الترا تونس - فريق التحرير
لطالما كان للمرأة التونسية دور مؤثر وفعال في محيطها على امتداد العصور، فتميّزها وتأثيرها في مجتمعها، لم يكن يومًا أمرًا جديدًا بل يسجّل التاريخ أسماء عديد التونسيات اللواتي خضن معارك وساهمن في النهوض بحضاراتهن، سواء كان ذلك على المستوى الفكري أو الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي وحتى العسكري في بعض الأحيان.
أصبح جامع القرويين أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى ويعتقد كثيرون أنه أصبح جامعة بداية من عام 877 ميلادي
اقرأ/ي أيضًا: فتحية مزالي: أول وزيرة في تونس وقاهرة الذكورية
ورغم هذا الدور الكبير الذي قمن به، لم ينصف التاريخ الكثيرات منهن فغبن عن الذاكرة الجمعية أو وقع تغييبهن، ولعلّ من بينهن فاطمة الفهرية، مؤسسة أول جامعة عرفتها البشرية.
ولدت فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية في مدينة القيروان وهي تنحدر من ذرية عقبة بن نافع الفهري القرشي ويرجح أنها قدمت إلى العالم عام 800 ميلادي. هاجرت فاطمة من القيروان إلى فاس عاصمة الأدارسة في المغرب الأقصى ونزلت مع أهل بيتها في عدوة القرويين زمن حكم إدريس الثاني، حتى تزوجت هناك. أصاب زوجها وأهلها الثراء بعد سنوات من العمل والكد. ولم يمض زمن طويل حتى توفي والدها وزوجها فورثت ثروة طائلة شاركتها فيها شقيقتها التي كانت تُكنى بـ"أم القاسم".
كان والد فاطمة، وهو رجل تونسي عربي من القيروان اسمه محمد بن عبد الله الفهري، ذا مال عريض وثروة طائلة، وكان له ابنتان فقط، مريم وفاطمة. أحسن تربيتهما واعتنى بهما حتى كبرتا. وعند وفاته ورثت ابنتاه ثروته. فكّرت فاطمة في كيفية إنفاق المال الوفير لتقرّر في نهاية الأمر بناء مسجد يكون ذكرًا لها بعد موتها.
عمدت فاطمة، التي كانت تكنى بـ"أم البنين"، إلى مسجد القرويين بمدينة فاس بالمغرب، فأعادت بناءه في عهد دولة الأدارسة، وضاعفت مساحته بشراء الحقل المحيط به وضمّت أرضه إلى المسجد، وبذلت مالًا كثيرًا حتى اكتمل بناؤه في صورة بهية وحلية رصينة. وبحسب بعض المصادر، تطوعت فاطمة الفهرية لبناء المسجد وظلّت صائمة ونذرت ألا تفطر يومًا حتى ينتهي العمل به.
وتقول بعض كتب التاريخ إن فاطمة عزمت على ألا تأخذ ترابًا أو مواد بناء من غير الأرض التي اشترتها بحرّ مالها، وطلبت من عمال البناء أن يحفروا حتى أعماق الأرض لاستخراج الرمل الأصفر الجديد والأحجار والجص واستعماله في البناء. كما بدأ الحفر في صحنه لإنشاء بئر من أجل شرب العاملين ولاستخدامه في أعمال البناء.
اقرأ/ي أيضًا: عن نساء خلقن من الألوان حيوات..
تُصنّف جامعة القرويين على أنها أقدم جامعة في العالم باعتبار أنها تسبق جامعات أوروبا بحوالي قرنين من الزمن
وعمدت أم البنين كذلك إلى حفر بناء أساس وجدران المسجد وقامت بنفسها بالإشراف عليه، فجاء المسجد فسيح الأرجاء محكم البناء. وبدا أن فاطمة مطلعة على أمور البناء وأصول التشييد لما اتصفت به من مهارة وحذق. وعند إتمام البناء، بدا المسجد، الذي عُرف بمسجد القرويين، في أجمل صورة.
وأصبح جامع القرويين أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى ويعتقد كثيرون أنه أصبح جامعة بداية من عام 877 ميلادي، وذلك بفضل دروس العلم التي كانت تنتظم في حرمه في وقت مبكر بعد تأسيسه. في حين يرى البعض الآخر أنه تحوّل إلى جامعة حقيقية بداية من عصر المرابطين، أي في القرن 11 ميلادي. وزاد إشعاعه في عهد الدولة المرينية خلال القرن الرابع عشر، والتي اتخذت من فاس عاصمة لها عوضًا عن مراكش.
وبُنيت العديد من المدارس حول الجامع وعُزّر الجامع بالكراسي في شتى أصناف العلوم كالفقه والأدب والرياضيات والفلك وغيرها. كما اشتهرت جامعة القرويين بمكتبتها التي أُنشئت في العصر المريني وضُمّت إليها فيما بعد مكتبة السلطان الموحدي يوسف بن عبد المؤمن لتضاهي مكتبة قرطبة التي كانت تحتوي أكثر من 600 ألف مجلّد من الكتب.
وتُصنّف جامعة القرويين على أنها أقدم جامعة في العالم باعتبار أنها تسبق جامعات أوروبا بحوالي قرنين من الزمن، وبذلك تكون فاطمة الفهرية، تونسية الأصل، التي توفيت حوالي العام 265 هجري/ 878 ميلادي، مؤسسة أول جامعة في العالم. كما كانت أم البنين مؤسسة إحدى أقدم المكتبات في العالم في جامعة القرويين.
اقرأ/ي أيضًا: