في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء 9 جوان/ يونيو 2021، انتشر فيديو على منصات التواصل تونسيًا، نشاهد مجموعة من قوات الأمن بصدد ركل شاب على الأرض وضربه وبلغ الأمر حد تجريده من ملابسه واقتياده عاريًا تقريبًا، وفق ذات الفيديو، إلى سيارة الشرطة.
الفيديو أثار صدمة في صفوف النشطاء التونسيين على منصات التواصل ويُعتبر من المشاهد غير المتداولة في تونس والصادمة بشكل كبير وقد وقع بمنطقة سيدي حسين السيجومي، وهو حي شعبي في ضواحي تونس العاصمة. لكن ما الذي حصل في سيدي حسين؟ لنعد إلى البدايات.
- وفاة مسترابة في مركز أمني كانت المنطلق..
كانت جهة سيدي حسين قد عرفت احتقانًا للوضع في الليلة الفاصلة بين الثلاثاء والأربعاء 8 و9 جوان/ يونيو 2021 حيث احتج شبان وحاولوا اقتحام مركز الأمن وذلك كرد فعل على وفاة شاب تم إيقافه في مركز أمني مساء الثلاثاء، فيما تختلف الروايات إلى حد الآن حول الأسباب الحقيقية لوفاته. وكرد فعل على احتجاج الشبان ومحاولتهم اقتحام المركز، أطلق الأمن قنابل غاز مسيل للدموع في تلك الليلة.
الفيديو أثار صدمة في صفوف النشطاء التونسيين على منصات التواصل ويُعتبر من المشاهد غير المتداولة في تونس والصادمة بشكل كبير وقد وقع بمنطقة سيدي حسين السيجومي
مساء الأربعاء 9 جوان/ يونيو الجاري، تجددت الاحتجاجات وأيضًا المواجهات مع قوات الأمن بالمنطقة وأكد شهود عيان لـ"الترا تونس" لجوء الأمن للغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق الشبان.
وفي الأثناء، كان الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية تونس 2 فتحي السماتي قد صرح لإذاعة موزاييك الخاصة أن "النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية تونس 2 أذنت منذ الثلاثاء بفتح بحث تحقيقي للكشف عن ملابسات وفاة الشاب مع وضع جثته على ذمة الطبيب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة".
وفي ذات السياق، كتبت النائب عن حركة النهضة يمينة الزغلامي، على صفحتها الرسمية بموقع التواصل فيسبوك، مساء الأربعاء، أنها "تتابع مع والي تونس ووزارة الداخلية وبعض المستشارين البلديين الوضع بسيدي حسين"، مؤكدة أن "وفاة الشاب الثلاثاء هي تحت متابعة قضائية وفي انتظار تقرير الطب الشرعي وحقه لن يضيع"، وفقها.
- الداخلية: "المواطن في حالة سكر وتعمد التجرد من أدباشه"
مع تصاعد الغضب شعبيًا إزاء الفيديو، أصدرت وزارة الداخلية التونسية بلاغًا في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء قالت فيه إن "مجموعات من الشبان تعمدت الاعتداء على الوحدات الأمنية، مساء الأربعاء 9 جوان/ يونيو 2021، بمنطقة سيدي حسين بالعاصمة"، مؤكدة أن "المنطقة شهدت اعتداءات على الأملاك العامة والخاصة وأحداث هرج وتشويش مما خلف حالة من الاستياء في صفوف المواطنين"، وفق تعبيرها.
الداخلية: "المنطقة شهدت اعتداءات على الأملاك العامة والخاصة وأحداث هرج وتشويش"
ودعت وزارة الداخلية، في ذات البلاغ، مواطني المنطقة إلى "التعاون مع الوحدات الأمنية حتى تتمكن من القيام بمهامها على الوجه الأكمل في تأمين الأشخاص والممتلكات"، كما دعتهم إلى "تجنب الانسياق وراء الإشاعات والمعطيات المغلوطة التي يتم ترويجها عبر صفحات شبكات التواصل الاجتماعي".
أما مكتب الإعلام والاتصال بالإدارة العامة للأمن الوطني، فقد أصدر بلاغًا ظهر الخميس 10 جوان/ يونيو 2021، قال فيه إنه "على إثر قيام دورية تابعة لمنطقة الأمن الوطني بسيدي حسين بالتمشيط، تم رصد نفر في حالة سكر مطبق محدثًا الهرج والتشويش بالطريق العام يتلفظ بكلمات نابية، وبتوجه الدورية المذكورة قصد التحري معه دخل المعني في حالة هيجان وقام بتجريد نفسه كليًا من ملابسه، أين تم محاولة السيطرة عليه نظرًا للحالة الهستيرية التي كان عليها"، وأضاف "وعلى إثر الواقعة قامت الإدارة العامة للأمن لوطني بفتح بحث على مستوى التفقدية العامة للأمن الوطني بخصوص حيثيات مقطع الفيديو".
إثر بلاغ مكتب الاتصال بالإدارة العامة للأمن الوطني، نشرت وزارة الداخلية، مساء الخميس 10 جوان/ يونيو الجاري، بلاغًا ثانيًا، ذكرت فيه أن "المواطن كان في حالة سكر مطبق، وعند توجه الدورية إليه للتحري معه تعمد التجرد من أدباشه في الطريق العام في حركة استفزازية لأعوان الامن". وأضافت أنه "وباستشارة النيابة العمومية، أذنت بالاحتفاظ به من أجل الاعتداء على الأخلاق الحميدة والتجاهر بما ينافي الحياء واتخاذ الإجراءات القانونية في شأنه".
وأكدت أنه "تم في الحين فتح بحث لدى التفقدية العامة للأمن الوطني بوزارة الداخلية لتحديد المسؤوليات حول ما رافق عملية التدخل للسيطرة على المعني بالأمر من تجاوزات واتخاذ الإجراءات المستوجبة تبعًا لنتائج البحث"، وفق بلاغها. وقد أثارت هذه البلاغات الأخيرة سخرية واسعة على منصات التواصل خاصة أن الفيديو المنتشر، من عدة زوايا مختلفة، يثبت عكس ما ورد في البلاغات المذكورة كما يبرز أحد الفيديوهات مثلًا بشكل واضح عون الأمن وهو يجرد المواطن من ملابسه.
- نشطاء: من تعرض "للتعرية" هي حقيقة ممارسات بعض الأمنيين في البلاد وليس الشاب
لكن درجة الاستياء من محتوى الفيديو، الذي حاولنا التثبت من موعد نشره والمعطيات التي تضمنها للتثبت بالقدر الممكن من صحته، كانت في تصاعد شعبيًا فلا شيء يمكن أن يبرر إنسانيًا وحقوقيًا ما تعرض له الشاب من تعنيف مادي ومعنوي.
وصف بعض النشطاء المشهد بـ"العار لكل سنوات الانتقال الديمقراطي ولكل الفاعلين في هذه المرحلة من تاريخ تونس" وبكونه "مشهدًا مخز وسلوكًا مقززًا" مع دعوات لعدم التطبيع مع ممارسات الدكتاتورية التي ثار التونسيون ضدها وخالوا أنها صارت من الماضي.
قال نشطاء إن من تعرض "للتعرية" هي حقيقة ممارسات بعض الأمنيين في البلاد وليس الشاب
وقال آخرون إن من تعرض "للتعرية" هي حقيقة ممارسات بعض الأمنيين في البلاد وليس الشاب. ويطالب عديد النشطاء برد فعل إزاء هذه الممارسات سواء من هيئات وطنية مختصة في المجال كالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أو من مؤسسات الدولة أو من المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني إجمالًا في تونس.
- جمعيات ومنظمات تحمل الرئاسات الثلاث مسؤولية الإفلات من العقاب
من الجمعيات الحقوقية التي تفاعلت مع الفيديو، كان مرصد الحقوق والحريات بتونس والذي أصدر بيانًا أكد فيه أن الشارع التونسي صُدم بمشهد تعرية وسحل مواطن تونسي في الطريق العام والاعتداء عليه بالعنف الشديد أمام مرأى ومسمع من المارة والمواطنين المتواجدين بمنطقة سيدي حسين السيجومي، مذكرًا بأنه "تلقى عديد الشهادات المتواترة من عدة مواطنين وقع إيقافهم أو الاحتفاظ بهم في السنوات الأخيرة، أكدوا فيها تعرضهم إلى التعرية أو التهديد بالتجريد من كل الملابس في مراكز الأمن أثناء استنطاقهم أو التحري معهم في بعض التهم المنسوبة إليهم".
وأعرب المرصد عن تضامنه المطلق مع الضحية وعن استعداده اللامشروط لمعاضدة أي جهود قانونية أو حقوقية لتتبع المعتدين وملاحقتهم قضائياً و"حمل المسؤولية كاملة إلى كل الحكومات المتعاقبة، التي توافقت على تكريس سياسة الإفلات من العقاب، واكتفت بشعارات هلامية لم تنزّل على أرض الواقع ولم تعالج الأسباب الرئيسية لاستمرار مسلسل الرعب الذي يعيشه التونسيون في مراكز الأمن، حتى عند استخراج الوثائق الإدارية"، وفقه.
وحمّل المرصد، من جانب آخر، "المسؤولية أيضًا لرئيس الحكومة باعتباره أيضًا وزيرًا للداخلية بالنيابة، لمجلس نواب الشعب لتفصيه عن ممارسة دوره الرقابي والتشريعي والتعامل مع ملف حقوق الإنسان كملف ثانوي، لا يلتفت إليه إلا عرضيًّا أو لتصفية حسابات سياسية، كما يحمّلها لرئيس الجمهورية باعتباره الضامن لتطبيق الدستور ولاحترام حقوق التونسين وكرامتهم".
أما المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فأصدر بيانًا، مساء الخميس 10 جوان/ يونيو الجاري، فقد حمّل المسؤولية ففيما حصل "للقوى والمؤسسات السياسية من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان والحزام السياسي للحكومة التي غضت النظر عن التجاوزات الأمنية خاصة خلال أحداث جانفي/ يناير الأخيرة في إطار الصراع السياسي الدائر لكسب المؤسسة الأمنية".
واعتبر المنتدى أن "استقالة رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة أولوية لحجم الخسائر صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وحقوقيًا التي تكبدتها تونس ومواطناتها ومواطنيها منذ مباشرته لوظيفته"، داعمًا حق الضحايا في العدالة والإنصاف وعدم تكريس الإفلات من العقاب وملاحقة الفاعلين والمتسترين على كل الانتهاكات في القضاء الوطني والدولي.
اقرأ/ي أيضًا:
التعذيب في تونس بعد الثورة.. الكابوس لم ينته بعد
صفاقس: فتح تحقيق إثر وفاة شاب مصاب بالسكري في حالة إيقاف تحفظي
المنستير: فتح تحقيق حول تعذيب موقوف بالسجن المدني نتج عنه "بتر عضو"