31-مايو-2021

فروع المنظمات الوطنية بسوسة اعتبرت أن الحكومة تعتمد سياسة اللامبالاة وعدم الجدية في التعامل مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بالجهة (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

تعيش ولاية سوسة على وقع إضراب احتجاجي جهوي عام في الثاني من شهر جوان/ يونيو 2021، وقد أصدر رؤساء المنظمات الوطنية بجهة سوسة (الاتحاد الجهوي للشغل، الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة، الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري، الاتحاد الجهوي للمرأة) بيانًا مشتركًا الجمعة 28 ماي/ آيار 2021 أذنت فيه بإقرار الإضراب بعد أن كان قد أجلته لمرة واحدة بعد أن كان مبرمجًا في العشرين من الشهر نفسه.

إضراب عام احتجاجي جهوي دعت إليه المنظمات الوطنية بسوسة الأربعاء 2 جوان 2021 لعدم تفاعل السلط مع مطالب الجهة

وجاء في بيان المنظمات الوطنية أنه "رغم الإعلام المسبق للسلطة السياسية وإعطائها الوقت الكافي للتفاعل الإيجابي مع المطالب الأساسية والعاجلة للجهة، فإنها تعاملت بطريقة اللامبالاة والصمت الرهيب وعدم الجدية وتحمل المسؤولية للقيام بدورها الأساسي لإنقاذ ما يجب إنقاذه على المستوى الاجتماعي والتربوي والاقتصادي والفلاحي والصحي والثقافي..".

كما دعا البيان كافة المؤسسات التجارية والصناعية والفلاحية وكافة القطاعات العامة والخاصة إلى العمل على إنجاح الإضراب وتنفيذ مسيرة نحو مقر ولاية سوسة انطلاقًا من الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة.

الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة يرتب للإضراب العام (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

ويعتبر الإضراب الجهوي بسوسة سابقة باعتبار اتفاق كافة المنظمات الوطنية على تنفيذه، وجاء إثر تشخيص الوضع التنموي بالجهة الذي شهد تراجعًا في كافة المجالات الحيوية وتعطل المشاريع التنموية الكبرى وتدهور قطاع الخدمات وتدني الاعتمادات المرصودة من طرف مؤسسات الدولة على مستوى البنية التحتية وازدياد نسبة البطالة في السنوات الأخيرة.

وقد دعت المنظمات الوطنية في جهة سوسة وعدة مكونات المجتمع المدني الطرف الحكومي إلى عقد اجتماع وزاري عاجل يتناول وضع الجهة، غير أن الحكومة لم تسع إلى تنفيذه رغم الدعوات الجدية وخاصة إثر الندوة الجهوية حول "واقع وآفاق التنمية بولاية سوسة" المنعقدة في 7 أفريل/ نيسان 2021، إذ رغم توجيه الدعوة إلى سبعة وزراء في مجالات مختلفة، لم يلتحقوا بالاجتماع وأوفدوا بعضًا من منظوريهم من مديرين عامين.

اقرأ/ي أيضًا: ميناء المياه العميقة بالنفيضة: هل توفر الدولة ضمان التمويل؟

وقد كان من بين مخرجات الندوة حول التنمية بولاية سوسة تفعيل اللامركزية الفعلية من خلال تفويض القرار للسلط الجهوية في كل ما يتعلق بالمشاريع الكبرى وتحديد الأولويات، وكذلك التسريع في اتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة بالنسبة لمشروع ميناء النفيضة في المياه العميقة، ومشروع السكة الحديدية الرابط بين عدد من المعتمديات وإحداث مسالك جديدة لخط مترو الساحل، وتفعيل مشروع المحطة السياحية المندمجة المدفون بهرقلة، وذلك بالتسريع في المصادقة على مثال التهيئة التفصيلي من طرف بلدية هرقلة والحصول على موافقة وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية لتخصيص العقارات (324 هك) على الملك الخاص للدولة لإقامة المشروع وهو ما سيساعد على التفاوض مع المستثمرين الأجانب والمحليين ويساعدهم على الاكتتاب وبالتالي البحث عن التمويلات اللازمة.

تفعيل مشروع التنمية الفلاحية بالمناطق الداخلية وإحداث مسالك جديدة لخط مترو الساحل والتسريع في اتخاذ القرارات المناسبة بالنسبة لمشروع ميناء النفيضة، من أهم مخرجات ندوة سوسة حول التنمية

وقد عرفت الندوة مخرجات أخرى أيضًا تمثلت في تفعيل مشروع التنمية الفلاحية بالمناطق الداخلية بولاية سوسة وإدراجه ضمن المشاريع ذات الأولوية في المخطط التنموي 2021-2025 وكذلك إدراج مشروع تثمين استغلال المياه غير التقليدية المتاحة في السقي والانتقال من طور الدراسات إلى طور التنفيذ لمشروع منصة أسواق الجملة والتحويل بولاية سوسة والمزمع إنجازه في معتمدية كندار لتستفيد منه كافة الولايات المجاورة.

ترتيب الإضراب بمقر الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

أما عن مشروع المنطقة الصناعية بسوسة الكبرى فقد تم رفع توصيات بالاتجاه نحو تفعيل قرار إنجاز المناطق الصناعية بمساكن والقلعة الصغرى الذي تم إقراره منذ سنة 2009 مع التسريع في أوامر الانتزاع والإجراءات المصاحبة وتوفير المقاسم الصناعية اللازمة للاستثمار. كما تمت الدعوة خلال الندوة الجهوية إلى إصلاحات واضحة في القطاع الفلاحي وذلك بإحداث بحيرات مائية جبلية وتثمين التساقطات، فضلًا عن إحداث حواجز لتغذية الموائد المائية على الأقل بصفة سطحية.

ومن أهم الإشكالات التي تلازم جهة سوسة منذ عقود، إشكال يتعلق بتسوية وضع الرسم العقاري 6648 أو ما يسمى بـ"هنشير النفيضة"، حتى يتسنى الحصول على شهادات الملكية والتصرف الأفضل في العقارات الفلاحية.

اقرأ/ي أيضًا: الرسم العقاري 6648.. هنشير النفيضة غنيمة الدولة عبر العصور

ولئن تعطلت هذه المشاريع الكبرى لأكثر من عقد، فإن تراجع مؤشرات التنمية في الولاية قد بلغ أدنى مستوياته منذ سنة 2015 إثر تأثر القطاع السياحي بالعمليات الإرهابية في نزل سوسة، وتفاقمت الأزمة مع جائحة كورونا وتوقف أنشطة عديدة من تجارة وصناعة وخدمات.. غير أن محدودية تدخل الدولة في إنقاذ الوضع المنهار، دفع إلى إقرار هذا الإضراب.

وفي مقابلة له مع "الترا تونس" اعتبر الكاتب العام الجهوي للشغل بسوسة قاسم الزمني أن "استهداف الجهة بالانحراف عن فلسفة وأهداف التمييز الإيجابي، ضرب مبدأ تساوي الحقوق والواجبات بين المواطنين، كما أن إغلاق العديد من المؤسسات وطرد العمال في عدة قطاعات -كالسياحة والنسيج والمعادن والنقل- كان له الأثر السلبي على مئات العائلات على غرار المعامل الآلية بالساحل، وشركة حليب تونس بسيدي بوعلي، وشركة موبلاتاكس وتاف تونس بالنفيضة".

الكاتب العام الجهوي للشغل بسوسة لـ"الترا تونس": الإضراب المرتقب الذي دعت إليه المنظمات الوطنية، دليل على أن سياسة السلطة في التعامل مع مطالب الجهة قد أثرت على الجميع عمالًا وأعرافًا

كما قال الزمني إن "اهتراء البنية التحتية في المؤسسات التربوية بالجهة وعدم اعتناء الدولة بتأهيل المؤسسات من حيث البنية التحتية لمواكبة عدد الوافدين الجدد واستيعاب التلاميذ الجدد، سيساهم في تأزيم الوضع خلال السنة الدراسية القادمة".

كما شدد قاسم الزمني على أن "هذا الإضراب الذي تم إقراره مع اتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين هو دليل على أن سياسة السلطة في التعامل مع مطالب الجهة قد أثرت على الجميع عمالًا وأعرافًا، وساهم ذلك في تأزيم الأوضاع الاجتماعية".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| منير حسين (منتدى الحقوق الاقتصادية): الحراك الاجتماعي يتعرض للهرسلة

وصرح رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بسوسة علي بن يحيى من جهته لـ"الترا تونس" قائلًا: "نحن سنعلم كافة منظورينا في جميع القطاعات بالإضراب وسنعمل على إنجاحه، داعين الحكومة إلى النظر الجدي في طلباتنا وأخذ بعين الاعتبار مطالب الجهة، ورغم دفعنا نحو الحوار مع الحكومة إثر ندوة التنمية وآفاقها بالولاية، فإننا لم نتلق أي ردّ واضح. ولعل هذا الصمت قد يزيد في تعميق الأزمة ويكرس عدم الوضوح، فمثلًا ميناء النفيضة في حاجة إلى ضمان الدولة للانطلاق الفعلي في الإنجاز قبل حلول شهر جويلية وإلى حد الآن يبقى المشروع مهددًا بالتوقف في ظل غياب الوضوح".

كما اعتبر بن يحيى أن سوسة مستهدفة من أجهزة الدولة إضافة إلى سياسة الأحزاب تجاه الولاية، "ونحن سعينا إلى النهوض بجهتنا التي باتت في عدة مناطق منها تعاني الفقر ولكم في ذلك خاصة مؤشرات النفيضة وبوفيشة وكندار.. كما أن اهتراء البنية التحتية تهدد التطور الاقتصادي على المدى القريب والبعيد" وفق قوله.

رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بسوسة لـ"الترا تونس": سوسة مستهدفة من أجهزة الدولة إضافة إلى سياسة الأحزاب تجاه الولاية.. والتمييز الإيجابي عملة استعملتها الحكومة والأحزاب على حساب الجهة

وشدد بن يحيى على أن "التمييز الإيجابي عملة استعملتها الحكومة والأحزاب على حساب الجهة وأفقد المؤسسات الناشئة نجاعتها، ودليل ذلك هروب المستثمرين من جهة كندار بسبب الخدمات السيئة لشبكة الانترنت".

كما عبر رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بسوسة حسان اللطيف في تصريح لـ"الترا تونس" أنه في ظل غياب مجلس وزاري خاص بولاية سوسة لإنقاذ الوضع "سنطلب من كافة منظورينا عدم تزويد أسواق الجملة من الخضر والغلال".

ويذكر أن آخر الاحصائيات التي توقفت عندها المندوبة الجوية للتنمية بسوسة ليلى بن حفصية أشارت إلى ارتفاع نسبة النمو السنوي للسكان بولاية سوسة المقدر بـ 2.17% مقارنة بـ 1.03% على المستوى الوطني محتلة بذلك المرتبة الثانية وطنيًا بعد ولايتي أريانة وبن عروس.

رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بسوسة لـ"الترا تونس": سنطلب من كافة منظورينا عدم تزويد أسواق الجملة من الخضر والغلال

كما أن ولاية سوسة "تحتل الرتبة 12 في مؤشر نسبة الفقر المدقع سنة 2019، في حين تقدر نسبة البطالة سنة 2018 بـ 13.4%، مقابل معدل وطني يساوي 15.5%" حسب المصدر نفسه. وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع بعد أزمة كورونا والظرف الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد.

كما تشهد الولاية تفاوتًا تنمويًا بين الواجهة البحرية لسوسة الكبرى وباقي مناطق الولاية خاصة الداخلية منها، مع بروز أحياء سكنية فوضوية متاخمة لأهم المدن، نتيجة تمركز جل الأنشطة الاقتصادية بسوسة الكبرى.

المجتمع المدني يتحرك ضد توريد النفايات في ميناء سوسة  (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

اقرأ/ي أيضًا:

ارتفاع نسبة البطالة إلى حدود 17.8% خلال الثلاثي الأول من سنة 2021 

حوار| آرام بلحاج: تعهدات تونس مع صندوق النقد قد تؤدي إلى انفجار اجتماعي