الترا تونس - فريق التحرير
يتجاذب الأدبَ التونسي قبل الثورة وبعدها قطبان، قطبٌ يشده إلى التربة السياسية والاجتماعية التي نشأ فيها، وقطب يحلق به في آفاق فنية وجمالية من أجنحتها الإيقاع والإيحاء والصور الشعرية وسائر ألوان التفنن في النغم والعبارة.
فتحي النصري (أستاذ الأدب): الشعر الملتزم يتراجع في ظلّ الحرية، لأنّ هذا الشكل الأدبي ينمو في ظلّ التصدّي للقمع والاضطهاد
هذه الأجنحة كادت تفقد سحرها وبريقها بسبب موجة التعبير المباشر التي انخرط فيها العديد من الأدباء والفنانين بعد 14 جانفي/كانون الثاني 2011، إذ فقدت الكثير من الأعمال القصصية والمسرحية والشعرية عمقها وطرافتها ومال أصحابها إلى الاستسهال والابتذال، فأضاعوا مسالك البراعة والتميز، ولم يسلم من هذه الهنات إلا الراسخون في الإبداع والعارفون بهويته وأصوله وشروطه، ذلك أنّ العمل الأدبي إذا شحنه صاحبُه بالمواقف النقدية الصريحة حوَّله إلى منبر فكري أو سياسي أو فقهي أو وعظي، حينئذ يفقد أوكد شروط الطرافة والإثارة والإمتاع.
وقد تفطّن العديد من النقاد إلى هذا المأزق الإبداعي، فتمّ التطرق إليه في بعض المحاضرات والمداخلات منها مداخلة عنوانها "السياسي والشعري في الأدب العربي الحديث" التي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-تونس يوم 21 فيفري/ شباط 2022 ضمن لقاءات مجالس الأدب، وقدمها فتحي النصري أستاذ الأدب الحديث بالجامعة التونسية الذي جمع في مؤلفاته بين الأعمال النقدية والإبداعات الشعرية منها دواوين "قالت اليابسة" و"سيرة الهباء" و"جرار الليل" و"نمنمات".
الأدب الملتزم سليل القمع
ذكر النصري لـ" ألترا تونس" أنّ الشعر الملتزم يتراجع في ظلّ الحرية، لأنّ هذا الشكل الأدبي ينمو في ظلّ التصدّي للقمع والاضطهاد، غير أنّ السمات الجوهرية للفن عامة بصرف النظر عن السياق التاريخي هي التورية والترميز والمجاز والخيال و ما يمكن نعته بالثوابت الفنية التي لا غنى عنها في زمن الاستبداد أو الحرية.
وذكر النصري أن الأدباء يتوخون الإيحاء والترميز إمّا التزامًا بمقتضيات الخطاب الفني أو خوفًا من الرقابة والقمع.
أستاذ الأدب الحديث بالجامعة التونسية فتحي النصري
مأساة الشاعر مزمنة
نفي مبروك المناعي أستاذ الأدب القديم، من جهته، أن تكون الحرية معطلّا من معطلات الإبداع، ذلك أن الشاعر إن توفرت له كل شروط الحرية والسعادة سيجد في حيز ما من عالمه لونًا من ألوان البؤس الوجودي يكون قادحًا على إبداع صور فنية متميزة، فالمأساة في تجارب الشاعر حالة مزمنة لا شفاء منها، وهي منبع دائم للفن والأدب.
أستاذ الأدب القديم مبروك المناعي
الثورة من بنات الإبداع
من جهته، أكّد مختار الفجاري الأكاديمي والباحث في الحضارة أنّ الأدباء والفنانين والشعراء أكثر ميلًا إلى الثورة من المفكرين والفقهاء، فهؤلاء مجبولون على الرفض والتمرد والتجديد، وأولئك مشدودون إلى التعقّل والانضباط والتقعيد، فلا عجب أن تكون صورة أبو القاسم الشابي الشاعر الوطني أعلق في الأذهان وفي سجل المقاومين من صورة سائر المناضلين من مختلف المجالات الأخرى.
الأكاديمي والباحث في الحضارة مختار الفجاري
اقرأ/ي أيضًا:
الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب تُوزّع "دليل السجين في تونس"