لم تكن فاجعة الرابطة التي أودت بحياة 14 رضيعًا، التي أحدثت رجة وجدلًا بين التونسيين، الحادثة الأولى من نوعها في تونس في مجال الإخلالات الطبية. تعددت هذه الإخلالات وتزايد عدد ضحاياها طيلة السنوات الأخيرة، إذ يسجّل سنويًا 7000 "خطأ طبي" وفق الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية، فيما يتم سنويًا إيقاف بين 30 إلى 50 طبيبًا بسبب الأخطاء الطبية أو الموت المستراب وغيرهما من الأسباب. بذلك، بات هذا الملف محل جدل واسع ما دفع الأطراف المتدخلة في هذا المجال إلى المطالبة بقانون يكفل حقوق المريض في صورة حصولل إخلال أو خطأ طبي ويحدد نطاق مسؤولية الطبيب. وفي هذا الإطار، صادق مجلس وزاري، بتاريخ 28 مارس/آذار المنقضي على مشروع القانون الأساسي المتعلق بحقوق المرضى والمسؤولية الطبية، وما هو ما لقي ردود أفعال مرحّبة وأخرى منتقدة رفضًا لمضمونه.
اقرأ/ي أيضًا: الصحة العمومية في تونس.. تدهور مستمرّ ودعوة للإنقاذ قبل فوات الأوان
ماهو مضمون مشروع قانون المسؤولية الطبية؟
يهدف مشروع هذا القانون، وفق ما تضمّنه، إلى إرساء إطار قانوني خاص يتعلق بحقوق المرضى وآليات الوقاية من المخاطر والأضرار المرتبطة بالعلاج وبنظام المسؤولية الطبية لمهنيي الصحة المباشرين لنشاطهم بصفة قانونية ومسؤولية الهياكل والمؤسسات الصحية العمومية والخاصة أثناء تقديمها للخدمات الصحية.
وتضمّن المشروع المعروض 58 فصلًا موزعين على 7 أبواب تشمل الأحكام العامّة، وحقوق المرضى وآليّات الوقاية من المخاطر، والأضرار المرتبطة بالعلاج، والمسؤوليّة الطبيّة المدنيّة إلى جانب التسوية الرضائيّة والتعويض فالاختبار الطبّي والتتبّع الجزائي لمهنيي الصحّة مع باب سابع خاص بالأحكام الختامية.
مظاهرة لنقابات الأطباء عام 2017 احتجاجًا على إصدار بطاقة إيداع بالسجن بحق طبيبين بسبب "خطأ طبي" (أمين الأندلسي/وكالة الأناضول)
وينص على إحداث حساب خاص في الخزينة يسمّى "صندوق التعويض عن الأضرار المرتبطة بالعلاج" وذلك بمقتضى قانون الماليّة، كما يقترح منح المتضرر أو وليه الشرعي أو ورثته الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل له، في أجل أقصاه 15 سنة من تاريخ حصول الضّرر أو العلم بالفعل المنشأ للضرر.
ويقترح الباب الرابع ضمن قسم التسوية الرضائية والتعويض، إحداث لجنة جهوية تسمّى "اللجنة الجهويّة للتسوية الرضائيّة والتعويض" على مستوى كلّ إدارة جهوية للصحة، تتولى النّظر في مطالب التسوية الرضائية والتعويض على أن تضبط مهامها وتركيبتها وطرق سيرها بمقتضى أمر حكومي.
يقترح مشروع قانون المسؤولية الطبية منح المتضرر أو وليه الشرعي أو ورثته الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل له في أجل أقصاه 15 سنة من تاريخ حصول الضّرر
وإجرائيًا، ينص على إحالة كتب الصّلح المبرم بين المتضرر أو وليه الشرعي أو وكيله القانوني أو المقدم عليه أو الورثة والجهة المعنيّة بالتعويض، والمحلّى بالصبغة التنفيذيّة بعد إحالته على رئيس المحكمة الإبتدائية بالجهة، إلى الجهة المعنية بالتعويض للتنفيذ، على أن يتم صرف مبلغ التعويض في أجل أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ إكساء كتب الصلح بالصبغة التنفيذية.
اقرأ/ي أيضًا: أطباء تونسيون في المهجر.. ضرورة لا اختيار؟
وضمن باب التتبع الجزائي لمهنيي الصحة، ورد في مشروع القانون أنه لا يمكن الاحتفاظ بمهني الصحّة أو إيقافه تحفّظيًا أو توقيع العقوبات المنصوص عليها بالفصلين 217 و225 من المجلة الجزائية عليه في علاقة بممارسته لأعماله المهنية، إلاّ إذا ثبت من خلال تقرير الاختبار المأذون به أنّ الأضرار الحاصلة كانت ناتجة عن إهمال جسيم من قبله.
يشار إلى أنّ التطبيق القضائي لقواعد المسؤوليّة الطبيّة يختلف حاليًا بين القضاء الإداري والقضاء العدلي من حيث أساس المسؤوليّة وشروط قيامها والآثار المترتّبة عنها. كما لا يكرّس الإطار القانوني المعتمد حاليًا في مادة المسؤولية الطبية المدنيّة قاعدة المساواة في التعويض عن الأضرار العلاجية سواء بين القطاعين العمومي والخاص أو داخل كلّ قطاع في حدّ ذاته.
بين اجتهاد الطبيب وحماية المريض
سهيل العلويني، رئيس لجنة الصحة بمجلس نواب الشعب، قال لـ"ألترا تونس" إن القانون لم يصل إلى الآن إلى مكتب البرلمان حتى تتم دراسته بالشكل المطلوب، لكنه أكد، في المقابل، على أهمية هذا القانون ومدى انتظاره من جميع الأطراف المتداخلة في القطاع الصحي.
واعتبر أن هذا القانون "سيجعل الطبيب يعمل في ظروف مريحة نوعًا ما بدون ضغط كما سيؤمن حقوق المريض في حالة الخطأ". لم ينف محدثنا وجود أخطاء طبية لكنه أكد أن الأطباء بدون اجتهاد لا يستطيعون القيام بعملهم على أكمل وجه، على حد تعبيره، قائلًا "نتائج الاجتهاد يمكن أن تكون سلبية كما يمكن أن تكون إيجابية".
سهيل العلويني (رئيس لجنة الصحة في البرلمان): مشروع قانون المسؤولية الطبية سيجعل الطبيب يعمل في ظروف مريحة نوعًا ما كما سيؤمن حقوق المريض في حالة الخطأ
رئيس الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية صابر بن عمار لم يكن له نفس رأي العلويني. أكد بن عمار لـ"ألترا تونس" ضرورة إصدار قانون في هذا المجال ولكنه يرفض محتوى مشروع القانون المقدم واصفًا إياه بأنه "دون المأمول". يقول محدثنا: "انتظرنا قانونًا يكون نواة أولى لبناء قانون الصحة التونسي الذي لا يزال يسعى إليه التونسيون، لكن وجدنا قانونًا يحتوي على الكثير من النقائص أولها إعفاء الأطباء من المسؤولية الجزائية".
وبسؤال "ألترا تونس" عن تصورات الجمعية لهكذا قانون، يشير محدثنا إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لمسؤولية جميع الأطراف المتداخلة في القطاع الصحي من إطار طبي وصيادلة وإطار شبه طبي وممرضين ومصنعي الأدوية.
اقرأ/ي أيضًا: تقرير دائرة المحاسبات: 10 خروقات خطيرة في مستشفى عزيزة عثمانة
نقابة الأطباء تبتهج ونقابة الممرضين تحتجّ!
من جانبها، اعتبرت نقابة الأطباء وأطباء الاسنان والصيادلة مشروع القانون مكسبًا للقطاع الصحي، وأكد كاتبها العامة محمد الهادي السويسي في تصريحه لنا عن سعادته بتمرير القانون إلى مجلس النواب. واعتبر أن هذا القانون رغم بعض النقائص التي يمكن الاتفاق بشأنها وفق قوله، هو "أداة جيدة لحماية الطبيب والمريض على حد السواء" مؤكدًا أنه سيحسن العلاقة بين الطرفين من خلال تحديد الحقوق والواجبات حسب تعبيره. وحول نقائص مشروع القانون بالنسبة للنقابة، حدثنا السويسي بالخصوص عما وصفه بإهمال الوضعيات الطارئة كحالات الاستعجالي والكوارث الوطنية.
من جهته، انتقد كاتب عام النقابة الوطنية للممرضين بلال القاسمي، في حديثه لـ"ألترا تونس" ما اعتبره استبعاد نقابة الممرضين بشكل تام من صياغة مشروع القانون معلقًا بالقول "الممرضون هم العمود الفقري لوزارة الصحة، وأكبر عدد من العاملين في الوزارة هم من صنف الممرضين لكن لم يتم تشريكنا رغم أننا شريك في الأخطاء الطبية على اعتبار وجود أخطاء يتحمل مسؤوليتها الممرضون".
بلال القاسمي (كاتب عام نقابة الممرضين): لم يقع إشراكنا في إعداد مشروع قانون المسؤولية الطبية وتمّ استبعادنا من الحوار حول القطاع الصحي
يعتقد القاسمي بوجود تمييز يُمارس على الممرضين، مبينًا أن اللجنة الطبية التي أوكلت لها مهمة التحقيق في "فاجعة الرابطة" لا تشمل أي ممرض وذلك عدا عن استبعداهم من حوار رئيس الحكومة يوسف الشاهد حول القطاع الصحي وفق تأكيده.
تفتقر تونس، في الأثناء، إلى قانون شامل للصحة ينظم القطاع وتكون مهمته دراسة إستراتيجيات تطويره ويتناول مختلف القضايا منها على وجه الخصوص تصنيع الأدوية والعمل بالمستشفيات العمومية وجامعات الطب. وبينما يعتبر مراقبون أن مشروع القانون الحالي للمسؤولية الطبية يمكن اعتباره حجر البداية لإعداد قانون الصحة، يعتقد البعض الآخر أن هذا المشروع يؤسس لديكتاتورية طبية وينفي المسؤولية عن الأطباء في حال حدوث خطأ طبي.
اقرأ/ي أيضًا:
معركة البقاء.. تونسيات يواجهن السرطان بين "صالح عزيّز" و"الدار الخضراء"