الترا تونس - فريق التحرير
قالت "هيومن رايتس ووتش"، الخميس 11 ماي/ أيار 2023، إنّ "السلطات التونسية كثّفت هجومها على المعارضين لسياسات الرئيس التونسي قيس سعيّد وانتقلت إلى تحييد حركة النهضة، أكبر حزب سياسي في البلاد".
"هيومن رايتس ووتش": "السلطات التونسية كثّفت هجومها على المعارضين لسياسات الرئيس التونسي وانتقلت إلى تحييد حركة النهضة، أكبر حزب سياسي في البلاد"
وذكرت المنظمة الحقوقية أنه و"منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، اعتقلت الحكومة التونسية ما لا يقلّ عن 17 عضوًا حاليًا وسابقًا في الحزب، بما في ذلك زعيمه راشد الغنوشي، وأغلقت مقرّاته في كل أنحاء البلاد".
ودعت السلطات التونسية، في سياق متصل، إلى الإفراج فورًا عن جميع الموقوفين تعسفًا، ورفع القيود المفروضة على حريّة تكوين الجمعيّات والتجمّع في تونس.
"هيومن رايتس ووتش" تدعو السلطات في تونس إلى الإفراج فورًا عن جميع الموقوفين تعسفًا، ورفع القيود المفروضة على حريّة تكوين الجمعيّات والتجمّع في تونس
وكانت استمرّت الاعتقالات في تونس في أعقاب موجة استهدفت شخصيّات من انتماءات سياسيّة مختلفة منذ فيفري/شباط الماضي، مما "رفع عدد الشخصيات العامة التي تُعتبر منتقدة لسعيّد وتمّ إيقافها إلى ما لا يقلّ عن 30، أغلبها متهمة بـ"التآمر ضد أمن الدولة"، وفق ما أكدته المنظمة المذكورة.
ومن بين الموقوفين المرتبطين بالنهضة أربعة وزراء سابقين والعديد من أعضاء البرلمان سابقًا. ومن بينهم أيضًا رئيس الحزب ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي، ونائبيه في الحزب علي العريّض ونور الدين البحيري. ولم تُوجّه إلى أيّ منهم تهم رسميّة، وفق تقرير "هيومن رايتس ووتش".
"هيومن رايتس ووتش": ارتفع عدد الشخصيات العامة التي تُعتبر منتقدة لسعيّد وتمّ إيقافها إلى ما لا يقلّ عن 30، أغلبها متهمة بـ"التآمر ضد أمن الدولة"
وورد في ذات التقرير، أن سلسبيل شلالي، وهي مديرة مكتب تونس في هيومن رايتس ووتش قد قالت إنه "بعد شيطنة حركة النهضة وتوجيه اتهامات خطيرة لها دون دليل، انتقلت سلطات الرئيس قيس سعيّد إلى تفكيكها فعليًا. التكتيكات الأخيرة التي اتبعتها السلطات التونسيّة بغية إسكات الأصوات المنتقدة ارتكزت على توجيه تهمة التآمر يمينًا وشمالًا وضدّ كلّ من يتحدّى نزعة الاستبداد المتزايدة لدى الرئيس".
اتهمّت السلطات أغلب الموقوفين بـ"التآمر ضد أمن الدولة" دون تحديد الأعمال الجنائية التي تُشكّل المؤامرة المزعومة.
هيومن رايتس ووتش: بعد شيطنة النهضة وتوجيه اتهامات خطيرة لها دون دليل، انتقلت السلطات إلى تفكيكها فعليًا. التكتيكات الأخيرة التي اتبعتها السلطات التونسيّة بغية إسكات الأصوات المنتقدة ارتكزت على توجيه تهمة التآمر يمينًا وشمالًا وضدّ كلّ من يتحدّى نزعة الاستبداد المتزايدة
وهناك سبع قضايا تتعلّق بالنهضة تمكّنت "هيومن رايتس ووتش" من الحصول على معلومات إضافية بشأنها تُؤكد الطبيعة السياسيّة للاعتقالات، والاعتماد على أدلّة واهية، وتجاهل للحقوق المتعلّقة بسلامة الإجراءات، وفقها. أربعة من هذه القضايا على الأقلّ ترقى إلى حظر التعبير السلمي، كما ذكرت المنظمة.
ووفق تقرير "هيومن رايتس ووتش"، تتمثل القضايا المذكورة في التالي:
- في 20 أفريل/نيسان الماضي، أصدر قاضي تحقيق بطاقة إيداع ضدّ راشد الغنوشي بتهمة محاولة "تبديل هيئة الدولة" و"المؤامرة ضد أمن الدولة الداخلي"، وهي جرائم قد تصل عقوبتها إلى الإعدام. استندت الاتهامات إلى تحذير وجهه الغنوشي يوم 15 أفريل/نيسان أثناء تجمّع قال فيه إنّ إلغاء الحركات السياسيّة، بما في ذلك النهضة و"اليسار" هو "مشروع حرب أهليّة".
وقال محاميه مختار الجماعي في مقابلة إذاعيّة إنّ الغنوشي (81 عامًا) خضع خلال الأشهر الـ 18 الماضية إلى الاستجواب في 19 تحقيقًا مختلفًا.
- أغلقت الشرطة المقرّ الرئيسي للنهضة في تونس العاصمة يوم 18 أفريل/نيسان دون الاستظهار بقرار من المحكمة أو وثائق رسميّة، بحسب محام آخر. قال أيضًا إنّ قوات الأمن منعت أعضاء من الدخول إلى مكاتب الحزب في كل أنحاء البلاد.
في اليوم نفسه، أغلقت السلطات المقرّ الرئيسي لحزب يُعرف بـ"حراك تونس الإرادة" في تونس العاصمة، كان يستضيف أنشطة "جبهة الخلاص الوطني"، وهو تحالف معارض شاركت في تأسيسه النهضة.
أغلقت الشرطة المقرّ الرئيسي للنهضة في تونس العاصمة كما أغلقت المقرّ الرئيسي لحزب "حراك تونس الإرادة" الذي كان يستضيف أنشطة "جبهة الخلاص الوطني"، وهو تحالف معارض
- نائبا رئيس حركة النهضة العريّض والبحيري موقوفان في سجن المرناقيّة. يواجه العريّض (67 عامًا)، وزير الداخلية ورئيس الحكومة سابقًا، المحاكمة بسبب قرارات اتخذها لما كان في المنصبين بين 2011 و2014 ويُزعم أنّها لم تُحارب الأصوليّة والعنف الإسلامي المتطرّف "بالكيفيّة اللازمة". العريّض موقوف منذ 19 ديسمبر/كانون الأول، دون أن يُعرض على قاض.
- اعتُقل وزير العدل الأسبق البحيري يوم 13 فيفري/شباط بتهمة محاولة "تبديل هيئة الدولة" على خلفية منشور على "فيسبوك" دعا فيه التونسيين إلى التظاهر ضد سعيّد يوم 14 جانفي/كانون الثاني، ذكرى سقوط بن علي، بحسب ما قاله محاميه أمين بوكر لـ هيومن رايتس ووتش. قال محامو البحيري إنّه لم يكتب المنشور ولم ينشره.
هيومن رايتس ووتش: اعتُقل البحيري بتهمة محاولة "تبديل هيئة الدولة" على خلفية منشور على "فيسبوك" دعا فيه التونسيين إلى التظاهر ضد سعيّد في ذكرى سقوط بن علي
- اعتُقل سيّد الفرجاني، قيادي آخر في النهضة وعضو في البرلمان الذي حلّه سعيّد في مارس/آذار 2022، في تونس العاصمة يوم 27 فيفري/شباط في إطار تحقيق بشأن شركة "إنستالينغو" لصناعة المحتوى الرقمي، بحسب أحد محامييه. وجّهت النيابة العمومية للشركة، التي من بين زبائنها مؤسسات إعلاميّة ناطقة بالعربيّة ومنتقدة لسعيّد، تهمة التحريض على العنف والتشهير بسعيّد، وفق المنظمة.
يواجه الفرجاني تهمة "غسيل الأموال"، ومحاولة "تبديل هيئة الدولة" و"الاعتداء على أمن الدولة الخارجي"، والتحريض على العنف، من بين تهم أخرى – بما في ذلك بموجب "قانون مكافحة الإرهاب" لسنة 2015 – وبعضها تصل عقوبتها إلى الإعدام.
استجوب أحد قضاة التحقيق الفرجاني يوم 1 مارس/آذار حول علاقاته وأمواله. قالت عائلته ومحاميه لـ"هيومن رايتس ووتش" إنّه لا صلة له بالشركة. يقبع الفرجاني في سجن سوسة، ولم يُستجوب من قبل قاض بعدها.
اعتُقل سيّد الفرجاني في إطار تحقيق بشأن شركة "إنستالينغو" لصناعة المحتوى الرقمي ويواجه تهمة "غسيل الأموال"، ومحاولة "تبديل هيئة الدولة" و"الاعتداء على أمن الدولة الخارجي"، والتحريض على العنف، من بين تهم أخرى وبعضها تصل عقوبتها إلى الإعدام
- هناك عضوان آخران من النهضة على الأقلّ موقوفان في قضيّة انستالينغو: وزير الاستثمار الأسبق رياض بالطيّب حسبما قال محاميه لـ"هيومن رايتس ووتش"، والغنوشي الذي صدرت بحقه مذكرة إيقاف في هذه القضية في 9 ماي/أيار الجاري.
- اعتُقل محمد المزوغي، مدير العلاقات العامة لحزب النهضة في مدينة باجة يوم 9 مارس/آذار. في اليوم التالي، اعتُقل محمد صالح بوعلاقي، الكاتب العام الجهوي للنهضة في نفس المدينة. قال محاموهما إنّهما موقوفان بتهمة "المؤامرة ضد أمن الدولة"، بما في ذلك من خلال "الربط مع أعوان دولة أجنبية"، و"الإساءة للرئيس"، وتهم تتعلق بالإرهاب بسبب دورهما المزعوم في إدارة صفحات ناقدة لحكم سعيّد على مواقع التواصل الاجتماعي، وفق تقرير المنظمة.
تُشير الوثائق التي قدّمتها النيابة العمومية إلى أنّ بوعلاقي والمزوغي يخضعان للتحقيق بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015 في جرائم تصل عقوبتها إلى السجن 20 عامًا، ومنها "الانتماء إلى منظمة إرهابية" و"استخدام التراب التونسي لارتكاب جرائم إرهابية"، و"توفير أسلحة" وغسيل الأموال. كما يخضعان للتحقيق بموجب فصول من "المجلة الجزائية" والفصل 86 من "مجلة الاتصالات". استجوب قاضي التحقيق المزوغي آخر مرّة يوم 24 مارس/آذار وبوعلاقي يوم 28 مارس/آذار.
- اعتُقل أيضًا محمد بن سالم، قيادي سابق في النهضة ووزير الفلاحة الأسبق، يوم 3 مارس/آذار دون أمر قضائي في بلدة بير لحمر جنوب شرق البلاد. يخضع بن سالم للتحقيق بتهمة "تنظيم وفاق لهدف إعداد وتحضير ارتكاب جريمة مغادرة التراب التونسي خلسة" بموجب الفصل 42 من "القانون عدد 40 لسنة 1975 المتعلق بجوازات السفر ووثائق السفر" و"حيازة مبالغ مالية بعملة أجنبية" بموجب فصول من "مجلّة الصرف".
لم يُستجوب بن سالم من قبل قاض منذ إيقافه. لكن شرطة الجرائم المالية استجوبته في تحقيق منفصل يتعلق بفساد مزعوم يوم 12 أفريل/نيسان الماضي. وقال محاميه لـ"هيومن رايتس ووتش" إنّ أربعة أشخاص آخرين موقوفين على صلة بالقضايا المرفوعة ضدّ بن سالم، ومنهم عضو البرلمان عن النهضة أحمد العماري.
هيومن رايتس ووتش: محمد بن سالم، الموقوف في سجن صفاقس، فقد قدرته على المشي وتعرّض لجلطتين منذ اعتقاله، بحسب ما قاله محاميه عبد الوهاب معطر
بن سالم، الموقوف في سجن صفاقس، فقد قدرته على المشي وتعرّض لجلطتين منذ اعتقاله، بحسب ما قاله محاميه عبد الوهاب معطر لـ هيومن رايتس ووتش. قالت عائلته أيضا إنه يعاني من مشاكل في القلب وأمراض مزمنة منذ سنوات.
وأكدت "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها أعلاه، أن "سعيّد قوّض استقلالية القضاء بشكل منهجي، مما يثير مخاوف بشأن هؤلاء وغيرهم من الناس الذين يواجهون اتهامات بعدما انتقدوه".
وكان سعيّد قد حلّ، في فيفري/شباط 2022، "المجلس الأعلى للقضاء"، المُكلف بضمان استقلالية القضاء، وعيّن مكانه مجلسًا مؤقتًا له سلطة كبيرة عليه. وفي جوان/حزيران 2022، منح لنفسه سلطة فصل القضاة بشكل أحادي، وفصل 57 منهم. وإثر ذلك رفضت السلطات الامتثال لحُكم المحكمة الإدارية بإعادة 49 منهم إلى مناصبهم.
هيومن رايتس ووتش: بموجب القانون الدولي، لا يجوز إيقاف شخص تحفظيًا إلا في حالات استثنائية، عندما تقدّم المحكمة أسبابًا مقنعة وفرديّة وخاضعة للمراجعة الدورية والاستئناف
وذكرت المنظمة أنه "وبموجب القانون الدولي، لا يجوز إيقاف شخص تحفظيًا إلا في حالات استثنائية، عندما تقدّم المحكمة أسبابًا مقنعة وفرديّة وخاضعة للمراجعة الدورية والاستئناف". يُفرض الإيقاف التحفظي فقط "كاستثناء" بموجب الفصل 84 من "مجلة الإجراءات الجزائية" التونسية.
كما يكفل "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية"، وتونس طرف فيه، الحق في حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. وتونس ملزمة أيضًا بموجب العهد و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" باحترام الحق في المحاكمة العادلة.
"هيومن رايتس ووتش": "على السلطات التونسيّة الكف عن الانتقام من النهضة والمعارضين الآخرين، وإطلاق سراح جميع المسجونين في غياب أدلّة موثوقة عن ارتكابهم جرائم"
وورد في تقرير "هيومن رايتس ووتش" عن سلسبيل شلالي، وهي مديرة مكتب تونس في المنظمة، "على السلطات التونسيّة الكف عن الانتقام من النهضة والمعارضين الآخرين، وإطلاق سراح جميع المسجونين في غياب أدلّة موثوقة عن ارتكابهم جرائم".
وحزب النهضة، "حركة الاتجاه الإسلامي" سابقًا، الذي تأسس سنة 1981، لم يحصل على اعتراف قانوني إلا في 2011، بعد الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي. ولعب حزب النهضة دورًا محوريًّا في كل التحالفات الحكوميّة حتى انتخابات 2019 في تونس.