28-يونيو-2018

تمّ استرجاع أكثر من 60 ألف هكتار من الأراضي الدولية الفلاحية التي استولى عليها مواطنون (صورة تقريبية/ آدريا بارتيز فورتيزا/ EyeEm)

منذ اندلاع الثورة تعرّضت آلاف عقارات الأراضي التابعة للدّولة إلى الاستغلال بغير الصفة القانونية، كما شيّد آلاف المواطنين عدة بنايات على ملك الدّولة مستغلّين الانفلات الأمني، لاسيما خلال السنوات الأولى التي تلت الثورة. ومنذ انتخاب أول حكومة وتنظيم مؤسسات الدّولة، سعت الهياكل الرسمية بطرق عدّة إلى استرجاع تلك الأملاك في عدّة جهات وولايات لاسيما الأراضي الفلاحية.

تمّ استرجاع أكثر من 60 ألف هكتار من الأراضي الدولية الفلاحية التي استولى عليها مواطنون في جميع أنحاء البلاد

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. وثائق جديدة حول استغلال المستعمر الفرنسي للثروات الباطنية

وعلى سبيل الذكر فقد تمكنت مصالح الإدارة الجهوية لأملاك الدولة والشؤون العقارية في شهر ماي/ أيار الماضي من استرجاع عقار دولي فلاحي بجهة بوعرقوب بمساحة 4 هكتارات، بعد التنبيه على المتصرف غير القانوني. فيما استرجعت الوزارة في نفس الشهر أيضًا عقارًا دوليًا يمسح 14 هكتارًا بمنطقة سيدي بورويس من ولاية سليانة، على إثر قرار إخلاء صادر عن والي الجهة بالتنسيق مع السلط الأمنية. كما استرجعت الوزارة في نفس الولاية في شهر أفريل/ نيسان الفارط عقارين دوليين يمسح الأول 40 هكتارًا فيما تقدّر مساحة الثاني بـ51 هكتارًا. وقد تمكنت الوزارة أيضًا من استرجاع عقار دولي كائن بمدينة سكرة مساحته 1.2 هكتار تقريبًا خلال الشهر الماضي، حسب ما أكدته مصادر مطلعة بوزارة أملاك الدولة لـ"الترا تونس".

كما تمكنت الدولة منذ انطلاق الحملة من استرجاع عقاراتها والتي بلغت إلى حدّ اليوم أكثر من 28.000 هكتارًا مع التصدّي لكلّ الاعتداءات والتجاوزات التي يتعرض لها الملك العمومي في أغلب مناطق الجمهورية.

كما تمّ استرجاع أكثر من 60 ألف هكتار من الأراضي الدولية الفلاحية التي استولى عليها مواطنون في جميع أنحاء البلاد، وفق الإدارة العامة العامة للعقارات الفلاحية التابعة لكتابة الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية.

وكشف وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كرشيد سنة 2017 أن السلطات استردت نحو 20 في المائة من أملاكها المستولى عليها منذ الثورة في عام 2011.

محمد (أستاذ جامعي من طبرقة) لـ"الترا تونس": عديد الأراضي الفلاحية على ملك الدولة بالمنطقة شيدت عليها بنايات وحولتها إلى أراضي سكنية دمرت ما كانت تنتجه تلك الأراضي وقضت على مواطن شغل

على صعيد آخر، سعت الوزارة إلى تمكين 500 ألف مواطن تونسي من  شهائد ملكية بعد صدور الأمر عدد 505 لسنة 2018 بتاريخ 7 جوان/ حزيران 2018، الذي يضبط تسوية كل الوضعيات وإنهاء كل الإشكاليات القائمة على مستوى هذه القضية الشائكة، خاصة وأنّ هؤلاء المتساكنين أقاموا عقاراتهم على ملك الدّولة الخاص. ولم يكن ذلك بنية الاستحواذ على ملك الدولة. إذ تعود هذه المجمعات السكنية إلى فترة الستينيات حينما حصلت فيضانات بتونس، وتمت نقلة هؤلاء المواطنين إلى أماكن أخرى بعد أن أخذت عقاراتهم. فيما بقي هؤلاء لا يملكون شهادة ملكية قانونية ولا يستطيعون بيع أو رهن العقار أو حتى قسمته. فكان لزامًا على الدولة أن تجد حلًا لهذه الوضعيات وأن تعطي المواطنين حقوقهم، بعد أن تمت دراسة هذا الأمر من طرف الوزارات المعنية. ومن بين شروط التسوية أن تكون هذه العقارات مبنية قبل سنة 2000. ولا تشمل هذه التسوية أولئك الذين افتكوا عقارات الدولة. وتمّ إحصاء التجمعات السكنية إلى 1115 تجمعًا في كامل تراب الجمهورية باستثناء التجمعات السكنية المحدثة بعد 14 جانفي/ كانون الثاني 2011، وهي تجمعات غير معنية بالتسوية، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة بوزارة أملاك الدولة "الترا تونس".

اقرأ/ي أيضًا: بائع الورد الصغير.. طفل يبيع الحب ويشتري "الموت"

وإذا كانت الدولة قد استرجعت آلاف العقارات والأراضي على مدى السنوات الأخيرة، ما تزال آلاف الأراضي الأخرى تحت استحواذ عدة مواطنين دون وجه حق. وأفاد محمد (أستاذ جامعي من طبرقة) "الترا تونس" أن عديد الأراضي الفلاحية على ملك الدولة بالمنطقة شيدت عليها بنايات وحولتها إلى أراضي سكنية دمرت ما كانت تنتجه تلك الأراضي، وقضت على مواطن الشغل التي كانت توفرها لبعض متساكني المنطقة، راجيًا أن يتم استرجاع تلك الأراضي من قبل الدولة مثلما تم استرجاع بعض الأراضي الأخرى.

ولم تعمل الوزارة خلال السنوات الأخيرة على استرجاع العقارات المنهوبة فقط. بل عملت على صياغة مشروع قانون جديد يحمي الأملاك الوطنية. وتم الإعلان في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 أنّه ستتم إحالة مشروع مجلة الأملاك الوطنية على أنظار مجلس وزاري. إذ أكد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كرشيد أنّ مجلة الأملاك الوطنية تهدف إلى تجميع وتطوير النصوص التشريعية والترتيبية الخاصة بتنظيم ملك الدولة والتصرف فيه بشكل يجعلها تتلاءم مع التراتيب الجاري بها العمل. كما أشار إلى أن غياب النص القانوني يشكّل مصدر إرباك تشريعي، داعيًا إلى ضرورة التعامل مع الملك العمومي بالشفافية اللازمة ومضيفًا أن مجلة الأملاك الوطنية ستكون مكسبًا لتونس.

يهدف مشروع مجلة الأملاك الوطنية إلى تجميع المنظومة القانونية للأملاك وتطويرها وجعلها قادرة على تتبع تلك الأملاك ومراقبتها ورد الاعتداءات عنها

وقد انتهت وزارة أملاك الدولة من إعداد مشروع مجلّة الأملاك الوطنية والتي تضمنت 149 فصلًا، ليتمّ نشرها على موقع الوزارة وعرضها للاستشارة على العموم قبل تعديل بعض فصولها بناء على نتائج الاستشارة والمصادقة عليها من قبل مجلس وزاري مثلما هو مذكور في موقع الوزارة.

ويهدف مشروع المجلّة إلى"تجميع النصوص القانونية والمنظومة القانونية الراهنة للأملاك العامة والخاصة للدولة وتطويرها وجعلها قادرة على تتبع تلك الأملاك وحصرها وضبطها ومواكبة نسق تحرك وضعياتها المادية والقانونية ومراقبتها والتصرف فيها وردّ الاعتداءات عنها".

وينصّ مقترح المجلة في الفصل 140 على أنّه " يعاقب بالسجن من شهر واحد إلى عام وبخطية مالية من مائة دينار إلى ألف دينار أو بإحدى العقوبتين كل من يتعمّد تهديم أو تحويل علامات تحديد الأملاك الوطنية العقارية. كما أنّ المحاولة موجبة للعقاب".

كما ينصّ الفصل 141 على أنه "يعاقب بالسجن مدّة خمسة أعوام وبخطية مالية قدرها خمسة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين كل من يشغل بدون صفة ملكًا من الأملاك الوطنية أو يستمر على ذلك رغم التنبيه عليه بالطرق القانونية".

ويعاقب بالسجن حسب الفصل 142 بنفس العقوبات المستوجبة بالفصل السابق كل من يعتدي على ملك من الأملاك الوطنية سواء كانت منقولًا أو عقارًا أو يتصرف في تلك الأملاك بدون صفة وبأي طريقة كانت. فيما "يعاقب بالسجن مدّة خمس سنوات وبخطية تساوي قيمة النقص أو الأضرار أو بإحدى العقوبتين كل من يقوم باستخراج أو رفع أو إزالة مواد مهما كانت طبيعتها من الأملاك الوطنية دون الترخيص في ذلك من السلط الإدارية ذات النظر أو من يستولي عليها أو يختلسها أو يلحق بها ضررًا"، حسب الفصل 143.

يذكر أنّ اللجنة المكلفة بصياغة مجلة الأملاك الوطنية تكوّنت من وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية وقاض إداري وقاض عقاري، وممثل عن الهيئة الوطنية للمحامين وممثل عن مركز تونس للقانون العقاري والمكلف العام بنزاعات الدولة. إضافة إلى حافظ الملكية العقارية والمدير العام للاقتناء والتحديد، و6 أساتذة جامعيين من ذوي الاختصاص في القانون العام. إلى جانب لجنة فنية متكونة من سبعة أعضاء يمثل أغلبهم الإدارات العامة التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية. بالإضافة إلى ممثلين عن وزارتي الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والتجهيز والإسكان والتهيئة الترابية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونسيون يدعون إلى "تجميد" الحج: هل أصبحت تكاليفه تعبيرة عن لا مساواة اجتماعية؟

"العصا في المؤخّرة".. لا بأس بالتعذيب مادامت التهمة الإرهاب!