لا يظن الشاب أن معاناته تنتهي بالحصول على الشهادة الجامعية فماهي إلا خطوة أولى في طريق عسير. إذ يبدأ لاحقًا مشوار البحث عن عمل، وعادة ما ينطلق الشاب بإعداد سيرة ذاتية والتعرف على مواقع عروض الشغل ثم البحث عن شغل يناسب الشهادة والمؤهلات، وقد يكتشف، في الأثناء، أن مؤهلاته محدودة ليضطر إلى القيام بدورات تدريبية لرفع حظوظه في سوق الشغل.
يقدّر الباحثون عن شغل أن مقابلة العمل هي المرحلة الأصعب في تحصيل الوظيفة ولا يرونها معيارًا عادلًا للتقييم على خلاف عارض الشغل الذي يعتبرها الطريقة الملائمة لتقييم المؤهلات
لكن يأتي السؤال، هل تضمن مؤهلات علمية متميزة مدعمة بدورات تدريبية في اختصاصات أخرى مع إتقان للغات الحصول على شغل؟ بغض النظر عن الجواب، يقوم الباحث عن شغل، حينما يجد عرضًا يناسبه، بإرسال سيرته الذاتية والوثائق المطلوبة عبر البريد الالكتروني أو البريد العادي، ثم يقع الاتصال به لاحقًا من عارض الشغل من أجل مقابلة العمل.
يعتبر العديد من الباحثين عن شغل هذه المقابلة، المرحلة الأصعب في تحصيل الوظيفة، ولا يرونها معيارًا عادلًا لتقييم المتقدمين للوظائف، فيما يؤكد عارضو الشغل أن مقابلة العمل هي الطريقة الملائمة للتقييم، وغالبًا ما يؤكدون أن مطالب سوق الشغل أكبر من مؤهلات المعطلين عن العمل. وعادة ما تدوم هذه المقابلة بين 10 دقائق و30 دقيقة ولكن قد تتجاوز أحيانًا الساعتين حسب الوظيفة المطلوبة.
اقرأ/ي أيضًا: عقود العمل الوهمية.. تجارة الرق الحديثة
ذكريات سيئة مع مقابلات الشغل
يقول حمزة (33 سنة) لـ"الترا تونس" إنه خضع لأكثر من 10 مقابلات عمل قبل الحصول على عمله الحالي في شركة تأمين. ويعود حمزة، الحاصل على شهادة المحاسبة سنة 2009، بذاكرته إلى إحدى مقابلات العمل قائلًا: "حصلت أغرب هذه المقابلات عام 2011، عندما وجدت 3 أشخاص في قاعة المقابلة، كانوا يمطرونني بالأسئلة وكأنني في تحقيق. أجبت بطريقة جيدة، غير أنهم أصبحوا لاحقًا يطرحون أسئلة عن تفاصيل دقيقة وقواعد علمية من قبيل نسبة البطالة، وقيمة مدخرات العملة الصعبة وكيفية احتساب مؤشر تغطية الصادرات للواردات". ويضيف قائلًا: "لقد قرروا أنني غير مؤهل للوظيفة لأنني نسيت كيف يُحسب مؤشر التغطية".
يرى حمزة أنه من غير الطبيعي أن تسأل شخصًا عن قاعدة علمية نظرية في مقابلة عمل، "فكل شيء سيتم حسابه من خلال الحاسوب والقواعد النظرية لن تحتاج إليها أبداً في العمل" هكذا يقول محدثنا.
أمية (38 سنة) عاشت هي الأخرى تجربة وصفتها بالغريبة، تخرجت محدثتنا من كلية الصيدلة في دولة أوروبية وقد خضعت إلى عدد لا بأس به من مقابلات الشغل. تذكر أنها أجرت قبل 3 أعوام مقابلة عمل في شركة للأدوية بتونس وتقول: "دخلت للقاعة فوجدت شخصًا بانتظاري سألني بعض الأسئلة العادية وفجأة بدأ يتحدث إليّ في أمور جنسية مقرفة محاولًا استمالتي، جرى الأمر هكذا بكل بساطة"، وتضيف: "أخذت حينها حقيبتي وغادرت القاعة، والغريب أن إحدى صديقاتي تعرضت أيضًا لهكذا موقف".
أمية (38 سنة): تعرضت للتحرش الجنسي خلال مقابلة العمل وصديقتي تعرضت لهكذا موقف أيضًا
تتنهّد أمية بعد سردها لهذه الحادثة وتتساءل: "هذا كّل ما حصل في هذه المقابلة، فأي معيار لتقييم الأشخاص في هذه المقابلات إن كنا نجد شخصًا مختلًا عقليًا يشرف على مقابلات العمل؟".
يُشار أن القطاع العام يعتمد في الانتداب أساسًا على المناظرات، فيما يعتمد القطاع الخاص على مقابلات العمل لدراسة الشخصية ومدى ملائمة طالب الشغل للوظيفة المعروضة، وقد أصبحت بعض الشركات في تونس تعتمد على شركات مناولة للقيام بمهمة الانتداب.
اقرأ/ي أيضًا: الـ"فريلانس".. وجهة جديدة لشباب تونس الباحث عن عمل
عارضو الشغل: لا مفرّ من مقابلة العمل
ينظر عارضو الشغل لمقابلات العمل نظرة مغايرة للباحثين عن عمل. يحدثنا سامي (45 سنة)، وهو مسؤول عن الموارد البشرية في فرع شركة عالمية بتونس، أن الغالبية العظمى من المعطلين عن العمل لا تتطابق شهائدهم ومؤهلاتهم مع سوق الشغل، ويقول: "لازال طالب الشغل في تونس إلى اليوم يرسل سيرة ذاتية في ملف بصيغة "word"، ولا يزال يزين سيرته الذاتية بالألوان كما لو أنها كراس موسيقى، ولازال أيضًا يعتبر إتقان البرامج المكتبية إنجازًا".
يحدثنا سامي لـ"الترا تونس" عن حادثة عاشها قبل أسبوع فقط قائلًا:" أجريت مقابلة عمل لشخص حاصل على شهادة مرحلة ثالثة في الدراسات التجارية، لكنه لا يعرف التحدث بالفرنسية ولا الإنجليزية. وعندما سألته عن مشروع التخرج، أجابني بكل بساطة بأنه لا يعلم عنه شيئًا وأنه وجد مشروعًا قديمًا فقدمه إلى الأستاذ وحصل بذلك على علامة ممتازة".
سامي (مسؤول موارد بشرية في شركة): لا يزال طالب الشغل في تونس يزين سيرته الذاتية بالألوان كما لو أنها كراس موسيقى ولا يزال يعتبر إتقان البرامج المكتبية إنجازًا
في هذا السياق، تتحدث دراسة أجراها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات عن وجود أكثر من 107 آلف وظيفة شاغرة في تونس ما يعني أن هذه الوظائف لم تجد بعد الكفاءة المطلوبة، وهو ما يعزز فرضية عدم التوازن بين مطالب سوق الشغل ومؤهلات المعطلين عن العمل.
وفي هذا الإطار، يحدثنا بشير (38 سنة)، وهو صاحب شركة خاصة، أنه يبحث منذ 3 أشهر عن مهندس في السلامة المعلوماتية يجيد اللغة الألمانية ولكنه لم يعثر على شخص واحد إلى حد الآن. يرى بشير أنه مهما كانت درجة الشهادة الجامعية المتحصل عليها، فإن اتقان اللغات لا مفر منه مشيرًا بأن مطالب سوق الشغل أصبحت تجنح إلى العالمية، وعليه كلما أتقنت لغة أو برنامجًا أو تطبيقًا كلما ارتفعت حظوظك في الحصول على عمل براتب جيد، كما يؤكد.
وقد كشفت دراسة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات خللًا خطيًرا على مستوى سوق الشغل واشكالًا فيما يتعلق بالتدريب ومهارات الشباب الذين يرغبون في الوصول إلى أول وظيفة. ويُشار أن سوق الشغل التونسية تستقبل سنويًا قرابة 55 ألف طالب شغل جدي، لكن لا تتمكن من تلبية سوى 40 ألف فرصة عمل أغلبها في القطاع الخاص، وهو ما يعني تراكم أعداد العاطلين عن العمل من سنة إلى أخرى بمعدل لا يقل عن 15 ألفًا في السنة الواحدة.
اقرأ/ي أيضًا:
الهجرة الداخلية في تونس.. قصص البحث عن فرص شبه منعدمة!
روضة العبيدي: قريبًا قانون للتصدي لمكاتب التشغيل الوهمية في تونس (حوار)