تعيش تونس منذ سنوات على وقع أزمة اقتصادية حادة، أثرت على جميع الفئات الاجتماعية دون استثناء غير أنّ مختصين يؤكدون أنّ النساء هنّ أكبر وأول ضحايا هذه الأزمة باعتبار أنهنّ يُصنّفن في خانة الفئات الهشّة.
يؤكد مختصون أنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقها تونس منذ سنوات أثرت بدرجة أولى على النساء باعتبار أنهنّ يصنفن في خانة الفئات الهشة
ونتج عن الأزمة الاقتصادية نقص لافت في بعض المواد الغذائية الأساسية على غرار الحليب والسكر والقهوة وبعض المواد الغذائية الأخرى، حيث أثر هذا النقص على الحياة اليومية للنساء سواء العاملات أو ربات البيوت، وجعهلنّ يتحملن أعباءً جديدة إضافية "غير مدفوعة الأجر".
"أقضي يومي أبحث عن السكر والقهوة"
تبدأ آسيا (45 عامًا)، أصيلة منقطة الدندان من ولاية منوبة، يومها على الساعة السادسة صباحًا، وإلى جانب أعباء الحياة اليومية التي تُنفذها كأم وربة منزل وجدت نفسها مضطرة للتردد على المحلات التجارية بشكل دوري علّها تظفر ببعض السكر أو القهوة أو الحليب، وفق حديثها.
وتقول آسيا في حديثها لـ"الترا تونس"، إن فقدان المواد الأساسية من الأسواق أثر كثيرًا على حياتها اليومية وحمّلها أعباءً إضافية إلى جانب أعباء الاعتناء بالمنزل والأطفال، فهي تقضي معظم وقتها تبحث عن السكر والقهوة وبعض المواد الأخرى على غرار الحليب والخبز، وفق قولها.
تقول آسيا لـ"الترا تونس": فقدان المواد الأساسية من الأسواق أثر كثيرًا على حياتي اليومية وحمّلني أعباءً إضافية إلى جانب أعباء الاعتناء بمنزلي وأطفالي
تضيف آسيا قائلة: "أحصل على 1 كلغ من السكر أسبوعيًا وهذه الكمية غير كافية لأسرة تتكون من 6 أفراد، لذلك أكون حريصة على التردد على المساحات التجارية ومحلات بيع المواد الغذائية بشكل يوميّ علني أجد بعض السكر مثلاً".
تواصل حديثها مفسرة: "تبيع إحدى المساحات الكبرى القريبة من منزلي السكر مرة في الأسبوع وغالبًا ما يكون يوم الجمعة وبما أنّ زوجي يكون حينها في العمل أجدني مضطرة للبقاء وانتظار قدوم السكر أو القهوة، أنتظر لساعات طويلة يوميًا وهذا أتعبني نفسيًا وجسديًا".
تؤكد آسيا أنّ العادات اليومية في منزلهم تغيرت كذلك بسبب نقص المواد الأساسية، فهي تخلت عن تحضير وإعداد الحلويات المنزلية لأطفالها وتخلت عن طبخ عديد الأطباق التونسية في فترات نقص مادة الخبز، وفقها.
غياب المواد الأساسية يجعلني أشعر بالرعب
مثلها مثل آسيا، تعاني فهيمة كثيرًا للحصول على احتياجات عائلتها الأسبوعية من القهوة والسكر والخبز، خصوصًا وأنها تعمل يوميًا لمدة 8 ساعات ولا تجد الوقت الكافي للوقوف في الطوابير الطويلة التي باتت موجودة في كل مناطق البلاد تقريبًا.
تقول فهيمة (36 عامًا)، تعمل في شركة خاصة، إنّها تعود إلى منزلها في حي التضامن من ولاية أريانة يوميًا عند الساعة السادسة مساءً مثلها مثل زوجها، وهو ما يجعلها غير قادرة على شراء الخبر مبكرًا كما أنها تبقى دائمًا دون قهوة أو سكر وتجد صعوبة في الحصول عليهم.
تقول فهيمة لـ"الترا تونس": أعاني كثيرًا للحصول على احتياجات عائلتي الأسبوعية من قهوة وسكر وخبز
تواصل حديثها: "في الحي الذي أسكن فيه تُغلق المخابز أبوابها باكرًا أي في حدود منتصف النهار من كل يوم وبما أنني أعمل لا أتمكن من الوصول والظفر بنصيبي من الخبز وهو ما يجعلني غير قادرة على طبخ الأطباق التي يحبها أفراد عائلتي".
تضيف: "لا يوجد قهوة ولا سكر ولا أرز والخبز متوفر بكميات محدودة جدًا، لذلك أقضي يوم عطلتي الوحيد (يوم الأحد) في البحث عن المواد الأساسية التي تنقصني عوض البقاء في المنزل مع أطفالي وزوجي وتمضية الوقت سويًا".
وتؤكد فهيمة أنّها أصبحت تفكر باستمرار في طرق الحصول على القهوة والحليب والسكر ومواد أخرى، مؤكدة أن فكرة غياب المواد الأساسية من مطبخها ومن الأسواق تجعلها تشعر بالخوف والرعب.
ولم تخفِ محدثتنا مخاوفها من تواصل فقدان المواد الأساسية من الأسواق خلال شهر رمضان، كما أنها متخوفة من تواصل ارتفاع أسعار بعض المواد الأخرى مثل الخضر والغلال واللحوم، وفق قولها.
البحث عن المواد المفقودة.. عبء إضافي يثقل كاهل النساء
في هذا الإطار، قالت الناشطة النسوية ورئيسة جمعية كلام فريال شرف الدين، إنّ النساء في تونس يتحملن تبعات نقص المواد الغذائية وإنّهن مضطرات إلى التنقل للمحلات التجارية والمغازات الكبرى للبحث عن المواد المفقودة، مشيرة إلى أنّ البحث عن المواد المفقودة بمثابة العبء الإضافي الذي أثقل كاهل النساء في تونس.
وأضافت فريال شرف الدين في تصريح لـ "الترا تونس"، السبت 17 فيفري/شباط 2024، أنّ المرأة في تونس وجدت نفسها مجبرة على القيام بأعمال إضافية غير مدفوعة الأجر، إلى جانب قيامها بالأعمال اليومية في منزلها.
الناشطة النسوية فريال شرف الدين: النساء في تونس يتحملن تبعات نقص المواد الغذائية ووجدن أنفسهنّ مضطرات للتنقل للمحلات التجارية والمغازات الكبرى للبحث عن المواد المفقودة
وأكدت رئيسة جمعية كلام، أنّ الأزمة الاقتصادية ساهمت أيضًا في ارتفاع نسب العنف المسلط على النساء وفق دراسات حديثة، مشيرة إلى أنّ الأزمات تمسّ بدرجة أكبر الفئات المهمشة وعلى رأسها النساء، وفقها.
وأوضحت أنّ الأزمة الاقتصادية أثرت بطريقة مباشرة على النساء على الرغم من أنّهن فاعلات في المجال الاقتصادي، غير أنهنّ وجدن أنفسهن من جهة أولى يقمن بأعمال غير مدفوعة الأجر ومن جهة ثانية يعملن بأجور زهيدة ، وفقها.
دراسة: نساء تونس دفعن ثمنًا باهظًا بسبب الأزمة الاقتصادية
وأكدت دراسة نشرتها جمعية أصوات نساء نهاية شهر جوان/يونيو 2023، أنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها تونس منذ 10 سنوات أثرت على النساء بشكل كبير، مضيفة أنهنّ دفعن الثمن باهظًا.
ووفق ما جاء في الدراسة، فإنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد أثرت في درجة أولى على النساء، حيث أنّ 19.3 في المائة فقط من النساء لديهنّ دخل خاص بهنّ، مقابل 55.9 في المائة عند الرجال، وفق المصدر ذاته.
دراسة: النساء دفعن ثمنًا باهضًا جراء الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها تونس منذ 10 سنوات
كما أظهرت الدراسة أنّ 3% فقط من النساء يمتلكن عقارًا مقابل 12% عند الرجال، وعلى الرغم من مساھمة النساء بنسبة 80% في الإنتاج الغذائي، ورغم أنھنّ تمثلن 70% من الید العاملة الفلاحیّة، إلا أنّھنّ لا يشاركن في المشاريع الفلاحية إلا بنسبة 3%.
وأكدت الدراسة أنّ التقليص في الإنفاق العمومي يعمق أشكال اللامساواة واللاتمكين للمرأة في تونس، ویؤدي ذلك إلى وجود تأثيرات سلبیة على النساء.
وقالت الدراسة، إنّ القیود المفروضة على التشغیل والخدمات في القطاع العمومي في تونس، تسببت في فقدان النساء لفرصھنّ في الحصول على شغل، وأصبح الوصول إلى الخدمات الأساسیة صعبًا ومحدودًا، يُضاف إلى كل ھذا عبء العمل المنزلي الثقیل وغير المأجور التي تقوم به النساء.
وقالت الدراسة إنّ التقلیص من التمویل العمومي یُجبر الحكومة التونسية على خفض التمویل للخدمات الحیویة من شأنه أن يضعف النساء، مضيفة أنّ العمل المنزلي غير المأجور الذي تتحمل النساء أعباءه يزداد ثقلاً مع تدابير التقشف.