم قدرات الإنسان الحقيقية في أي لحظة من اللحظات".
المختص في الشأن التربوي محمد أبو شرخ لـ"الترا تونس": شعور النسيان قبيل الامتحان مباشرة أمر طبيعي ناتج عن الخوف.. واللحظات الأخيرة ليست فترة للحفظ
- هل من أطعمة خاصة بفترة الامتحانات؟
وعن أهم النصائح التي وجب اتباعها أثناء فترة الامتحانات قال أبو شرخ: "قلة النوم من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الضغوطات والارتباك خلال الامتحان، فالنوم الجيّد يساعد على حفظ المعلومات وتصنيفها، فضلًا عن ضرورة الاهتمام بالأغذية التي تزوّد الدماغ بالطاقة لفترة طويلة، كأن نتناول البروتين وليس سكريات التي ترفع النشاط مؤقتًا ثم تُحدث نقصًا كبيرًا في الطاقة، مع محاولة تجنب النشويات والدهون، مثل البطاطا المقلية والخبز واللحم وهي ما تتوفر في الوجبات السريعة" مشددًا على أهمية تناول الغلال والفواكه وشرب الماء.
- شعور نسيان المعلومات قبل الامتحان
وحول ما ينتاب العديد من التلاميذ من شعور بنسيان كل شيء قبيل الامتحان مباشرة، لفت محدّثنا إلى أن اللحظات الأخيرة قبل الامتحان ليست فترة للحفظ، بل هي فقط لإنعاش الذاكرة عبر مراجعة خريطة ذهنية أو تلخيص يحتوي على الكلمات المفتاحية، وقال: "شعور النسيان أمر طبيعي ناتج عن الخوف، لكن وجب الانتباه لأن الخوف من الخوف ينتج مزيدًا من الخوف" على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن هذه الحالة قد تتسبّب في مزيد من الارتباك وينبغي قبول هذه المشاعر لا قمعها.
وبناءً على ما تقدّم به المختصّ في الشأن التربوي، أخبروا أبناءكم أنها مجرّد "امتحانات".. فلا داعي لأن يخافوا إلى هذه الدرجة، فقد تتسبّب بعض العائلات دون أن تشعر حتى، بمزيد إغراق التلميذ في دوامة الخوف والقلق، والأولى أن تساهم في خلق بيئة ملائمة للطفل حتى يخوض غمار هذه الفترة المهمة من مسيرته الدراسية.
اقرأ/ي أيضًا: