بات ملف الصناديق الاجتماعية في تونس من أبرز الملفات الساخنة التي دائمًا ما تثير الجدل خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في الأشهر الفارطة لا سيما بسبب عدم صرف جرايات تقاعد صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية. وقد عاد الجدل بقوّة مؤخرًا بسبب عدم دفع الزيادات التي أقرّتها رئاسة الحكومة، وهو ما زاد في حالة الحنق في صفوف المتقاعدين خاصة مع تزامن تخلف الدفع مع عيد الأضحى.
وقد أرجع عديد خبراء الاقتصاد عجز الصناديق للسياسات السابقة الخاطئة التي جعلت حكومات ما بعد الثورة تواجه إرثًا ثقيلًا يصعب إيجاد حلول سريعة له لاسيما وأنّ الصناديق الاجتماعية في تونس تقتصر على تمويل المنخرطين أي انخراطات الأجراء والمؤجرين في القطاعين العام والخاص، مما جعلها تزداد انهيارًا يوما بعد يوم على عكس الصناديق الاجتماعية في دول العالم التي تتكفّل الدولة بجزء من تمويلها.
يؤكد خبراء أن تمتع موظفي الصناديق الاجتماعية بامتيازات من بينها عدم دفع بعضهم مساهماتهم الاجتماعية عمّق أزمة الصناديق وفاقم ديونها
إن تبدو مشكلة الصناديق ناتجة عن سياسات سابقة أو سوء تصرف، يرى بعض المختصين أنّ تمتع موظفي الصناديق الاجتماعية بامتيازات من بينها عدم دفع بعضهم مساهماتهم الاجتماعية، عمّق أزمة وعجز الصناديق وفاقمت ديونها. في سياق متصل، أشار وزير الشؤون الاجتماعية أنّ عدد المتقاعدين كان بمعدّل متقاعد واحد من إجمالي 10 ناشطين، لكن اليوم أصبح متقاعد واحد من إجمالي 2.1 ناشطين، وهو ما قلل نسبة إيرادات المنخرطين مقابل ارتفاع عدد المتقاعدين. كما بلغت ديون صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعيّة المتخلدة بذمة مؤسسات عموميّة 313 مليون دينار، من بينهم 110 مليون دينار متخلّدة بذمة شركات النقل و67 مليون دينار للسكك الحديدية و55 مليون للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. أمّا ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فقد بلغت 4000 مليون دينار.
اقرأ/ي أيضًا: الصناديق الاجتماعية في تونس.. إفلاس غير معلن
وقد دفعت أزمة الصناديق الاجتماعية الحكومة إلى دراسة عدّة مقترحات لإصلاح منظومة الصناديق المهددة بالإفلاس بسبب تراكم ديونها. ولعلّ أبرز تلك الإصلاحات التي مازالت مرفوضة إلى اليوم هي الترفيع في سنّ التقاعد. ولكن لسائل أن يتساءل هل لموظفي الصناديق الاجتماعية دور كبير في إفلاس الصناديق الاجتماعية؟
لا يُعرف حجم المساهمات غير المدفوعة من طرف موظفي الصناديق الاجتماعية ولكن المعلوم أن عدد هؤلاء الموظفين يبلغ حوالي 5 آلاف موظف
لا يُعرف بعد حجم المساهمات غير المدفوعة من طرف موظفي الصناديق الاجتماعية، ولكن المعلوم أن عدد هؤلاء الموظفين يبلغ حوالي 5 آلاف موظف ممن ينتفعون بجراية التقاعد دون أن يدفعوا مساهماتهم خلال فترة مباشرة وظيفتهم. يُشار أن هذه الامتيازات تم إقرارها لفائدة الموظفين بموجب اتفاقية سنة 2011 لإنهاء احتجاجاتهم آنذاك، وفق ما صرّح به محمّد الطرابلسي وزير الشؤون الاجتماعية في أكتوبر/تشرين الثاني 2016.
بل واُمضي في ماي/آيار 2018 على اتفاقية بين النقابة العامة للضمان الاجتماعي والرؤساء المديرين العامين للصناديق الاجتماعية تقضي بضرورة الترفيع في القيمة المالية لوصولات الأكل من 3 إلى 7 دينارات، وهو الأمر الذي أثار انتقادات بسبب إقرار زيادات وإن كانت بسيطة في خضم أزمة صناديق لا يدفع المشتغلون فيها مساهماتهم الشهرية.
عدم دفع موظفي الصناديق الاجتماعية لمساهماتهم.. ليس السبب الوحيد للعجز
عبثًا تبحث عن حجم مساهمات موظفي الصناديق الاجتماعية التي لم يدفعوها سابقًا خلال مباشرتهم لعملهم، أو قيمتها السنوية الجملية وما كانت ستوفره من إيرادات للصناديق. ولكن مسألة عجز هذه الصناديق يعود لأسباب جذرية أيضًا منها ما يتعلق بالخصوص بالوضع الديمغرافي والاجتماعي المتغيّر على النحو الذي يشير إليه الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون الذي صرّح لـ"الترا تونس" أن "هذا الوضع يبرز أساسًا في التهرّم السكاني وفي زيادة عدد المتقاعدين وبلوغ نسبة المتقاعدين بشكل مبكّر 22 في المئة من مجموع المتقاعدين ككل، كما أن أكثر من 51 في المائة يتقاعدون دون سن الـ60 إلى جانب طريقة احتساب الجراية والتعديل الآلي للجرايات بسبب الزيادات في الأجور والمنح الخصوصية بالنسبة للمتقاعدين من القطاع العام".
محمد الصادق جبنون لـ"الترا تونس": فشل السياسات السابقة وسوء التصرف هي الأسباب الرئيسية في عجز الصناديق الاجتماعية وسياسة التقشف تسلطت أيضًا على المتقاعدين
وأضاف محدّثنا أنّ فشل السياسات السابقة وسوء التصرف هي الأسباب الرئيسية في عجز الصناديق لا سيما صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية الذي كان في التسعينيات يمول قروضًا شخصية ويغطي عجز الميزانية وتصرف مداخيله في مهام أخرى لا علاقة لها بمهام الصناديق الاجتماعية وفق تأكيده. وأشار جبنون أن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد لم تمكن من تغطية حاجيات الصندوق وتمويل جزء من عجزها لا سيما وأنّ صندوق النقد الدولي فرض سياسة التقشف التي سلطت حتى على هذه الفئة أي فئة المتقاعدين، حسب قوله.
من جهته، أشار بدر السماوي الخبير في الضمان الاجتماعي لدى منظمة العمل الدولية لـ"الترا تونس" أنّ فشل منظومة الصناديق الاجتماعي كان نتيجة فشل السياسة التنموية المتبعة سابقًا، و"هو ما جعل حكومات اليوم ترث منظومة فاشلة وجب تغييرها وإيجاد حلول فعلية تنقذها من الإفلاس، وليس حلولًا وقتية قد توفر بعض المداخل لكن لن تحلّ أزمة الصناديق الاجتماعية على المدى البعيد على غرار اللجوء إلى حلّ الترفيع في سنّ التقاعد الذي لن يكون حلا كبيرا قد ينقذ الصناديق" وفق تأكيده.
وأكد، من جانب آخر، تأثير التغيّر الديمغرافي على واقع الصناديق الاجتماعية، مؤكدًا أن تقلص عدد الناشطين قلص نسبة المساهمات وذلك مقابل ارتفاع نسبة جرايات التقاعد، مشيرًا إلى انتشار الأعمال الهشة الوقتية التي تحرم الصناديق من إيرادات إضافية.
اقرأ/ي أيضًا:
احتجاجات متقاعدي تونس متواصلة.. وأزمة الصناديق الاجتماعية تحتد