دعا مفتي تونس عثمان بطيخ يوم أمس الاثنين 26 أيلول/سبتمبر الجاري، في بلاغ لدار الإفتاء التونسية إلى "ترك الاحتجاجات العشوائية والاعتصامات والانصراف للإنتاج"، محذرًا من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب في تونس.
بلاغ دار الإفتاء المحرم للاحتجاجات العشوائية كان مفاجئًا للتونسيين باعتبارها لم تعتد الخوض في مسائل مجتمعية إلا نادرًا
وجاء في بلاغ "ديوان الإفتاء بالجمهورية التونسية"، الذي اطلع "ألترا صوت" على نسخة منه: "نهيب بأبناء شعبنا.. أن يصرفوا جهودهم كاملة إلى الإقبال على العمل وعلى الدراسة وأن يجتهدوا في تحسين مردودهم وتطوير مجهودهم، ولا مناص إلى ذلك إلا بترك الاحتجاجات العشوائية والاعتصامات المعطلة للعمل والإنتاج وسد الطرق والإضرار بالملك العام". وأضاف "إن تونس اليوم في مفترق طرق، فإما أن نخلص الجهد لإنقاذها كل على قدر مسؤوليته، أو لا قدر الله كنا كمن قال فيهم المولى عز وجل "يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين".
اقرأ/ي أيضًا: أغرب 5 فتاوى مصرية في رمضان
بلاغ دار الإفتاء كان مفاجئًا للتونسيين بصفة عامة باعتبارها لم تعتد الخوض في مسائل مجتمعية، وخلال هذه السنة لا يُذكر أنها أبدت رأيها في أي جدل مجتمعي إلا في قضية الميراث، وكان ذلك بطلب من لجنة برلمانية استدعت المفتي لإبداء رأيه في مقترح حول المساواة في الميراث بين الجنسين.
في تونس، وأساسًا بعد الثورة، حافظ ديوان الإفتاء على دوره في علاقة بالإفتاء الشخصي، حيث يتنقل عادة التونسيون إلى المؤسسة للحصول على فتوى في موضوع شخصي ما، لكن المؤسسة نأت بنفسها عن أي تدخل تقريبًا في شأن التحليل والتحريم فيما يخص الأحكام والقضايا المجتمعية.
ولتوضيح موقفه والجدل الذي تلى إصدار البلاغ، صرح عثمان بطيخ، مفتي تونس، لوسائل إعلام محلية، أن "المطالبة بالحقوق دون القيام بالواجبات يتحول إلى احتجاج عشوائي، مضر بالبلاد وسمعتها، ويؤدي إلى هجرة رأس المال التونسي والأجنبي"، ومضيفًا أن "العمل واجب شرعي، وأن الله يكره المنقطع عنه"، لكنه استطرد موضحًا "حق الإضراب دستوري ولا تراجع عنه، ونفس الشيء بالنسبة للحق في العمل". وينص الفصل 36 من دستور الجمهورية الثانية في تونس إلى أن "الحق النقابي بما في ذلك حق الإضراب مضمون".
اقرأ/ي أيضًا: المساواة بين الجنسين في الميراث..قريبًا في المغرب؟
البعض اعتبر أن فتوى بطيخ قد تتنزل في إطار تشريع استعمال القوة من الدولة للتصدي للاحتجاجات والإضرابات، متسائلين عن معنى عبارة "العشوائية" التي وُصفت بها الاحتجاجات، لكن بطيخ وضح أنه "لا يقصد الدعوة للقمع أو للعنف، بل لتطبيق القانون بعد أن استشرت في البلاد الاحتجاجات والاعتصامات وقطع الطرق"، على حد تعبيره. وقد أعادت تصريحات المفتي إلى الذاكرة تصريحات سابقة في نفس السياق، كانت للنائب السابق بالمجلس الوطني التأسيسي الصادق شورو، عن حركة النهضة الإسلامية، والتي استنكر فيها "كثرة الاحتجاجات في ذلك الوقت" ودعا لتدخل الدولة وتأطيرها.
من جانب آخر، عبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منظمة غير حكومية تونسية، عن استنكاره ما اعتبره "تدخل مؤسسة الإفتاء في مجال يتجاوز اختصاصاتها، يتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية.. بغاية تبرير سياسة رسمية تهدف إلى تجريم التحركات الاجتماعية"، وذكّر بلاغ المنتدى بتصريح نفس المفتي في 8 كانون الثاني/يناير 2011 في خضم تصاعد التحركات الشعبية حينها، والذي دعا فيه إلى عدم الصلاة على المنتحر "استنكارًا لما صدر عنه وزجرًا لغيره"، وكان المقصود من ذلك انتحار محمد البوعزيزي.
استنكرت منظمات حقوقية تونسية بلاغ دار الإفتاء واعتبرت أنه يبرر سياسة رسمية تهدف إلى تجريم التحركات الاجتماعية
ونبه نفس البلاغ إلى ما سماه "توظيف السلطة الدينية لمفتي الجمهورية في مجال الحكم على التحركات الاجتماعية وعلى نشطاء المنظمات والجمعيات والحملات المدافعة عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، كما دعا رئاسة الجمهورية إلى "تحمل مسؤولياتها في تطبيق الدستور الضامن لمدنية الدولة وللحريات المدنية والسياسية وإلى مساءلة المفتي عن دوافع ومقاصد هذا البلاغ".
يذكر أن يوسف الشاهد، رئيس الحكومة التونسية، كان قد عبر عن امتعاضه، خلال خطاب نيل الثقة أمام البرلمان، من تكرر الإضرابات العمالية والاحتجاجات الشعبية، مؤكدًا أنه سيكون حازمًا في التصدي لكل احتجاجات غير قانونية. وكانت تونس قد شهدت تراجعًا مهمًا في إنتاج الفوسفات بعد الثورة كلفها خسائر ضخمة إضافة إلى تراجع عديد القطاعات الاقتصادية المهمة الأخرى، والتي عرفت إضرابات متكررة.
وأعلن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في ندوة صحفية خلال هذا الشهر، أن عدد الاحتجاجات قد بلغ 4800 احتجاج تقريبًا في تونس في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير 2016 وإلى بداية أيلول/سبتمبر الجاري، مذكرين أن وتيرة الاحتجاجات لم تنخفض وهي متواصلة رغم تغيير الحكومات والوعود. ويُذكر أن محافظات قفصة والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان تحتل صدارة قائمة الاحتجاجات ووضعها قد يشهد احتقانًا اجتماعيًا أعمق، حسب تقديرات ذات المنظمة، مفسرين ذلك بـ"عمق الأزمة في هذه المناطق".
في ذات السياق، علق الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل، أهم نقابة عمالية في تونس، سامي الطاهري على حسابه الرسمي في موقع "فيسبوك": "مفتي الجمهورية يحرّم اليوم وتحت الطلب الاحتجاجات العشوائية وغدًا لا نستغرب أن يحرّم أي احتجاج". الطاهري ذكر أنه لا يساند الاحتجاجات العشوائية، موضحًا: "المسألة اجتماعية، تعالج بالحوار والقانون وليس بالتعليمات والرؤيا. لم نسمعه يحرم الفساد ولا التهريب ولا التهرب الضريبي ولا أكل أجور العمال وحقوقهم".
في المقابل، كان لنائب رئيس البرلمان التونسي رأي مغاير، إذ صرح عبد الفتاح مورو، وهو أيضًا نائب رئيس حركة النهضة المشاركة في الائتلاف الحاكم، "المفتي في تونس له مرجعية قيمية، من المهم أن تكون له مواقف وآراء في قيمة العمل وقيم مجتمعية أخرى"، مضيفًا أن "من المطلوب دائمًا التذكير بالقيم المجتمعية للتونسي".
وكانت الحكومة التونسية قد توصلت موفى الأسبوع الماضي إلى اتفاق بين المحتجين وشركة "بتروفاك" البريطانية، قضى باستئناف نشاطها بجزيرة قرقنة، وسط شرق تونس بعد أن كان متوقفًا منذ كانون الثاني/يناير 2016، وما راج عن رغبتها مغادرة تونس.
اقرأ/ي أيضًا: