لا تزال الخدمات الصحية في تونس تقارع الجدل القائم حول جودتها بالنظر إلى الإمكانيات البشرية واللوجستية والتجهيزات المسخرة في القطاع، والوضعية الصعبة للمالية العمومية التي تمر بها تونس مقابل الحاجيات الضرورية التي وجب أن تتوفر من أجل مستقبل صحي بعيد عن الهزات وفي منأى عن الهشاشة التي يمكن أن تلف به خاصة عند الأزمات والكوارث.
وتبدو المؤسسات الصحية في تونس متجانسة من حيث المشاكل التي تحف بها والتي تختصر أساسًا في شح الموارد البشرية واهتراء التجهيزات في المؤسسات الكبرى التي مرّ على إنشائها أكثر من عقدين والحاجة إلى تعميم الخدمات الصحية جغرافيًا بشكل مقبول وناجع، وهو ما يخلق ظروفًا صعبة عند تدفق المرضى على المؤسسات الاستشفائية وينتج عنه طول انتظار المواعيد خاصة في أقسام الأشعة والتدخلات الطبية الدقيقة.
يجمع مسؤولون في الصحة على أنّ مستشفيات سوسة تقدم خدمات جيدة في القطاع الصحي وتشعّ على الولايات المجاورة لها إلّا أنّ محدودية الموازنات المالية والموارد اللوجستية والبشرية جعلتها تعيش ضغطًا متواصلًا
ولمزيد تشخيص واقع القطاع الطبي في تونس، حاولنا في هذا التقرير تسليط الضوء على واحدة من أهم الأقطاب الصحية في البلاد، وهي ولاية سوسة التي تضم مستشفيين جامعيين وكلية طب و9 مصحات خاصة و32 مركز مداواة بالأشعة و49 مخبر تحاليل بالإضافة إلى مستشفى جهوي و5 مستشفيات محلية و3 مراكز وسيطة.
كما تستقطب المؤسسات الاستشفائية في ولاية سوسة 4655 شخصًا من مختلف الاختصاصات من حيث الموارد البشرية في القطاع العمومي، وبلغ عدد المقيمين في المستشفيات 69515 مريضًا سنة 2022، المندوبية الجهوية للصحة بسوسة.
- إشعاع مستشفيات سوسة على الولايات المجاورة
هذه المعطيات تعطينا فكرة أولية عن حجم الخدمات الصحية في المؤسسات الاستشفائية بالولاية والتي تشع على الولايات المجاورة في المناطق الداخلية خاصة، إذ تبلغ نسبة المرضى الوافدين من بقية الولايات 35 بالمائة، وفق ذات المصدر.
المدير الجهوي للصحة بسوسة محمد رويس لـ"الترا تونس": يجب التفكير في بعث مستشفى جامعي بمدينة النفيضة التي ستشهد توسعًا شاملًا في المستقبل القريب
وأمام تعدد الطلبات جهويًا ومحليًا بمزيد إنشاء المؤسسات الصحية، يقول المدير الجهوي للصحة بسوسة محمد رويس في تصريح لـ"الترا تونس":" إن كل مشروع يخضع للمقاربة الصحية لوزارة الصحة بعنوان سنة 2030، فالتفكير وجب أن يكون متلائمًا جهويًا وإقليميًا ووطنيًا، وكل مشروع يجب أن يكون منتجًا ويستقطب المواطنين ويجب أن تكون خدماته في مستوى الجودة وترتقي لتطلعاتهم". وعلى سبيل الذكر، أشار رويس إلى أنّ "المركز الوسيط سيدي الهاني مشروع مبرمج، لكن هناك تعطل في الدراسات وهو خارج عن نطاق الإدارة الجهوية للصحة رغم ارتباطها بوزارة الصحة وإدارات أخرى".
وشدد محمد رويس على ضرورة التفكير في مستشفى جامعي بمدينة النفيضة التي ستشهد توسعًا شاملًا في المستقبل القريب بالتزامن مع ميناء النفيضة للمياه العميقة والمنطقة اللوجستية والصناعية المحيطة به، متوقعًا أن "تحظى منطقة سوسة الشمالية بهذا المشروع الذي لا يزال طور التفكير".
كما أشار المدير الجهوي للصحة بسوسة إلى أن "كلية الطب بسوسة تغطي 4 ولايات وهي سوسة والقيروان وسيدي بوزيد والقصرين"، مستدركًا أنّ "الإشكال الأكبر يكمن في شح الموارد البشرية باعتبار أنه لا يتم تعويض المتقاعدين من الوظيفة العمومية"، على حد قوله.
المدير الجهوي للصحة بسوسة محمد رويس لـ"الترا تونس": كلية الطب بسوسة تغطي 4 ولايات وهي سوسة والقيروان وسيدي بوزيد والقصرين.. والإشكال الأكبر يكمن في شح الموارد البشرية باعتبار أنه لا يتم تعويض المتقاعدين
ومن جهته، أشار مدير عام المستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة لطفي بوغمورة، خلال انعقاد مجلس جهوي للصحة بسوسة، إلى أنّ: "تعليمات وزارة الصحة بخصوص حسن التكفل بالمرضى واضحة، وذلك للقضاء على الانتظار في المؤسسات العمومية بصفة عامة وتحسين عملية التسجيل وتطوير المنظومات المعلوماتية بشكل أن المريض في 2024 لا يضطر إلى الانتظار طويلًا في طوابير في مستشفى فرحات حشاد لأن هذا المستشفى الجامعي مؤسسة صحية نموذجية تخضع لكافة البنية الصحية العمومية، اليوم لدينا آليات للتسجيل وثمة منظومة للتسجيل عن بعد وخلاص مستحقات المؤسسة عن بعد وكلما تحسنت الطريقة يرتاح المريض".
وأضاف بوغمورة قائلًا: "نعمل على تقليص الاكتظاظ على مستوى العيادات الخارجية وتحسين الخدمات في علاقة بالتكفل بالمرضى وعلى صيانة المعدات في الوقت المناسب"، معقبًا أنّ "هناك متابعة للأعطاب التي تصيب المعدات من قبل المركز الاستراتيجي الموجود في وزارة الصحة والذي يقوم بالمتابعة والمعالجة السريعة لهذه الأعطاب لدى التصريح بها"، على حد قوله.
مدير مستشفى فرحات حشاد لطفي بوغمورة: نعمل على تقليص الاكتظاظ على مستوى العيادات الخارجية وتحسين الخدمات في علاقة بالتكفل بالمرضى وعلى صيانة المعدات في الوقت المناسب
في المقابل، أشار مدير المستشفى إلى أنّ هناك "إشكالًا في المداواة بالأشعة في مستشفى فرحات حشاد"، مستطردًا القول: "لدينا آلة جديدة بصدد التركيب بقيمة 4.5 مليون دينار، أملًا في زيادة طاقة استيعاب المستشفى والمرور من 50 أو 55 مريضًا في اليوم إلى بلوغ 90 مريضًا في اليوم، مع العلم أن قائمة المنتفعين بالمداواة بالأشعة تبلغ 1800 شخصٍ، وكل مريض يحتاج عددًا من حصص المداواة ( بين 40 و45 حصة علاج).
- جودة الخدمات مقابل محدودية الموارد
وأعلن مدير عام المستشفى الجامعي سهلول بسوسة شوقي بن حمودة، في عرض قدمه أمام مسؤولين جهويين للصحة، أنّ "المستشفى تحصّل مؤخرًا على الاعتماد من طرف الهيئة الوطنية للتقييم والاعتماد في المجال الصحي وهي هيئة تأخذ قراراتها بتقييم أداء المؤسسات الصحية و يتم اعتماد دليل تم إعداده من هذه الهيئة الوطنية المعتمدة من الإسكوا (هيئة دولية للاعتماد) وتعتمد منهج العمل لديها على خبراء زائرين للتدقيق في وضعية المستشفيات في القطاع العمومي والقطاع الخاص".
وأضاف: "هذا البرنامج شمل 31 مؤسسة من بينها 15 مؤسسة عمومية و15 مصحة خاصة، ثم التحق بها المستشفى العسكري بتونس"، معقبًا: "هناك مؤسسات لم تجارِ عملية التقييم وبقي مستشفى سهلول المؤسسة العمومية الوحيدة في الصدارة"، مشيرًا إلى أنّ "الدليل متكون من 4 أجزاء و22 مجالًا و136 مرجعًا و560 معيارًا، ويتم اعتماده في الرقابة والتثبت بما يحتويه من معايير إجرائية وثابتة على أرض الواقع".
مدير مستشفى سهلول شوقي بن حمودة: من الحاجيات المؤكدة في مستشفى سهلول بعث قسم جديد لجراحة العظام، لأنّ نشاط هذا القسم اليوم تجاوز حدود الإمكانيات بكثير باعتبار أن طاقة استيعابه تبلغ 60 سريرًا لكنّه يعمل اليوم بـ96 سريرًا
ولفت إلى أنّه "تمّت زيارة سهلول من طرف اللجنة في بداية جانفي/يناير 2023 وتمت المصادقة على نتائج التقييم والتصريح باعتماد مستشفى سهلول كأول مستشفى تونسي يضمن الجودة وسلامة العلاج وكذلك المستشفى العسكري ومصحة خاصة".
وأشار بن حمودة إلى أن "من الحاجيات المؤكدة في مستشفى سهلول بعث قسم جديد لجراحة العظام، لأنّ نشاط هذا القسم اليوم تجاوز حدود الإمكانيات بكثير باعتبار أن طاقة استيعابه تبلغ 60 سريرًا، لكنّه يعمل اليوم بـ96 سريرًا ويتجاوز 100 سرير. كما أن قسم طب الأطفال يستوعب أكثر من طاقته"، وفقه.
كما أشار إلى أنّ المستشفى في حاجة إلى الموارد البشرية، معلقًا: "نحن اليوم نعمل بإطارات طبية وشبه طبية أقل من العدد المطلوب، بسبب عدم تعويض من يُحال على التقاعد، كما أنّ هناك من انخرط في التعاون الخارجي وغادر الوطن وهناك من لجأ إلى القطاع الخاص".
وفي رده عن سؤال "الترا تونس" حول الموازنة المالية للمستشفى، أجاب بن حمودة قائلًا: "بالنسبة لمنظومة التمويل العمومي في القطاع الصحي بصفة عامة هي ليست حكرًا على تونس وإنما موجودة في عديد الدول الأخرى، وتمثّل مشكلًا كبيرًا"، معقبًا: "السؤال المطروح هو هل أنّ الثروة تخلق الصحة أم أنّ الصحة تصنع الثروة؟".
وتابع قائلًا: "بالنسبة للمنظومة التونسية، هناك إشكاليات في التوازنات المالية على مستوى الصناديق الاجتماعية بصفة عامة"، مستطردًا: "على سبيل الذكر، مستشفى سهلول كان في بداية عهدي به عليه عجز بثلاثة ملايين دينار أما هذه السنة فسيبلغ حوالي 10 ملايين دينار فائضًا في المداخيل، وهو ما يمكّنه من خلاص كافة مستحقات المزودين وتحقيق الفائض، وجميعها تمثل فوائد المستشفى".
رئيس قسم الاستعجالي بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد: هناك برنامج سيقع تنفيذه يتعلق بتهيئة وتحسين قسم الاستعجالي.. وبالإضافة إلى الموارد اللوجستية نحن في حاجة إلى موارد بشرية ذات كفاءة تتجاوز الجانب التقني
من جهته، أكد رئيس قسم الاستعجالي بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة، زياد مزقار، أنّ برنامجًا قريبًا سيقع تنفيذه يتعلق بتهيئة وتحسين قسم الاستعجالي، مشيرًا إلى أنّ 40 بالمائة من المرضى المتواجدين فيه حالتهم حرجة ويستحقون الإيواء في أقسام الإنعاش.
وقال، في كلمة خلال انعقاد المجلس الجهوي للصحة بولاية سوسة، "نحن في حاجة، بالإضافة إلى الموارد اللوجستية، إلى موارد بشرية ذات كفاءة تتجاوز الجانب التقني"، ملاحظًا أنّ مستشفى حشاد يعمل على تطوير مهارات أخرى متعلقة بكلّ ما هو علاقات وتنظيم وأخذ قرار لفائدة كافة الطواقم الصحية، كما جاء على لسانه.
وتحدّث مزقار عن المخطط الأبيض لتفادي الحالات الاستثنائية والكوارث، والذي قام مستشفى حشاد بتركيزه منذ سنة 2013 وتبنّته المنظمة العالمية للصحة وتمّ تحيينه لأوّل مرة قبل جائحة كورونا بالتنسيق مع إدارة المستشفى، مضيفًا أنّ فريقًا من قسم الاستعجالي يقوم بترؤسه، سيتولى تحيينه من جديد لتفادي ما يشوبه من نقائص".